بزشکيان وعباءة خامنئي- منى سالم الجبوري

 

من الصعب على إيران أن تخمن ما سيحدث تحديدا خلال الاعوام الاربعة القادمة من ولاية ترامب، لکن هناك إجماعا بخصوص إن ما سيحدث سيکون قطعا أسوأ مما حدث خلال ولايته الاولى(2016 ـ 2020)، والذي يبعث على المزيد من القلق في طهران، إن ترامب ولحد الان لم يدل بتصريحات ذات عيار ثقيل وإنما إکتفى بتلميحات وفق اسلوب”اللبيب بالاشارة يفهم”!

ترامب الذي ألغى الاتفاق النووي للعام 2015، وطالب النظام في طهران بالتفاوض لإبرام إتفاق جديد، فإنه لايزال يريد نفس الشئ، مع ملاحظة إن الاتفاق النووي للعام 2015، لم يرق لبلدان المنطقة من جانب وحتى إن المعارضة الايرانية شککت فيه وقالت بإنه کان من الممکن فرض شروط أقسى على النظام لأنه کان أساسا في موقف ضعف وکان مضطرا للقبول صيغة أخرى أشد قسوة، ومن المٶکد بأن هناك ترحيبا واضحا من قبل المنطقة والمعارضة الايرانية بما يسعى إليه ترامب بهذا الصدد.

عودة موضوع التفاوض الايراني مع أميرکا والذي ليس بمقدور طهران تجاهله وعدم تحديد موقف واضح منه، سعى الرئيس الايراني من خلال تصريح له في الخميس المصادف 23 من يناير2025، مغازلة ترامب من جهة ومطالبة الجناح المتشدد في النظام بتفهم الامر وتقبله کأمر واقع عندما قال:” أعتقد أنه يجب أن نتحدث مع العالم بلغة السلام والتحية، وليس بلغة الصراع مع الجميع”، وکتبرير لحتمية إجراء التفاوض فقد أضاف:” الصين بكل عظمتها، رغم تهديدات أمريكا المستمرة لها، لا تزال تتعامل معها بحذر، لأنها تريد تحقيق أقصى فائدة من هذا العالم الذي نعيش فيه”!

لکن وفي يوم الجمعة 24 يناير2025، رد ممثلوا الولي الفقيه خامنئي في منابر الجمعة في العديد من المدن وبصورة متناسقة على دعوة بزشکيان للتفاوض وقاموا بتوجيه إنتقادات لاذعة له، في مدينة مشهد قال رجل الدين علم الهدى وهو يشير الى دعوة بزشکيان:” هناك بعض الأشخاص داخل بلدنا ما زالوا متعلقين بالغرب، وينظرون نحو بوابة أوروبا وأمريكا، ويحاولون عزف لحن التفاوض” وأضاف بنبرة مٶدلجة وکأنه يأمر بزشکيان قائلا:” على المسؤولين الأعزاء أن يدركوا هذا الفضل الإلهي وهذه العناية الربانية. عليهم أن يعتمدوا قليلا على النعم الإلهية في بلدنا، وأن يعملوا لإنقاذ الناس من هذه الأوضاع المتردية والاختلالات، وألا يعلقوا آمالهم على أعدائنا”.

وفي طهران، فقد حاول أحمد خاتمي، عضو مجلس صيانة الدستور ومجلس خبراء النظام، التقليل من أهمية تصريحات بزشكيان، مؤكدا: “ليعلم العالم، وليعلم الأمريكيون أيضا، أن موقف النظام تجاه أمريكا هو موقف الإمام ومقام القيادة العليا. الإمام قال إن أمريكا هي الشيطان الأكبر، انتبهوا، أمريكا هي الشيطان الأكبر، ومقام القيادة العليا أكد ذلك مرارا”.

غير إن الذي لفت النظر أکثر هو تصريحات وزير استخبارات حکومة بزشکيان ذاتها والذي قام بتوجيه إنتقادات لاذعة الى الداعين للتفاوض داخل النظام ففي اجتماع مع قادة الجيش الموالي لخامنئي، أشار الوزير إلى ما وصفه بـ”الخوف والرهبة” لدى هؤلاء، قائلا:”إذا غلبت علينا هذه الأبواق والصيحات حول التفاوض، والشغف والخوف، فسنكون الخاسرين. العدو لا يريد التفاوض المباشر من أجل تعامل متكافئ أو ما يسمى بلغة العصر لعبة رابح ـ رابح، بل يريده تفاوضا أمريكيا خالصا. أمريكا تقول: لا تمتلكوا برنامجا نوويا، حدوا من صواريخكم، لا تتواجدوا في المنطقة، واصنعوا السلام مع الكيان الصهيوني، والنتيجة لن تكون إلا الذل والهوان والهزيمة”!

بعد الذي إستعرضناه، خصوصا مع الاخذ بنظر الاعتبار إن هناك توجيهات مرکزية بخصوص خطب الجمعة ومن إنهم ممثلون لخامنئي، مما يعطي ثمة أهمية لما يقولونه، کما إن وزير إستخبارات حکومة بزشکيان عندما يدلي بهکذا تصريح مناقض لموقف رئيسه، فإنه من المهم جدا هنا أن نعيد الى الاذهان ما قد جرى في بداية الاستعدادات للمفاوضات التي أفضت الى الاتفاق النووي في تموز 2015، حيث کان هناك الکثير من الشد والجذب في التصريحات الى الحد الذي دخل فيها خامنئي نفسه وفي الايام الاخيرة قبل التوقيع على الاتفاق، عندما حدد وقتها 19 شرطا للموافقة على الاتفاق، ولکن تم إبرام الاتفاق ولم يٶخذ بشروط خامنئي، أي إننا نريد القول، بأن بزشکيان کما کان الحال مع روحاني”عراب إتفاق2015″، قد خرجا من عباءة خامنئي ولا يمکن لبزشکيان أبدا أن يقدم على التفاوض وتوقيع إتفاق نووي من دون ضوء أخضر من خامنئي.

في کل الاحوال، شاءت طهران أم أبت فإنها مضطرة رغما عنها للجلوس على طاولة التفاوض لکن الاهم من ذلك هو: هل بإمکانها فرض شروط على ترامب المتعطش لإذلال هذا النظام الذي إستخف به خلال ولايته الاولى؟

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *