خدعة الرأي الأخر . – كامل سلمان

الإنسان الذي ليس له رأي ليس له وجود ، فهو ميت بعنوان حي ، لذلك من الضروري جداً أن لا يكبت أي منا رأيه ولو مع نفسه ليقول ها أنا حي ، عندما نتحدث عن الرأي والرأي الأخر علينا أن نعرف بأن هنالك نوعين من الرأي والرأي الأخر ، النوع الأول الموجود في المجتمعات المتقدمة والتي تحترم الإنسان وتقدسه يمثل فيها الرأي الأخر مصدر من مصادر القوة والتطور ، يستمعون له وينصتون ويناقشونه بكل دقة واهتمام ليستخرجوا من هذا الرأي ما يزيدهم قوة ونجاحاً ، والنوع الثاني الموجود في المجتمعات المبتلية بالمشاكل والتي لا تعرف معنى قيمة الإنسان يمثل فيها الرأي الأخر باب من ابواب جهنم يفتحه هذا الإنسان على نفسه عندما يكون رأيه مخالفاً للرأي السائد فينبذونه ويعنفونه وقد يستأصلونه لأنه تجاوز الخط الأحمر عندما طرح رأياً مخالفاً ، وكما هو معروف في هذه المجتمعات هناك خطوط حمر لا تعد ولا تحصى . في المجتمعات المتقدمة يصنعون الرأي الأخر إذا لم يكن موجوداً لأهميته في إعطاء ديمومة للحياة وكشف عيوب عملهم وطريقة تفكيرهم الذي يكون فيه العيب غير واضح لهم أحياناً فيستطيع المعارض الراصد صاحب الرأي الأخر من كشفها ونقدها ومن ثم طرح طرق العلاج لها ، فلو أستطاع كل واحد منا أن يعرف عيوبه من تلقاء نفسه لأصبحنا كلنا ملائكة ، إذاً الرأي الأخر حالة صحية تدفع بالمجتمع والدولة إلى التقدم للأمام بشكل مستمر ، أما في المجتمعات المتأخرة فأن الرأي الأخر المعارض يمثل تهديداً لمن هو في موقع العمل الذي هو أساساً موقع هش مبني على الخطأ ومشبع بالخطأ . القوي صاحب السلطة في المجتمعات المتخلفة لا يهمه الرأي الأخر ولا يحب الإستماع إليه ، ويسعى جاهداً لإضعاف وتهميش وطمس الرأي الأخر ، ، الرأي رأي القوي صاحب السلطة أما الضعيف فرأيه هراء . هناك من يخلط بين حرية الرأي وأحترام الرأي ، حرية الرأي مبدأ من مبادىء الأخلاق السامية ومبدأ من مبادىء حرية الإنسان أن يعبر عن رأيه كيفما يشاء ، فكل شخص عاقل يجب أن يؤمن بحرية الرأي لجميع الناس لكن أحترام الرأي والأخذ به شيء أخر ، فمثلاً أنا أستمع للرأي الأخر من باب أخلاقي وليس من الضرورة بمكان أن أحترم الرأي الأخر أو قبوله ، قد يكون الرأي الأخر فيه مضرة للمجتمع أو قد يكون رأياً عدوانياً أو قد يكون رأياً طاعناً للمعتقد السائد أو مؤججاً للفتن ، فمن غير الصواب قبول مثل هذا الرأي أو أحترامه أو أن يجد صاحب الرأي الأخر السبيل ليتم فرضه على الأخرين . القوي دائماً يؤمن بأن آراءه هي التي أوصلته الى موقع القوة فهو لا يمكن أن يقتنع بأن رأي الضعيف ممكن أن يكون أفضل من رأيه فلا يأبه له ، الغريب في الأمر عندما نجد من يطرح مفهوم الرأي والرأي الأخر ويظن بأنها من اساسيات الثقافة وأساسيات السياسة ينسى بأن مفهوم الرأي الأخر في موروثنا الديني والمجتمعي يعتبر من المحرمات إذا لم يكن هذا الرأي له أساس ديني يستند على الشرعية أو أساس اجتماعي موروث . . مئات المدونين والباحثين وأصحاب المقالات يطرحون يومياً آراءهم المخالفة لرأي رجال السلطة من خلال الصحف الإلكترونية ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، فهل من أحد أخذ بآرائهم المطروحة أو رد عليهم بالإيجاب ، طبعاً لا ، بل العكس تماماً تتم مطاردتهم وإتهامهم بالخيانة والعمالة فقط لأنّ آراءهم لا تتوافق مع الرأي الذي يفرضه صاحب السلطة ، فأنا أستطيع تسمية الرأي الأخر هو رأي المهالك في بلداننا بدل أن يكون هو رأي البناء والتطور ، فأما أن يهُمل الرأي المخالف ويكون عديم القيمة أو يؤدي بمن طرح الرأي المخالف إلى التهلكة ، للأسف هذه هي الحقيقة ، أما ما تم خداعنا به بأننا دخلنا مرحلة الديمقراطية والحرية فأصبحنا نحترم الرأي الأخر وان الدستور يحمي هذه الفعالية المجتمعية لكن بالمحصلة النهائية من يطرح رأيه المخالف يجد نفسه في ورطة . للأمانة أصحاب السلطة والقرار الذين يطاردون صاحب الرأي المخالف لا يدركون بأن تصرفهم هذا يقتل المجتمع ويغلق أهم منفذ من منافذ تطور البلد . . الرأي الأخر بمفهوم العقلاء هو وجود فكر أخر وفهم أخر و رؤية أخرى من زاوية أخرى يمكن أن تساعد على تطوير الرأي الأساس ، فهو بالحسابات العقلية شيء نافع يمكن الإستفادة منه خاصة إذا كان هذا الرأي له جمهوره ، لكن عند غير العقلاء يفهموه بشكل سلبي ويعتبروه تهديداً لآرائهم وتنقيصاً لهم ، والأقوياء في أكثر الأحيان يلتقون مع غير العقلاء في هذا الفهم ، فهذه مشكلة وهذه المشكلة قد تتحول إلى كراهية والكراهية تتحول إلى عداء والعداء يصبح إقتتال ، وهكذا سلسلة من الفتن لا تنتهي .. فملخص القول لكي لا يذهب بعض المثقفين بعيداً في طرح أراءهم المخالفة لرأي الشارع أو رأي رجال السلطة أو الرأي الموروث دينياً واجتماعياً ويتوقعون النجاح في مسعاهم ، فهم واهمون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *