الخوف من الكتابة- كامل سلمان

لا يوجد إنسان لا يخاف ولكن درجات الخوف تختلف عند الناس وعند جميع الكائنات الحية ، والكاتب عندما يخاف فدرجة الخوف تعتمد عنده على من يسبب له الخوف بسبب الكتابة الجريئة ، فالجهة التي تخالفه الرأي ومدى جهالتها ووحشيتها وعدم استيعابها لحرية الرأي وحرية الكتابة قد تكون مصدر خطر على حياته ، فإن كانت جهة عنيفة فهي حتماً جهةٍ جاهلة والجاهل بطبيعته كائن خطر ، فيضطر هذا الكاتب إلى التخفيف في كتاباته أو الإنسحاب أو المجاملات أو يستمر بكتاباته دون خوف أو وجل يكتب ما يمليه عليه ضميره وما يراه على أرض الواقع ، الحقيقة المؤلمة التي يقع ضحيتها معظم أصحاب المقالات هي المديح المفرط أو النقد الجارح ، ففي الحالتين تفقد المقالة قيمتها لأن الكاتب واجبه أن يكون صوتاً هادئاً يتحدث بلسان الناس وبما يعانون بأسلوب حضاري مرن يكسب فيه عطف القارىء مهما كانت توجهاته ويوصل رسالته بأمانة ، لا أن ينسى نفسه ويتحدث بمشاعره الخاصة ، ويزداد إستغرابي لمن يكتب وهو ينتقد من لا ينفع معه النقد، لا أدري لماذا هذا النقد لمن لا ينفع معه النقد ؟ هل يرجو منه أستقامة في السلوك أو التصرف الحسن ؟نحن تعلمنا بأن النقد يمكن توجيهه لمن تتأمل منه خيراً ، فهل من الإنصاف نقد الداعشي على سلوكياته مثلاً لتتأمل منه خيراً ؟ فالداعشي هو مشبع العقل بأفكار دموية ولا يملك غير هذا السلوك الأعوج المبني على سفك الدماء . فما هي قيمة النقد معه ؟وكذلك اللصوص الكبار هل يمكن نقدهم بسبب سرقتهم الأموال ؟ فهذه وظيفتهم ، وكل ما تعلموه في الحياة سرقة أتعاب الأخرين ، لذلك أجد من الضرورة أن يتخلى الكاتب عن النقد لمن توغل بالسوء وغاص بالموبقات ويتجه إلى تحليل السلوكيات المنحرفة التي أصبحت الصبغة الغالبة لمعظم السياسيين والقادة وحتى الموظفين في الدولة بل غالبية الناس عقولها تعطلت لأن الأفكار التي تغذي المجتمعات أفكار لا تصلح لنوعية الحياة التي نعيشها ، كل المفسدين في الأرض هم خريجوا الأفكار المنحرفة وغالباً ما تكون مغلفة بالدين أو بالقومية أو بالشعارات الوطنية . لا يوجد فاسد كبير إلا وله إنتماء سياسي وخيمة حزبية ، لأنه يحتاج إلى غطاء سميك يحميه عندما يقع في الفخ ، فمثل هذا المحروس حزبياً تكون عملية نقده مجازفة وسبيل للتهلكه فهو جزء من منظومة حزبية وهذه المنظومة تعيش تحت ظل مظلة فكرية متعددة الأوجه ، ، الاحزاب وخاصة الثورية سواء أكانت دينية أو غير دينية تركيبتها من الأساس هشة أخلاقياً ، فكل شيء سيء غير متوقع من الإنسان الطبيعي يمكن توقعه من الإنسان الحزبي الثوري لأنه يتصرف حسب التوجيهات . فالكتابة بالنسبة للكاتب يجب أن تكون واضحة وغير طاعنة . وعندما أقول خالية من الطعن لأنني أؤمن بأن الفساد لا ينزل من السماء بل يخرج من داخل الإنسان ومن البيئة وهذه البيئة هي حاضنة كبيرة تشجعه على فعل السوء ، لم نكن نتوقع بأن زوال أفكار حزب البعث العفن ستكون متنفساً لظهور أفكار أكثر عفونة ، هذا التحول من السيء إلى الأسوأ لا يصح المرور عليه مرور الكرام بل يجب فهمه وتحليله بعمق فهي حالة شاذة لا تحدث في المجتمعات الطبيعية .. أنت ترى شخصاً يشرب من ماء النهر الملوث ، قبل أن تطالبه بالأبتعاد عن النهر أشرح له خطورة الماء الملوث وأرشده إلى من منع عنه الماء الصالح للشرب ليعرف بأنه مظلوم ، نحن معشر المتعلمين نفتقد لهذه القدرة ولا نمتلك هذه الملكة ولكن الفاسدين يمتلكون القدرة على فعل العكس ، يمنعون الماء الصالح للشرب عن المواطن فيضطر هذا المواطن الذهاب للنهر الملوث ليشرب منه دون أن يعي بأن هنالك من منع عنه الماء الصالح للشرب . فأي كتابة ستنفع هذا المواطن وأي نقد سيغير هذا الفاسد ولكن عندما يقتنع المواطن بأن المرض الذي يصيبه بسبب الماء الملوث هو نتيجة لسلوكيات هذا الفاسد الذي أجبرهم على شرب الماء الملوث عندها سيصحو المواطن من غفلته ويدرك بأن هذا المسؤول هو سبب أمراضه ، وهذا هو دور المثقف والكاتب ( تعريف وتشخيص الحقيقة وإيصالها للمواطن المغفل وما أكثر المغفلين ) لأن بالمحصلة لا أحد يستطيع إزاحة الفاسد غير الشعب عندما يفهم الحقيقة ويعي دوره ، مجتمعاتنا تعيش الهزائم النفسية المتتالية دون توقف على كافة الصعد ، لذلك تعجز هذه المجتمعات في الدفاع عن نفسها و المطالبة بحقوقها ، والمشكلة لا يدرون بأن هناك من يقف وراء هزائمهم ، يهزمون في كل مرة ولا يدرون بأنهم مستغفلون ولا يدرون بأنهم ضالون لأن الفاسدين المتسلطين على روؤسهم يوحون إليهم بإنهم سائرون على الدرب الصحيح لكي تبقى عقولهم لا تدرك الحقيقة ، فهنا يأتي دور الكاتب ليركز في مقالاته حول هذه الالام ويحلل اسبابها ، لا لينتقدها فأن النقد هنا كالطرق على المسمار في الحائط يزيد من ثبات الجاهل على جاهلته رغم الضرر الذي يعانيه ، فالكاتب لا يحتاج إلى التحدي أو التخفي بل يحتاج إلى تبسيط المساوىء وجعلها قابلة للفهم لكي يهضمها المواطن ، كمعدة الطفل الرضيع لا تهضم سوى الطعام السهل وهو الحليب الخفيف فهذا كل ما يحتاجه المواطن البسيط الذي أبتلى بعقول شيطانية عدوانية مدمرة تسلطت عليه . من المبادىء التي فهمناها في هذه الحياة هي أن المتخلف الذي لا يفهم مايدور حوله يحتاج إلى العطف والتعاطف قبل التوعية . ملخص القول أن الكاتب شخص غير عادي يتحمل مسؤولية استثنائية في تغيير الواقع وتعديل المسار الذي دأب عليه المجتمع ولكن كيف ؟ هنا يكون للأبداع والفكر النير حضوره .

One Comment on “الخوف من الكتابة- كامل سلمان”

  1. الكتابة مسؤولية أخلاقية سواء كان الكاتب هاويا او محترفا. قل كلمتك التي تؤمن بها وأمض. لكن كما يقول المثل البغدادي (اذا كلت لا تخاف، وإذا خفت لا تكول). ولا تقل للناس نصف الحقيقة لأن نصف الحقيقة هي كذبة كاملة. ليس العيب لمن ينشد الحقيقة للاخرين، لكن العيب كله لمن يخفيها عنهم عن عمد اما مجاملة او خوفا منهم. فالكلمة الصادقة الحقة حارقة قد تحرق صاحبها، ولكن (إذا أنا لم احترق واذا انت لم تحترق فمن الذي ينير الدرب اللاخرين؟) كما قالها الشاعر التركي ناظم حكمت بوجه سلطة كمال اتاتورك ودفع في سبيلها 27 سنة من حريته السجن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *