ماهي الديموقراطية؟ … رغم حظور هذه الكلمة وطرحها في كل سياق وتصوُّرْ الحكومات الاعمال، التكنولوجيا، التعليم، الإعلام٠ وان كانت تعني (نظام حكم قائم على مبادئ رئيسية منها نظام سياسي لإختيار الحكومة وإنتقال السلطة خلال الانتخابات الحرة النزيهة ومشاركة فعالة من قبل المواطنين في الحياة السياسية والمدنية مع ضمان وحماية حقوق الانسان لجميع المواطنين بعيداً عن كل إستثناء وتمييز على ضوء حكم القانون المطبق على الجميع)٠ لطالما تم التعامل مع هذه الكلمة بشكل بديهي لكن للأسف نادراً ماينظر الى معاناها بعمق وجدية٠ للعلم متجر أنظمة الحكم مليئة بمنتجات كثيرة لكن الديموقراطية أكثرها رواجاً وهي كلمة يونانية وتعني ( Demos- Kratos ) وتعني (حكم الشعب) أي نظام حكم تستمد حكمه من الشعب عبر الأغلبية الديموقراطية ويعد نظام قديم مارسه اليونان، حيث مارسوا (حكم ديموقراطي مباشر) وهو نظام ديموقراطي يشارك فيه كافة أفراد الشعب في إتخاذ القرارات باستثناء النساء والعبيد٠ بعد عدة قرون تشكلت (الديموقراطية التمثيلية أو النيابية)، حيث ينتخب الشعب ممثلين عنه لاتخاذ القرارات وتتميز بالتعددية السياسية، الانتخابات حرة شفافة، يشاركها جميع المواطنين المؤهلين كقانون يتساوى أمامه الحكام والمحكومين على ضوء مؤسسات وآليات تضمن حقوق الانسان وتسعى نحو النتائج المرجوة من الاستقرار السياسي، الازدهار الاقتصادي، محاربة الفساد، ضمان الحريات المدنية … وغيرها٠
لكن رغم كل مميزات الديموقراطية هل تعد هي الأفضل؟ الجواب ليس بالضرورة لدى البعض أو قد تكون لدى الأكثرية أحياناً٠إن لم تكن كذلك … لماذا؟
ليس هناك شيء كامل بالمعنى الصحيح وهذا يعود الى :
طغيان الأكثرية يؤدي الى تجاهل الأقليات وإختيار مرشحين بناءاً على شعبيتهم فقط٠
لمجرد الانتماء لنفس العرق، الطائفة، أو الدين، قد ىؤجج الصراع بين هذه الأطراف خصوصاً أن الشعب لايتمتع بمعرفة كافية لاتخاذ قرارات سليمة٠
المؤسسات الديموقراطية تتأثر بجماعات (الضغط) وسيطرة رؤوس الأموال ولا يمكن تجاهل رؤوس الأموال لدول تستخدم الديموقراطية بشكل آخر أو بعبارة أخرى منتج الديموقراطية تأتي هنا بأشكال مختلفة وقد تكون بعضها تكون مزيفة٠
قد تكون الديموقراطية أحد أفضل أنظمة الحكم لو كانت ضد الاستبداد، ولكن لايخلو نظام حكم من الاستبداد، وممكن أن يكون هناك نظام حكم ديموقراطي لكنه مستبد ونظام حكم غير ديموقراطي لكنه غير مستبد في الواقع الصحيح، هنا يمكن القول الديموقراطية ليس عكس الاستبداد دائماً مثل السفرجل ليست عكس الليمون٠
وهل فعلاً الديموقراطية (حكم الشعب نفسه بنفسه) نظرياً نعم، فمثلاً سابقاً في دولة المدينة الأغريقية كل السكان الأحرار يشتركوا في إتخاذ القرارات الخاصة بمدينتهم٠ وهم أصل إختراع الديموقراطية وأصل تسمية ( الديموقراطية المباشرة ) لكن هذه الديموقراطية تصلح لو كان عدد السكان بين (١٠٠ – ٣٠٠ ) شخص لكنها غير سهلة بل غير ممكنة لو ناقش (١٠٠٠٠٠) شخص قضية ما وتقود الى فوضى عارمةً، لاختلاف المستوى الذهني أو التعليمي والخبرات الحياتية وهذه عيوب (الديموقراطية المباشرة)٠
أوعند إعطاء الحق لكل الناس في مناقشة كل المواضيع المتعلقة بمصالحهم فنلاحظ أن المواضيع القليلة الأهمية والجدوى تأخذ وقت ومجهود أكبر في مناقشتها وحسمها أصعب من المواضيع المهمة، لو تفتح موضوع متعلق (بالأمن القومي) ربما يتم حسمه ومعالجته في وقت قصير، كون نسبة الذين يفهمون في الامن القومي أقل بطبيعة الحال، لكن لو تفتح موضوع عن حضانة الأطفال معظم السكان لهم وجهة نظر حول الموضوع والمناقشة تأخذ وقتًا وبعداً واسعاً لانه موضوع قريب للأكثرية٠
لو كان لديك (خمسون مليون مواطن) أين تجمعهم وكيف تآخذ رأيهم وتعرف وجهة نظرهم وكيفية مشاركتهم الموضوع؟ ربما تخترع قانون لعمل إستفتاء شعبي عام على كل موضوع على حدى، وان لم تكن خطة ذكية و مكلفة في آنٍ واحد، لانه كل إستفتاء يكلف الملايين وكل قرار يحصد وقت طويل٠
قد تحل مشاكل زيادة عدد الناخبين بطريقة (الديموقراطية النيابية) وهي إختيار(ناس) نيابةً عنا ووضعهم داخل البرلمان للمناقشة والقرار مع مراقبة الأحداث والإقرار عن الميزانية، والقيام بكل الخطوات وكأننا معهم في المكان ذاته، أن كان ذلك صحيحًا نظرياً فالعدد الهائل للأصوات الانتخابية يحول دون إمكانية (النائب) الإجماع بين هذا العدد من الأصوات المشاركة٠ ولايمكن للمنتخبين توجيه نائبهم في البرلمان الذي من المفترض أن يكون وكيلهم في التشريع والرقابة على الأحداث الانتخابية٠ (فالديموقراطية النيابية) تتحول الى التفويض على شخص ليتخذ كافة القرارات نيابةً عن (الدائرة الانتخابية) بغض النظر الى نسبة الذين ينتخبوا ومستوى التواصل بينه وبين الشعب٠ وهنا هل تحقق (الديموقراطية النيابية) فعلاً حكم الشعب نفسه بنفسه؟
للعلم ليست هناك (نسخة ديموقراطية) محددة في العالم لانه ديموقراطية أمريكا ليست مثل ديموقراطية فرنسا، وديموقراطية فرنسا ليست مثل ديموقراطية اليابان٠ ولكن العامل المشترك بين الدول الديموقراطية هي أنَّ الشعوب تضع أصواتها داخل صناديق الاقتراع، إذن هذه الخطوة لايمكن تحقيق الديموقراطية بحذافيرها٠
على الاغلب حق الترشيح يقتصرعلى النخب السياسية المعروفة سلفاً، لانه لاتسمع أبداً عن مواطن عادي رشح نفسه وكسب حملة دعائية بدون أن تكلفهُ مبلغ كبير جداً، أوقد تكون حملة يرعاها رجل أعمال أو حزب يرعاها رجال أعمال، والذي يكسب في الأخير صاحب (أفضل حملة دعائية) حتى لو لم يكن صاحب الفكر الأفضل والأنسب لخدمة المجتمع والناس٠
كيف يتبنى شعب ما الديموقراطية؟
لكي يتبنى شعب ما الديموقراطية لابد أن يطبق مجموعة من المبادئ الأساسية هي :
١-التعددية والتسامح
كون المجتمعات البشرية تتنوع وفق عدة مستويات : الدين، العرق، الفكر، السياسة، الثقافة … وغيرها٠ فعلى المجتمع المختلف تقبل بعضهم البعض، والتسامح مع أوجه الأختلاف، وتعاون الفئات للوصول الى حلول وسطية ترضي جميع الأطراف مما يعود بالرضا والفائدة للجميع٠
٢– التمثيل والانتخابات الدورية الحرة والنزيهة
ويعني أنَّ إرادة الشعب هو مصدرالحكم، أي الشعب بكل فئاته وأطيافه يعبر عن هذه الإرادة بإنتخابات حرة نزيهة ودورية تجري على أساس سري وعلى قدم المساواة بين الجميع٠
٣– حكم الأغلبية وحقوق الأقليات
في المجتمع الديموقراطي تفوز الأكثرية بالإنتخابات وأقلية خاسرة فبالنتيجة تحكم ألأغلبية بشرط أن تصون حقوق الأقليات والدستور٠
٤– الحكم الرشيد
الحكم الديمقراطي الناجح يتبنى حكماً رشيداً، أي على الحكومة أن تكون فعالة في إدارة شؤون البلاد ومواردها، شفافة في عملها متجاوبة مع متطلبات الشعب وخاصةً (الأساسية) مع تحقيق الرخاء لشعبها ومشاركة المواطنين في الحياة العامة ومستعدة للمحاسبة أمام الشعب٠
٥ – وجود إعلام ومجتمع مدني حر
من حق المواطنين المشاركة خلال الاعلام ومبادرات المجتمع المدني، فالاعلام الحُرْ يلعب دور الرقيب خلال الالتفافية الصحفية التي تكشف مواطن الخلل للرأي العام والسماح للمسؤولين شرح سياساتهم للشعب وللشعب حق إبداء الرأي إتجاه هذه السياسة٠ أما المجتمع المدني فيعبر عن أحتياجات ومتطلبات المواطنين والدفاع عن حقوقهم٠
٦– دور السلطات العسكرية
خضوع السلطات العسكرية المنتخبة من قبل الشعب التي تقتصر دورها على حماية الشعب والبلاد وتقديم المشورة للحكومة المدنية المنتخبة من الشعب، وتنفيذ أوامرها للدفاع عن الشعب والارض٠
٧- من أسس المجتمع الديموقراطي وجود أحزاب سياسية
من حق الشعب التجمع والتنظيم في أحزاب سياسية قائمة على مجموعة أفكار ومبادئ يتفق عليها أعضاء الحزب وهذه الأحزاب تشكل حلقة وصل بين الشعب والحكومة حيث يختار كل حزب مرشحيه ليصبحوا جزء من الحكم أو يجلسوا في صفوف المعارضة في حال خسروا الانتخابات، بإنتظار الانتخابات القادمة لمحاولة الوصول الى الحكم من جديد وتمثيل أعضاء الحزب بأفكاره الحكومة٠
٨– حكم القانون
لابد من وجود قانون يحكم البلاد والعباد يحترمه الجميع ويعتمد عليه في الحصول على حقوقهم
في حال إنتهاكها٠ فلا أحد فوق القانون مهما كان مركزه، مستواه الاقتصادي أو الاجتماعي أو موقعه ضمن الهيكل الإداري الحكومي٠
٩– العدل والمساواة
الديموقراطية عادة تحقق العدالة لجميع المواطنين المتساوين أمام القانون دون تمييز مع ضمان التعامل المتكافئ من قبل الحكومة٠
١٠- الشفافية والمحاسبة
فمن يتولى (الشأن العام) مسؤول إتجاه المواطنين والمال العام ويتخذ القرار بناءاً على المصلحة العامة وإرادة الشعب٠ وتأمن النظم الديموقراطية أساليب، طرق وآليات لجعل مختلف المؤسسات الحكومية والافراد مسؤولين في توجهاتهم بشكل عام ٠
١١- حقوق الانسان
صيانة مبادئ الديموقراطية في هذا النظام يجب صيانة حرية التعبير والتدين، حق الحماية تحت القانون، حق التجمع والمشاركة في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، حق الحياة الكريمة أي العيش بكرامة دون ذل في ذلك المجتمع والبلاد٠
في الجزء الثاني
ربنا لاتحقق الديموقراطية كافة تطلعات الشعب٠ تبقى الديموقراطية النظام الأوحد المقبول للحكم لانها …