النِظّامُ السياسيُّ الديمقراطيُّ فيِ العراقِ.. الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم. – عقيل وساف

 

صحفي وكاتب عراقي

 يُمكن الإتفاقُ معَ الفکرةِ التي تقولُ أن الديمقراطية والنظام السياسيّ لا تولدُ جاهزةً من رحم نظام الاستبداد الفاسد، ولكنها تحتاج إلى بناءٍ نظريٍ وعملي من الصفر. فهذه العمليةُ، لم ولن تتحقق عن طريقِ وصفةٍ طبيةٍ جاهزة، بل هي في واقع الامر عملية سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية معقدة.

فالواقعُ العراقيُّ في حقيقتهِ يملكُ نوعين من القوى أو العناصر، قوى الثبات، التي تقاوم التغيير أو التحول المفاجىء، وقوى التجدُدِ التي توفرُ الأرضية وتَعدُ المسرحَ للواقع الجديد.

حيثُ تُعَّدُ فکرةُ التحوّل والتغيير السياسي من أهم ما وصلَ إليهِ النظامُ في الواقعِ، وفقَ إطارٍ توافقيّ مُحدد، یُعّبرُ عن أهدافً ومصالحُ مشترکةً، كما یتضمنُ الدستورُ المبادئ الدیمقراطیةِ و القانونیةِ العامة، والقواعد الأساسیة التي توجّهُ النظامَ السياسيّ ، و التي تخضعُ لها القواعد الأدنى منها درجة، فیُعتبرُ المرجعیةَ الام لقوانین الدولة. والدستور في الأنظمةِ الدیمقراطیة، یُعتبرُ ثمرةَ المسارِ السیاسيّ والاجتماعي والثقافي، و یُلخّصُ المحطاتِ التي تَمرُ بها الشعوب.

فالدستورُ لیسَ وثیقة قانونیة فحسب، بل هو ُحلم الدیمقراطیة، الذي یُعَبّرُ عن رغباتٍ وآمالٍ وطموحاتُ شعبً لسنواتً طویلةٍ قد تَصلُ لقرون، وکلما کان هذا الدستورُ ترجمةً لهذا الحلمِ، کانت حیاتهُ أطول، وکُلما کانَ ترجمةً لأفکارِ فئةٍ معینةٍ لا تمثلُ الشعبَ، تكونُ حیاتهُ أقصرَ وتَنْعَكِسُ كليّاً فيِ السياسةِ العامة.

 حيثُ یجبُ إشراكُ کلِ طوائفِ الشعبِ لإعدادهُ، ليكونَ بمثابةِ تحقيقٍ لأحلامهم، ولذلك عملت الدول على توسیعِ دائرة المشارکةِ الدیمقراطیةِ في عملیات إعداد الدستور، بما یتماشى مع تحقیق الإستقرارِ والتوازنِ المؤسسي والحدُ من التوتر والصراعات في المجتمع.

 إن الشعبَ العراقيُّ، الساعي نحو تحقيقِ نظامٍ سیاسيّ تکونُ فیهِ الأولویةُ للمواطنِ ولیس للحاکم. حتى تمتلك الدولةُ العراقیّةُ بشكلٍ خاصٍ

رؤیا واضحة ونظرة مستقبلیة إلى الدورِ المطلوب منها کدولةٍ ملتزمة بسیادة القانون (دولة مؤسسات) قادرةٌ على تحدید الأهداف، ورسم السیاسات، والخطط، وبرامج التحول، والانتقالُ نحو التماسك الدیمقراطي، في ظل إدارة فاعلة تنظرُ إلى المواطنین، لا کمستهلکین یَتلقّونَ الخدمات، بل کمواطنینَ یشارکونَ في صنعِ القرار، وفرض التغییر، ولذا فإنّ عملیّةَ التحولِ الدیمقراطي في العراق تتطلّبُ حلولاً جزئیة وتدریجیة، نتیجة الأثقال التي اربكت النظام السیاسي العراقي الجدید، واستنفذت جزء غیر یسیر من طاقاتهِ وإمكاناته للمواجهةِ المستقبلیة المحتملة لمشکلاته الداخلیة والخارجیة.

ویأتي إختیارُ التحوّل السياسيُّ في العراقِ، من أهمیةِ التغییر الذي حصل في العراق في التاسع من نیسان من العام (2003)، إذ اتاحَ هذا التغییر، الفرصةَ للعراق لممارسة الدیمقراطیة بعد عقود طویلة من الاستبداد السیاسي، إلا إن التحوّل الدیمقراطي في العراق یواجه العدید من المعوّقات الداخلیة التي کانت تتفاعلُ مع المؤثرات الخارجیة وعلى مراحل ومواقف ومتغیرات مختلفة.

إنَّ عملیة التحوّل السياسي الدیمقراطي في العراق ما زالت ناشئة، وفي بدایة الطریق، وتتطلب جهود متعددة للمحافظة على ما تحقق، والسعي لتطویره ونقله الى التماسك الدیمقراطي.

حيثُ أنَّ التحوّل السياسي الديمقراطي یواجه عوائق عدیدة، قد تنبعُ بعضها ممن ینادي بهذا التحول، لاسیما إذا ما کان الشعب یعاني من فترةٍ طویلةٍ من الخضوعِ والظلمِ وفقدان الحریات الأساسیة.

فلابد من توعیةٍ للشعبِ والسلطةِ عن حقیقة التحوّل السياسيّ الدیمقراطي، وما یمثلهَ من مفاهیم أساسیة، مثل الحریة والسیادة والسلطة والدیمقراطیة وغیرها من شؤون الحیاة السیاسیة والثقافیة، بحیث تظهرُ لدى الشعب حقیقة التحوّل الدیمقراطي واضحة وکاملة، حیث أن هذا التحوّل بمثابةِ صُنعِ الحیاةِ وهو أمانةٌ کبرى في اعناقِ الشعوبِ، قبل أن یكونَ امانة في أعناقِ قادتها، ویعکسُ غیابَ الوعي به، مدى ضعف الشعوب وتخلّفها.

بالنتيجة، یستلزم التحوّل السياسيّ الدیمقراطيّ، إمکانیةُ دفعِ الناسِ الى التفکیرِ في مراحل وأهداف هذا التحوّل، وفي طبیعة النّظام وشکل الحکومة ومدى ملائمته لهذا الشعب من عدمه، وطبیعةُ الحقوقِ والحریات المذکورة في الدستور، على أن تقامَ أنشطةٌ لتوعیةِ الشعبِ تجاهَ أهمیةِ التحوّل الدیمقراطيّ وإعدادِ برامجَ للتثقیفِ الدستوري، ومن أهم الوسائل المستخدمة في التثقیف، هي الوسائلُ المقروءةِ  و الوسائل المسموعةُ والمرئیةُ و شبکةِ المعلومات الدولیة (الإنترنت) و ورشُ العمل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *