سوريا تفاجئ الدنيا- مدريد : مصطفى منيغ

تجديد الأسُسِ لدولةٍ أصعب من تأسيسها مِن جديد ، كتقويمِ القائمِ الخارجِ عن التَّقويمِ كانَ لحُكْمٍ فاسِد ، محتاج ذلك لإرادةٍ مِن حديد ، يسبقها نضال مُنظَّم منتظِم يقوده رأي جماعي سَدِيد ، نابع من تَفجُّرِ صبرٍ حسبه غرور حاكمٍ ظالم جائر أنه لأصحاب لم يقدِّروا ما تساقَطت على رؤوس أهاليهم من براميل حارقةٍ تجعل السادة منهم يتمنَّون التحوُّل لمجرَّد عبِيد ، مقابل الكفِّ عن ضرب شرفاء سوريا الأحرار القريبين من دمشق كالبعيدين عنها لخاطر الانبطاح لمذلة نظام عابِدٍ لصَنَمٍ وحِيد ، اشترَى استمراره ببيع كرامة السوريين لصمتٍ يلحق المتشبثين به عن خوف إلي الدفن أحياء في سجون أصبحت مكتظة وكأنها بمثل الزحام عقاب مرير لا يطيقه أحد شديد . تجديد الأسس لمن قاربت الانهيار الكلي كدولة أصعب لمقاربتها مع حسن الاختيار لمن سيقود مؤهل لمثل الصرح لإشعاعه الحضاري يعِيد ، بعد عقود خمسة من التشويه والخروج عن سبيل التطوُّر العادي كسنة الحياة إلى التأخُّر اللاَّعادي لدكتاتورية مُعتَدي تعالى على التاريخ العام لتعويضه بخاص يؤرِّخ لفداحة جرائمه وعلى ما يتباهَى به تحدياً لأي جزاء مستقبلي يزِيد . لذا رأَى البعض أن الثورة وإن نجحت لا تستطيع على مثل التجديد بصفتها القائِد ، مكتفية بما أنجزته عن طريق تضحيات جسام مانحة مشعل ما بعد ذلك لسياسيين يحسنون التحدث اعتماداً على “سوف” تاركين لما يأتي بعدها من التكهنات ومن مرادفاتها الدبلوماسية العديد العدِيد ، لكن الثورة السورية مسحت مثل النظرية من أفكار محللين اعتمدوا أدبيات لم تعد مسايرة لمثل المرحلة الهادفة إلى الإصلاح بالإصلاح وليس بمن يعوِّض فرَح النَّصر بتوقيت يوقِف مخلفاته الايجابية عن المدح ليتشفَّى بالفاعل كل حاسد عنِيد . لقد اختارت الثورة السورية بأسلوب متحضِّر راقي ما يُسهِّل انتقال السلطة بكيفية تُقنع الجميع محلياً ودولياً باستثناء القليل أن الحق الدافع لحمل السلاح من أجل التحرر وانقاد سوريا من بطش حفنة من بشر رواد طغيان وتدمير وتجويع وقتل الأبرياء وما هيمن على ما بقى صامدا داخلها من تهدِيد ، إلى استبدال الرفع المذكور بتحمل المسؤولية الكفيلة بتشطيب كل تلك المظاهر بإقامة ما يؤكد أن للسوريين إلمام المتفقهين لإقامة نظام يسود بالعدل والمساواة والمشاركة الجماعية المباركة انطلاقاً من يوم اعتبروه للنصر المبين على “الأسد” المرحلة السوداء المقتطعة من الزمن الرديء بمثابة أطيب وأسعد عيد ، فكان على الثورة بكل أركانها والمنتمين إليها والمتعاطفين معها والراغبين في رفع راية الحرية والكرامة والشرف والعودة بسوريا إلى المَجِدِ المُمَجَّد المَجِيد ،أن تختار رجل مرحلة الإقلاع لتحمُّل عبء تمثيل سوريا الدولة والشعب وإعطاء ما تتطلبه الشرعية الخارجية عبر الدول قابلة التعامل الرسمي مع الجانب المعترف به الحاصل على خلفية ثقة المعنيين الأوائل كقاعدة أساسية وليست صدفة أوجدتها لضياع الوقت ظروف لن تكون لمثل الموضوع مجرَّد الهش المنقِذ ، فكان الشرع حاملا منذ اليوم لقب رئيس الجمهورية العربية السورية  متعاملا مع الجميع بما وعد به من تقديم أقصى التضحيات للسير فوق النهج القويم عسى سوريا تنهض بما حلمت دوما النهوض به كقطر يستحق زعامة العرب بما يفيدهم ويوحد صفوفهم ويجعل الإسلام الحق رائدهم ورافعهم إلى الأسمى ذي النعم في الدارين والخير العميم المَدِيد  ، وبالمناسبة ألقى خطابا (توصلت بنسخة منه) جاء فيه ما يلي : “أقف اليوم هنا لنفتح فصلا جديدا بتاريخ بلدنا الحبيب ، انطلق هذا النصر من حناجر المتظاهرين وهتافات المحتجين في الساحات والميادين ، انطلق من أنامل حمزة الخطيب وأهازيج المظاهرات وآهات المعتقلين والمعذبين في أقبية تدمر وصدناية وفرع فلسطين  ، واستمر بتضحيات الثوار الذين حرروا ارض سوريا رغم عذابات الصواريخ والبراميل قلم يمتنوا ولم ينكسروا .

 أيها الإخوة والأخوات تسلمت بالأمس مسؤولية البلاد وذلك بعد مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين لضمان سير العملية السياسية ضمن الأعراف القانونية ، وبما يمنحها الشرعية اللازمة ، ومن هنا أخاطبكم اليوم بصفتي رئيسا لسوريا في هذه الفترة المصيرية ، سائلين الله أن يوفقنا جميعاً للنهوض بوطننا وتجاوز التحديات التي نواجهها ولن يكون ذلك إلا بتكاثف الجميع شعبا وقيادة . أحدثكم اليوم لا كحاكم بل خادم لوطننا الجريح سعيا بكل ما أوتيت من قوة وإرادة لتحقيق وحدة سوريا ونهضتها مصاحبين جميعا أن هذه المرحلة انتقالية وهي جزء من عملية سياسية تتطلب مشاركة حقيقية لكل السوريين والسوريات في الداخل والخارج لبناء مستقبلهم بحرية وكرامة دون إقصاء أو تهميش ، وسنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا برجالها ونسائها وشبابها تتولى العمل على بناء المؤسسات السورية الجديدة حتى نصل إلى مرحلة انتخابات حرة نزيهة ، واستنادا لتفويضي بمهامي الحالية قرار حل مجلس الشعب ، فأنني سأعلن عن لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغر يملأ هذا الفراغ في المرحلة الانتقالية ، وسنعلن في الأيام القادمة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني والذي سيكون منصة مباشرة للمداولات والمشاورات واستماع مختلف وجهات النظر حول برنامجنا السياسي القادم ، وبعد إتمام هذه الخطوات سنعلن عن الإعلان الدستوري ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية ، سنركز في الفترة القادمة على رسم أولياتنا على الآتي : تحقيق السلم الأهلي ، وملاحقة المجرمين الذين بلغوا في الدم السوري وارتكبوا بحقنا المجازر والجرائم سواء ممن اختبئوا داخل البلاد أو فروا خارجها ، عبر عدالة انتقالية حقيقية ، إتمام وحدة الأراضي السورية كل سوريا،  وفرض سيادتها تحت سلطة واحدة وعلى أرض واحدة ، وبناء مؤسسات قوية للدولة تقوم على الكفاءة و والعدل لا فساد فيها ولا محسوبية ولا رشاوى، وإرساء دعائم اقتصاد قوي يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية ويوفر فرص عمل حقيقية كريمة لتحسين الظروف المعيشية واستعادة الخدمات الأساسية المفقودة .

 يا أبناء سوريا الحرة :إن بناء الوطن مسؤوليتنا جميعا ، وهذه دعوة لجميع السوريين للمشاركة في بناء لوطن جديد يُحكم فيه بالعدل والشورى ، معا سنصنع سوريا المستقبل ، سوريا منارة العلم والتقدم وملاذ الأمن والاستقرار ، سوريا الرخاء والتقدم والازدهار ، سوريا التي تمد يدها بالسلام والاحترام ليعود أهلها إلى وطن عزيز كريم مزدهر آمن مطمئن بإذن الله والحمد لله رب العالمين”.    

   مصطفى منيغ

aladalamm@yahoo.fr

https://assafir-mm.blogspot.com /

https://x.com/mustapha94035

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *