تبقى الديموقراطية النظام الأوحد المقبول للحكم في العالم … لانها (خلاصة الصراعات التي تمت على هذا الكوكب خلال القرن العشرين تحديداً) والتي إنتصرت في نهايتها دول نظامها السياسي (الديموقراطية) ونظامها الاقتصادي (السوق المفتوح) أي ليست هناك دولة نظامها بمنأى عن السوق المفتوح، وتعامل على إنها دولة ديموقراطية مهما كانت ديموقراطيتها تعاني من نواقص بالمعنى العميق و (رضا المنتصرين) أهم من الديموقراطية ذاتها٠ وهذا يعلل وجود دول غير ديموقراطية تعيش في نعيم وموضع إستحسان من قبل الكل، بعيداً عن ملفات حقوق الانسان والحريات والانتخابات، طالما العملة تتدخل في نظام السوق المفتوح٠ومن الدول الغير الديموقراطية، الاولوية لنظام الرأسمالية، والديموقراطية وسيلة للحفاظ على الرأسمالية٠ كون الإثنين شركاء مرتبطين ببعض٠
قد تكون بعض أنظمة الحكم الديموقراطي أقرب الى الديكتاتورية والاستبداد والشمولية، مما جعل البعض يرى أن الديموقراطية لها أشكال متعددة ومختلفة الثقافات وتفهم بالمعنى الذي يروق لها وفق أهدافها الخاصة٠ لذا وجد الغرب في ذلك فرصة سانحة لمد هيمنته السياسية على مناطق شاسعة في العالم لم تخصص له من قبل، ولكي تعلن أن (الديموقراطية الليبرالية) التي تحرص على الفرد وحريته بالدرجة الأساسية، هوالنمط الصحيح والسليم المثالي الذي يجب أن يسود العالم٠
لكن (فوكوياما) العالم والفيلسوف الأقتصادي السياسي، مؤلف وأستاذ جامعي أمريكي الجنسية من أصل ياباني صاحب المؤلف (الليبرالية والامتعاض منها)، قد تنبأ بأن إزدهار الديموقراطية مرتبط بشكل أو بآخر (بانتهاء أشكال الحكم التسلطي ) ولقد أعتبر ذلك الازدهار والانتشار هو (نهاية التأريخ) حتى وإن كان العالم لم يتخلص تماماً من الضغوط السياسية والمشاكل الاجتماعية٠ وإعتبر (الديموقراطية الليبرالية) الغربية آخر مراحل (التطور الايدولوجي) وأفضل نسق سياسي إجتماعي يمكن أن يرسخ الحرية٠ لكن سرعان ما لاقت نظريته الكثير من النقد والمعارضة، بل والرفض على أساس إن الانتصار يجب أن يتحقق أولاً في الفكر والوعي الإنساني قبل أن يتحقق على أرض الواقع المحسوس٠
آراء و خطوات للإرتقاء بالديموقراطية حول العالم
لقد بذلت جهود كثيرة من أجل الوصول الى شكل أفضل وأكثر إكتمالاً للديموقراطية، يمكنه أن يحقق مبادئ سامية على أرض الواقع، وفق مايتضمنه هذا المفهوم٠ وهذه الجهود أسفرت عن عدد من الاتجاهات والنداءات والمنظمات والتنظيمات التي تهدف الى توسيع رقعة المشاركة الديموقراطية الى أقصى حد ممكن، وبشكل لا يتوافر في الديموقراطية البرلمانية أو التمثيلية٠ لإبداء الرأي بشأن المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة٠ فعلى الرغم من أن الشعوب هي التي تختار ممثليها في المجالس النيابية والذين يتكلمون باسم تلك الشعوب، ويعبرون عن آراء الناخبين ويدافعون عن مصالحهم ويتخذوا القرارات التي تحقق المصلحة العامة وترعى خير المجتمع ككل، الا إنه يبقى في آخر الامر أنَّ هؤلاء ليسوا سوى قلة عددية تتحكم في رسم السياسة التي تخضع لها الأغلبية٠ وعلى غرار ذلك ظهرت حركات مثل (Respolis) تصف نفسها بأنها (منبر) للمسؤولية السياسية٠ حيث يستطيع الافراد من كل أنحاء العالم المشاركة بخبراتهم والادلاء بأفكارهم من أجل ديموقراطية تتفق مع إحتياجات القرن (الحادي والعشرين) وفق رؤية أكثر إنسانية٠ ويشير ميثاق هذه الحركة الى أن المشاركين فيها هم مواطنون عاديون يؤمنون بأن التغيرات الجذرية أمور ضرورية بالنسبة لمجتمعاتهم وللعالم أجمع٠ويرون في أنفسهم القدرة على حمل هذه الدعوة أو الرسالة، التي تساعد على إرتباط المجتمع المحلي بالمجتمع العالمي، خلال تصور ديموقراطي سليم يراعي إحترام الفرد وضمان حقوقه الإنسانية والسياسية وبوجه خاص حرية التعبير٠ اللتي تعني الاسهام الفعلي بالرأي والبحث عن حلول عملية للمشاكل العامة التي يعاني منها المجتمع ككل وليس قطاعاً واحداً فقط، مثل البطالة الإسكان، الفقر، التعليم، السياسة الخارجية، حقوق الانسان، حقوق الأقليات والبيئة وما الى ذلك٠ ودراسة تلك الآراء والمقترحات بطريقة علمية وموضوعية، بهدف الوصول الى حلول تحقق آمال وطموحات الشعب٠ وقد يبدوا مطلباً – طوباوياً أو مثالياً يصعب تحقيقه في مجتمعات الدول الحديثة التي تستوعب ملايين البشر، ولكن لب الحل هو: أن التقدم في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الالكترونية (الانترنيت) من أهم العوامل المساعدة الذي يساعد هذا المطلب وأطلق عليه (بيان الديموقراطية المباشرة) Direct Dimocracy Manifesto الذي يحاول تحديد توجهات السياسة للقرن والواحد والعشرين، من منطلق التساؤل عمن يتخذ القرارت بالنسبة الى المجتمع ككل وعن السلطة التي تخول له ذلك٠
لاشك في إن الانترنيت يمكن أن يسهم في إصلاح شأن (الديموقراطية التمثيلية) والتغلب على الكثير من الانتقادات التي توجه اليها، والذي يساعد على نشر الصورة الجديدة للديموقراطية وزيادة الوعي بها وإدراك مبادئها والتمسك بتلك المبادئ تحقيقاً للمشاركة الحقيقية بشكل مباشر٠ وعلى نطاق أوسع باسم (الديموقراطية الالكترونية) E-Democracy والتي تقضي على الكثير من المعوقات التي تصرف الناس عن عملية الانتخاب وإبداء الرأي٠ حينئذ يمكن التكلم عن المواطن الالكتروني E-Citizen الذي يتمتع بقدر أكبر من حرية التعبير والمشاركة الفعلية المباشرة ٠
ويقول (ساراماجو) إذا أخفقنا في العثور على وسيلة لإعادة إختراع الديموقراطية، سوف نفقد الامل في إحترام حقوق الانسان في العالم، وسيكون أكبر فشل لهذا العصر ووصمة في جبين الإنسانية الى الابد٠(جوزي دي سوزا ساراماغو) روائي برتغالي حائز على جائزة (نوبل للآداب) كاتب مسرحي وصحفي تعتبر بعض مؤلفاته أمثولات تستعرض أحداث تأريخية من وجهة نظر مختلفة تركز على العنصر الانساني٠
التحول الديموقراطي ونهاية الأيدولوجيات
أ يجب دائماً التعامل مع الديموقراطية على إنها كلمة الخلاص والمنقذ؟
قبل الثورات كان يتم تناول المفهوم بآلية مختلفة مقارنةً الى مابعد الثورات ومنها ثورات الربيع العربي٠ قبل (٢٠١١) كان العقل الايدولوجي والتفكير النقدي هو المنظور الأساسي٠ وليس لدى النخب والساسيين فقط، بل حتى لدى عامة الشعب٠ في حالة تغلب العقل النقدي على العقل الايدولوجي والذي يعني هناك نقطة تحول غاية في الأهمية، مثل مراجعة العقل، العقل النقدي الذي لايقبل بالمسلمات، العقل المنتج الذي يعيد قراءة الواقع كل لحظة ويستنتج حلول وقراءات مختلفة٠
أي عندما كان العقل الايدولوجي هو المسيطر لدى المعارضة (نعني به إعادة وتكرار مقولات تحفظ عن ظهر القلب عدد من الاحكام الحتمية، وآليات التفكير٠ ولكن كانت علامة الاستفهام ملازمة للمستوى الثقافي٠ أي بعد (٢٠١١) لم تنتج هذه الدول معارضة على مستوى ثقافي وفكري جديد لتقدم نفسها ٠ فلو نأتي الى الفكرالديموقراطي وعلاقته بالأيديولوجيا، يجب إستكشاف كافة القوى السياسية الموجودة في بلدٍ ما من حيث الثقافة هل الثقافة التي يتبناها هي ثقافة منتجة فعلاً، وقادرة على المضي قدمًا على خط ديموقراطي مستقبلي، حينها يمكن أن تنتصر الديموقراطية على الأيدولوجيا٠ ونرى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الايدولوجيات الكبرى التي حكمت الثقافة السياسية عامة هي الأيدولوجيات الاسلامة، الأيدولوجيات القومية، الأيدولوجيات اليسارية والتي إستندت اليها كافة القوى السياسية في المنطقة٠ وأكثر هذه الدول لاتعيش مفهوم الدولة كونها تفتقد الى توحيد الحقل السياسي ذو الاختلافات الفكرية وعلى الاغلب لايتخلى المواطن عن أيديولوجيته٠ فليست هناك دولة تخلو من المعارضة أو الاختلاف الفكري ولكن يبقى الانتماء هو ذاته أي لايمكن أن تكون المعارضة جميعها في إطار واحد ويفترض كل (إختلاف فكري) أن تأخذ مشروعيتها المستقبلية من الدولة الوطنية الحديثة وهذا يعني إنها تلك الديموقراطية التي يشتق المواطن منها معنى وجوده في ذلك البلد رغم الاختلاف الأيدولوجي وعلى الحكومات أن تحكم تحت سقف الدولة وليس فوقها وهو (التحول الديموقراطي)٠
تحية للسيدة خديجة المحترمة ، المقال رائع وفيه إثراء فكري وثقافي رائع وأسلوب لغوي أكثر من رائع ، أحييك على الجهد المبذول في كتابة هذا المقال والتصوير الواقعي لكل مفردات الطرح وأتمنى لك التوفيق والنجاح أكثر . تحياتي
الاستاذ القدير كامل سلمان
تحياتنا ودعائنا لكم بالتوفيق الدائم
كل الشكر على التشجيع الوفي ولئن لست بارعة في هذا الجانب ولكن طالما كان مصطلح الديموقراطية موضع التساؤل لي
لذا بحت قليلاً بين ثناياه وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك … لكم الصحة والفلاح