لماذا نكره الفيدرالية؟- كامل سلمان

الفيدرالية نظام حكم حضاري يؤدي إلى نمو اقتصادي وعلمي وثقافي بوتيرة مسرعة ويصنع بلد ذات وجود محترم بين الأمم . معظم دول العالم المتقدم تتوجه للفيدرالية نظراً للنتائج العظيمة التي تفرزها هذه التركيبة الدستورية للبلد ، فمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية بفضل الفيدرالية أصبحت بعض الولايات مثل تكساس ذات الثروات الهائلة محط هجرة الايدي العاملة والشركات الكبرى والتطور العمراني الرائع من شوارع وبنايات ومؤسسات صحية وتعليمية فأصبحت هذه الولاية تغذي الاقتصاد الأمريكي بعشرة اضعاف الولايات الأخرى ، فلو تخيلنا بأن العراق بلد فيدرالي سنجد المحافظات الجنوبية الغنية بالنفط محط هجرة ألأيادي العاملة إليها وسنجد الدخل المعيشي لأبن الجنوب يزيد عن الدخل المعيشي لأبناء باقي المحافظات وسنرى البصرة هي دبي العراق والعمارة هي سليمانية الجنوب ، إضافة إلى الأستقرار السياسي سيصاحب ذلك استقرار اقتصادي وأمني ومجتمعي وانفتاح ثقافي كبير ، فمع كل هذه الفوائد نلاحظ هناك إصرار غير طبيعي من جميع الأنظمة الحاكمة التي حكمت البلد في رفض الفيدرالية ونبذها فما هو سبب ذلك ؟ يمكن تلخيص أسباب رفض الديمقراطية بثلاثة أسباب . السبب الأول بلا أدنى شك الجهل السياسي عند جميع الأنظمة السياسية التي حكمت العراق منذ اليوم الأول للاستقلال ، والجهل يشمل عدم الإدراك السياسي ، الجهل في مبادىء حقوق الإنسان ، الجهل في تمييز النافع من الضار ، الجهل في معرفة معنى حق الأجيال القادمة بثروات اليوم . السبب الثاني الخوف من التقسيم ، الحكام لا يهمهم أن ينقسم المجتمع اخلاقياً وثقافياً ويتردى وضع المجتمع إلى الحضيض لكنهم حريصين على أن لا يكون هناك استقلالية في المجتمع فيتصورون بأن الفيدرالية ستؤدي إلى تقسيم البلد وانفراط السبحة وبالتالي فقدانهم السيطرة على البلد ، هذه النظرة الجاهلية متوارثة من تركيبة العائلة العراقية التي ترفض أن يكون أحد ابناءها المتزوجين يعيش حياته الخاصة لأن معتقداتهم يجب بقاء العائلة في سكن واحد مهما ضاق بهم السكن للحفاظ على وحدة العائلة وكأنهم يعتقدون بأن استقلالية الفرد يعني القطيعة فيأخذون جانب ضيق جداً وفيه احتمالية ضعيفة جداً ويبنون عليها موقفهم ويتركون جميع الجوانب الإيجابية الكبيرة حتى تصل الأمور بعض الأحيان أن يتبرأ الأب عن الأبن في حالة استقلاليته ، فهي إذاً عقدة اجتماعية موجودة في تركيبة الإنسان العراقي والعائلة العراقية والسورية وغيرها . السبب الثالث هو تأثير دول الجوار التي لا يمكن أن تصل أنظمتها المستبدة إلى خيار الفيدرالية فهي ترفض هذا النظام الحضاري المتطور وكذلك تمنع جاراتها من تجربته وبما أن دول الجوار لها سلطة على الشأن الداخلي بنفس مستوى سلطة الحكومة فتصبح القرارات السيادية شبه مستحيلة عند حكومة المركز ، فهم يلاحظون مدى التطور الذي شمل كوردستان بفضل الفيدرالية ورغم ذلك يمنعونها عن باقي المحافظات لأنهم يخضعون للعوامل الثلاثة أعلاه بل ويسعون إلى تقويض تجربة كوردستان بكل السبل خوفاً من انتقال عدوى التطور . . خذ سوريا على سبيل المثال فهذا احمد الشرع يتحدث عن الحرية ويمنع فكرة الفيدرالية تحت عذر الحفاظ على سوريا الموحدة ولا يدري بأنه حتى لو ارتضى الفيدرالية فأن تركيا ستمنعه . فكيف سترى هذه الدول النور وهي تعيش في جهالة حضارية مقيتة وتفهم السياسة مجرد حروب ودفاع عن المبادىء وبناء سلطة بوليسية وسلطة القوة والعنف بغض النظر عما يصيب البلد من مآسي و ويلات . . مشكلتنا عقلية وأخلاقية قبل أن تكون فكرية وسياسية فما زلنا نعتقد بأن العلمانية هي كفر وإلحاد مع العلم العلمانية مجرد نظام حكم مدني يمنع تدخل الأيدلوجيات في إدارة الدولة ، فمتى ما عرفنا هذه سيمكننا التعرف على غيرها ونستوعب مدى جهالتنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *