العلمانية نظام حكم وليست معتقداً ضد الدين ، فأنا استغرب عندما أسمع أحدهم يتحدث ويقول أنا علماني ويقصد لا يؤمن بالدين وهذا خطأ كبير لأن العلمانية لا تنسب لشخص بل لنظام الحكم ، الخطأ جاء بسبب الترجمة اللغوية الخاطئة لأصل المفردة ( secularism ) التي تعني حرفياً الدنيوية ولكن في الاصطلاح تعني الإدارة اللا دينية للدولة . ويقصد بالدين هنا عالم الروحانيات والغيبيات ، فهي إذاً عزل وإبعاد الروحانيات عن إدارة الدولة . العلمانية نظام حكم يعتمد مبدأ فصل الدين وجميع المعتقدات عن الدولة ، الدولة العلمانية تسمى إيضاً بالدولة المدنية أو الدولة المتحضرة أو دولة القانون لإنها لا تفرق بين هذا وذاك و تقف على مسافة واحدة من الجميع وتهدف إلى رفع قيمة الإنسان بغض النظر عن انتمائه ودينه وعرقه ، وتساوي الجميع بالحقوق والواجبات وتفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وهي ثمرة من ثمرات العقل البشري بعد ملايين السنين من مكوث هذا الكائن الراقي الذي أسمه إنسان على وجه الأرض وهو يعاني من صراعات وأنظمة حكم عائلية ومماليك وسلاطين وفراعنة ، ولد هذا النظام ليكون نوراً وهداية من الله لإنقاذ البشر من الفتن والإبادات وليكون عزاً وفخراً لبني آدم ويعمل على حفظ كرامة الإنسان وإبعاده عن الحروب الإثنية والدينية ويفسح المجال للأكفاء من ابناء المجتمع بالتساوي لتبوء مواقع المسؤولية ، أما من يحاول تشبيه العلمانية بالإلحاد فهذا نوع من أنواع التجني بحق العلمانية وعدم استيعاب الدروس من المذابح والتهجير والظلم الذي لحق بالشعوب بسبب أتباع الأنظمة الشمولية والدينية . قلة الثقافة وشحة المعرفة جعلت الكثير من الناس في خانة معاداة العلمانية ولا ننسى أصابع اليد الخفية التي لعبت دورها في رسم صورة سيئة للعلمانية لأن تلك الأصابع تعتاش على مزايا التصنيف العرقي أو الديني للناس ، تعتاش على الظلم والظلام ، هذه الأصابع تجد نفسها نكرة عديمة القيمة في ظل النظام العلماني الذي يحكمه دستور حضاري إنساني عادل ، فهؤلاء بالأساس طبقة غير منتجة طبقة متطفلة ، لا تعرف العيش إلا بالتطفل ، فمازالت في مجتمعاتنا لليوم أناس يؤمنون بأن الطب بدعة وحرام لأن المشعوذ وحده قادر على شفاء المرضى ، فهل نرجو من مثل هؤلاء أن يصدقوا بأن العلمانية ليست كفراً وإلحاداً إذا ما أخبرهم المشعوذ بأن العلمانية كفر ، ومازالت مجتمعاتنا تعتقد بأن نزول المرأة للعمل فسوق وأن تعليم المرأة إنحلال أخلاقي وأن ذوي الاحتياجات الخاصة منغولي مجنون وأن النسب الفلاني أرقى من بقية الأنساب وأن الحاكم تنصيب إلهي ، فهل مثل هؤلاء ممكن أن يؤمنوا بالمساواة ويتقبلون العلمانية ؟ هي معضلة متجذرة في المجتمع وهذه المعضلة ليست محصورة بالجهلاء فقط بل تجاوزت الكثير من الأكاديمين وأصحاب التحصيل العلمي ، فهؤلاء جميعاً يقفون صفاً واحداً ضد العلمانية لئلا تختل موازيين معتقداتهم التي تربوا عليها والتي بنيت على التمايز بين البشر . الحاكم أو المسؤول في كل زمان مطلوب منه أن يكون كفواً وعادلاً فهاتان الصفتان يمكن تحسسهما من قبل الناس أما دين المسؤول فهو أمر شخصي لا يمكن تحسسه وهذه بديهية لا تحتاج إلى أثبات ، هذا هو التصور العلماني أن يكون الشخص المناسب بالمكان المناسب أما في طبيعة النظام الشمولي أو الديني أو العشائري أو العائلي فأن معيار الاستحقاق للمسؤول هو الولاء العقائدي بغض النظر عن كفاءته وعدالته لذلك فأن احتمالية فشل المسؤول في عمله تكون كبيرة جداً ، ذلك يعطينا التفسير العلمي عن سبب فشل الأنظمة الشمولية في إدارة البلاد . المتدين الكفء ينجح في مهام عمله داخل الدولة المدنية ليس لتدينه بل لكفاءته العلمية العملية حاله حال غير المتدين الكفوء وهذا يبين لنا السر وراء نجاح بعض المسلمين المتدينين داخل المجتمعات الغربية العلمانية عندما يتبوؤون مواقع المسؤولية فالتدين هنا ليس له دور يذكر . هنالك لغز هام في سر تطور الدولة العلمانية وهي أن المبدعين غالباً ما يكونون من الأقليات العرقية أو الدينية لأن الأقليات دائماً تشعر بأن عليها أن تبدع وتتفوق لكي تتساوى مع الاغلبية مكانة وأن لا يتم سحقها وتعويض نقصها العددي بالإبداع ، فمثل هؤلاء لا يجدون لأنفسهم متنفساً للإبداع في مجتمعات حكم الأغلبية الشمولية فتضيع إبداعاتهم ولكنهم داخل الدولة العلمانية يكون الفضاء مفتوح لهم للتعبير عن إبداعاتهم فيرفدون المجتمع بإبداعاتهم العلمية والفنية والرياضية والإدارية وغيرها مما ينتج عن ذلك تطور مجتمعي ، فلو أخذنا إحصائيات لأفضل المبدعين في الدول العلمانية سنجدهم من الأقليات لذلك علينا أن لا نستغرب سرعة تطور الدول العلمانية وتفوقها على باقي الدول بفضل توفير الفرص للكل بالتساوي مما يخلق روح المنافسة خاصة عند المحرومين . فهل بعد كل هذا ننبذ ونحارب النظام العلماني ونتهمه بالكفر والإلحاد والشواهد تثبت لنا أهمية العلمانية في رقي وعلو المجتمعات ؟
Perfect Mr. K.Salman, as usual, and I have nothing to add
Rêzan thank you for your view