أديب وكاتب رأي مصري
” قُلْ لا أسألُكُم عَليهِ أَجْرا”
قالها كلُّ حاملِ رسالةٍ من الأنبياء والمرسلين أجمعين، ذلك شرطٌ من شروط رُسلِ الحقّ اليوم وأمس وفي الغدّ، فرسائل الحق في سِيالٍ منتظم لا ينقطع مدى الدهر وعلى مَرّ القرون.
فإذا ما انتفى ذلك الشرط وتلك الصفة عن أيّ حامل رسالة حقٍّ فلا شرفَ له في حَمْلِها ، ولا أهلية لأن يُكَلَّفَ بها.
سَحَرَةُ فرعون عندما جُمِعُوا لميقات يوم معلوم سألوا فرعون الأجرَ إنْ كانوا هم الغالبون، فوعَدَهم فرعون بذلك وبأنهم إذن من المُقرّبين. فأقسَموا بِعِزّةِ فرعون إنهم لَهُمُ الغالبون. وهنا جاء وعدُ الله فأذنَ لِعَصَى موسى أن تَلْقَفَ ما كانوا يأفِكون.
إنّ أهلَ الرأي والكلمةِ الحقّ – بحق – على كاهِلِهم جميعاً رسالةٌ؛ أَهَّلَهم اللهُ لِحَملِها بشرطِها – ألّا يسألوا الناس عليها أجرا، وألّا يستمدُّوا عَونَهم وعِزّتَهم إلّا منه سبحانه حَصْرَا.
ولعلّ الكثيرين في العالم منذ زمنٍ وحتى اليوم ما انفكوا يتساءلون في إهاب المستنكرين: إنْ كانت قضايانا العربية قضايا حق بالفعل فلماذا يتأخّرُ النصرُ رغم جهاد المجاهدين وإخلاص المخلصين؟
في الحقيقةِ إنّ مِن أهم عِللِ تَخلُّف النصر أنّ الأمة لديها اليوم قوى كثيرة مُعَطِّلة وأُخرى مُعَطَّلة.
يأتي على رأس القوى المُعطِّلةِ – وبلا شك – الإعلامُ والإعلاميون المُمْتهنين الكلمة والمُرتهنين الرأي – أولئك الذين سأل أجدادُهم مِن قبلِهم فرعونَ الأجرَ، ورَجَوا منه العِزّةَ والعَون، ها هم اليوم يسألون الأجرَ من أهل الحُكمِ والسلطان من حَفَدَة أولئك الفراعين الأقدمِين، ويعتزّون بعزّتهم ويستظلون بظلال قصورهم المُنِيْفةِ ما وقفوا على أبوابها مُستكينين، راغبين مُسْتَزِيْدِين، فانتفى فيهم شرطُ شرفِ حَمْلِ الرسالةِ الحقّة ليكونوا هم أنفسُهم حَجرَ عثرةٍ وقوىً مُعَطِّلةً للقوى المُؤَهَلَةِ حقاً لشرف حَمْلِ رسالةِ الكلمةِ والحقّ المبين.
ولكمُ اللهُ يا أهلَ الرأي وكلمةِ الحقِّ، فأنتم وأيمُ الله تواجهون اليوم من المُعَوِّقات والضغوطات ما لم يُواجِهه حتى الرسلُ الأوَّلون. و لولا وَعْدٌ من الله ونصرٌ آت.. وكلُّ آتٍ قريب.
وأحفادُ سَحَرة أحفاد الفراعين اليوم لا يعملون فُرادى، بل لجانٌ ولجانٌ من الجِنّ الإلكترونيين. فإذا ما أراد فرعون اليوم تَمرِيرَ فَعْلَةٍ وتسويغَها للناس أَمَرَ بجمْعِ سَحَرةِ اليوم أحفادِ سَحرةِ أَسْلافِهِ بالأمس، وأَمْلَى عليهم ما يقولون بكل وسائل البث وفي كل منافذ الإعلام.
وما هي إلا ساعةٌ أو بَعضُ ساعةٍ حتى تجدَ ذُبابَ الجِنّ الإلكترونيين وقد انتثروا وانتظموا وُسْعَ شبكة الأثير وبنَفَسٍ واحد يَنعِقون بكل فضاء وسماء بما همس به في آذانهم الحاكمُ، رَبُّ نِعمتِهم، ومَصْدَرُ عِزّتهم.
لو أخذنا بعضَ الأمثلةِ فسنجدُ:
على الساحةِ المصريّة:
مازال الإعلامُ السائرُ في رِكاب النظامِ مُتذبذباً بين التشكيك في نوايا وأفعال المقاومة الفلسطينية في غزة حيناً، ومساندتها ودعمها حيناً آخَر!.
وحتى تلك التظاهرات الاحتجاجية المنظمة والمُساقة في هذه الآونة في بعض أيام الجُمَع إلى بوابات معبر رفح رفضاً لمقترحات الرئيس الأمريكي بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء – ما كان لها أن تكون لولا أنها تتسق مع سياسات وتوجهات النظام في هذه الأيام، وإلّا.. أين كانت تلك الحشود من قتل وتشريد وتجويع أهل غزة طوال أكثر من 15شهراً منذ السابع من أكتوبر 2023وحتى الآن؟!.
وعلى الساحة الأردنية:
من العجيب أنه عندما كانت للعاهل الأردنيّ مواقف وتصريحات صريحة وحاسمة بشأن رفض المقترح الأمريكي بالتهجير في فترة ما قبل زيارته الأخيرة لواشنطن لم نجد أي مظاهرات تأييد شعبية أو إعلامية ملموسة، وعندما وجدنا من العاهل الهاشمي تردداً وتلعثماً لا يليق به وهو يُدلي بتصريحاته في المؤتمر الصحفي عقب لقائه بالرئيس ترامب فوجئنا بمظاهرات أردنية تأييداً لشخص ومواقف الملك عبد الله؛ بدءًا بالبرلمان الأردني، وقد جرّت معها تظاهرات المدنيين الأردنيين، ولا أظن أن هناك وسيلة إعلام تابعة للنظام قد رصدت تلك المفارقة وعَلّقت عليها!.
و أمّا على الساحة الخليجية:
فحَدِّثْ ولا حَرَجَ، فالأنظمة الخليجية هم مِنْ أوّلِ مَن ساند الثورة السورية في بدايتها عام 2011 وحتى بعد أن تحوّلت إلى معارَضة مُسلحة وقد أزاحوا مقعد سوريا الأسد من مجلس الجامعة العربية، ولا نعرف السبب، وثم أعادوه وأيّدوا بشار الأسد ضد جماعات المعارضة المسلحة ولا نعرف السبب، ثم وعند سقوط دمشق في أيدي المعارضة بقيادة أبو محمد الجولاني سابقوا للاعتراف بنظام الجولاني واستقبلوه استقبالا يليق بالزعماء وفتحوا له حتى أبواب الكعبة، بعد أن أَبْدلَ الجولاني اسمَه ووَسْمَهُ، وزِيّهُ وسَمْتَه.
كلُّ ذلك ولا من وسيلة إعلام خليجية واحدة تابعة لتلك الأنظمة تَخَلَّفَتْ عن تأييد ومباركة أيّ خطوة من خطوات تلك الأنظمة المتذبذبة ، وكأن الأمور تجري في سياقها الطبيعي!.
وما دُمنا أتينا على ذِكر الكعبة والحرمين الشريفين، أدّعي بأنني لم أجد قلماً خليجياً واحداً – إلا مَنْ رَحِمَ ربّي – يُنَبِّهُ خادمي الحرمين الشريفين أنّ رسوم تأشيرات الحج المعمول بها في العقودِ الأخيرة مُبالَغ فيها وغير مُبَرَرة، ولم يسأل قلم عن مَصارِفَ تلك الأموال المتحصلة من ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام – فماذا كانت النتيجة؟!
النتيجةُ أنْ جاء ترامب من بعيد يسأل هؤلاء الجُباة: هل لأمريكا في هذه الأموال من نصيب؟!
واعجباه !.. ترامبٌ واحدٌ في هذا العالم استطاعَ أنْ يقولَ في بضع دقائق ما لم يستطع قولَه مئاتُ الأقلامِ العربية على مَدَى عشرات السنين!.
فإن احتج قلَمٌ من الأقلام أو صوتٌ من الأصوات بحُجَّةِ خَشيَةِ طُغيان جلاوِزة الأنظمة، فلا يَسعُني إلّا أنْ أتوجَّه لتلك الأنظمة و أُذكّرهم بِوَصِيّة ربّ العالمين في كتابه المُبين: ” ولا يُضَارَّ كاتِبٌ ولا شَهِيدٌ “.
**