اللغة، التقاليد، والفنون تُعتبر الثقافة الكوردية واحدة من أكثر الثقافات تميزًا في الشرق الأوسط، حيث تعكس مزيجًا فريدًا من التاريخ والحضارة. وبالنظر إلى الكورد في سوريا، نجد أن هويتهم الثقافية تعكس تنوعًا غنيًا يعبر عن أنماط حياتهم وفنونهم وتقاليدهم.
اللغة الكوردية : الحجر الأساس للهوية اللغة الكوردية تُعتبر من العناصر الأساسية للهوية الثقافية، حيث تُستخدم لهجة واحدة في سوريا: الكرمانجية تكتسب اللغة أهمية خاصة كأداة للتعبير عن التاريخ والتقاليد، وكوسيلة للحفاظ على التراث الكوردي في ضوء التحديات الثقافية التي واجهت الكورد على مر العصور.
في السنوات الأخيرة، شهدت اللغة الكوردية نهضة عبر مجهودات متعددة لإحيائها. هناك مدارس وبرامج تعليمية تركز على تدريس اللغة الكوردية، بالإضافة إلى الكتب والمجلات التي تنشر بها. يتم تدريس اللغة في مناطق تحت سيطرة القوات الديمقراطية السورية (قسد)، حيث تُعتبر جزءًا من النظام التعليمي الذي يسعى لتعزيز الهوية الكوردية والحفاظ عليها. الشباب الكوردي يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز اللغة، حيث يستخدمونها في الأغاني والشعر والروايات الحديثة، مما يدفع إلى تجديد التراث اللغوي وجعله ذا صلة بالحياة اليومية. إضافة إلى ذلك، يوجد العديد من القنوات الإعلامية الكوردية التي تسهم في تعزيز استخدام اللغة في المجتمع.
الفنون الشعبية:
لغة الروح الكردية الفنون الشعبية الكردية تشمل مجموعة واسعة من التعبيرات الفنية بما في ذلك الرقص، الموسيقى، والشعر. رقص “الدهُر” هو واحد من الرقصات التقليدية الأكثر شهرة، حيث يشارك فيه الأفراد في دائرة ترمز إلى الوحدة والانتماء، ويتم رفع الأيدي إلى الأعلى في حركة تعكس الفرحة والتحرر. الموسيقى الكردية تعتمد على آلات تقليدية مثل الزرنا، التي هي نوع من البوق، والبزق، آلة وتريّة تشبه العود. الموسيقى تتناول مواضيع تتراوح من الحب والفراق إلى الطبيعة والحياة اليومية، مع تأثيرات من التراث الشعبي الكردي والموسيقى العربية والتركية. هناك أيضًا شكل خاص من الشعر الكردي يُعرف بـ”الديوان”، حيث يتم تلاوته في المناسبات الاجتماعية، وهو يعبر عن القيم والحكم والفلسفة الكردية. الشعراء الكرد يروون قصص النضال والحب والمعاناة، وبذلك يضيفون للثقافة بعدًا عاطفيًا وتاريخيًا.
التقاليد والمناسبات:
مظاهر التراث الحي تتجلى التقاليد الكردية بشكل لافت في الاحتفالات والمناسبات الدينية والوطنية. أبرز هذه الاحتفالات هو “عيد نوروز”، الذي يُحتفل به في 21 مارس، ويُعتبر بداية العام الكردي ورمزًا للحرية والانتصار. يرتبط عيد نوروز بتراث قديم، حيث يتم إشعال النار، الغناء، والرقص، مع تقديم الأطعمة التقليدية مثل البليلة. الزيجات الكردية تُعقد بعدة أشكال، ولكن تشترك فيها تقاليد مثل تقديم الهدايا، والمشاركة الجماعية الكبيرة، والاحتفالات التي قد تستمر لأيام. الضيافة هي من القيم الأساسية التي تبرز في هذه المناسبات، حيث يتم استقبال الضيوف بشكل حار، وتُعد الوجبات الغزيرة والتقاليد الكردية للضيافة الجزء الرئيسي من الثقافة.
الأدب والكتابة:
نقل الروح الكردية تمثل الكتابة والأدب جزءًا جوهريًا من الهوية الثقافية الكردية. هناك العديد من الكتاب والشعراء وبعض المؤرخين الذين خدموا كمنارات للثقافة، منهم من كتب عن التقاليد والتاريخ، ومنهم من تناول المواضيع المعاصرة مثل الحرية والعدالة.
الأدب الكردي لا يقتصر على الروايات والشعر فحسب، بل يشمل أيضًا القصص القصيرة، المقالات، والدراسات التاريخية. هناك جهود مستمرة لترجمة الأعمال الأدبية إلى لغات أخرى لنشر الثقافة الكردية عالميًا، مما يسهم في تعزيز الوعي بالهوية الكردية في العالم.
الحفاظ على الهوية:
التحديات والتطلعات تعمل العديد من المنظمات الثقافية والسياسية على تعزيز الهوية الكردية من خلال إقامة فعاليات ثقافية ومهرجانات. يأتي ذلك بهدف الحفاظ على الثقافة والتراث، وتقديم الأكراد للعالم بشكل إيجابي. مهرجانات مثل مهرجان نوروز، مهرجانات الأدب، والمعارض الفنية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الثقافة وإعادة تأكيد الهوية.
رغم التحديات التي تواجه الأكراد في سوريا، سواءً من حيث النزاعات أو السياسات القمعية، فإن إرادتهم في الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم تبقى قوية. يتم تدريس اللغة والتقاليد في المدارس، وتُنظم الفعاليات الثقافية بشكل دوري لتذكير الشباب بأصولهم ولتعزيز الفخر بالهوية الكردية.
في ختام هذا المقال، يتضح لنا أن الهوية الثقافية للأكراد في سوريا ليست مجرد تقاليد أو عادات، بل هي شجرة تتفرع منها العديد من المسارات، تُعبر عن تاريخ طويل من النضال والإبداع. استمرار هذه الهوية مرهون بالإرادة الجماعية للحفاظ على اللغة والفنون والتقاليد، حيث إن الثقافات لا تُختصر فقط فيما هو مادي، بل تتعلق أيضًا بالمشاعر والانتماء. الهوية الكردية في سوريا تتطلع إلى مستقبل حيث يمكن للأكراد أن يعبروا عن هويتهم الثقافية بحرية وفخر، مساهمين في تنوع الثقافات العالمية.
أزاد فتحي خليل
كاتب وباحث سياسي