عندما اندلعت الثورة الإجتماعیة لشباب كوردستان فی مدينة السلیمانیة بتأريخ ١٧ شباط سنة ٢٠١١ متأثرة بثورة الشباب فی الدول العربیة، والتي عرفت بالربيع العربي، كتبت بتأريخ ٤ آذار سنة ٢٠١١ مقالا بعنوان ثورة الشباب بداية لتطور سلیم وذلك للتعبير عن تحليل نفسیإجتماعی لهذه الثورة الإجتماعیة العادلة والبعيدة عن السياسة والتسییس. ذكرت في مقالتی كیف یمكن لثورة شعبية أن تبدأ برد فعل نفسی طبیعی للشباب الواعی ضد أولياء أمرهم و مطالبتهم بالحرية والإستقلال لتمتد بعد ذلك إلی أن تشمل طلبا بتغییر أسلوب هؤلاء فی كیفیة تبنى المسۆلیة عن تمويلهم و تربيتهم لكی یصبح مطلبا جماهیریا يمتد إلی السلطات التي لم توفر لهم أو لأولياء أمورهم أسباب العيش الكريم والحرية الواعية فانجبروا علی اللجوء إلی الشارع أفرادا و جماعات للإعلان عن رفضهم عن السكوت علی الغبن والظلم والفساد و معارضتهم للأوامر والتعليمات القاسية والجائرة ضدهم فقاموا بالمظاهرات للتعبير عن معاناتهم و تقديم طلباتهم المشروعة للجهات الحكومية والسلطات الرسمية.
لدعم هذه الثورة والتعرف عليها عن قرب قمت بتأريخ ١٩ آذار سنة ٢٠١١ بزيارة إلی ساحة الحریة “سرای ئازادی” فی مركز مدينة السلیمانیة، حیث تجمعت فيها حشود الشباب المشتركین فی المظاهرات. جمعت ملاحظاتی فی مقالة بعنوان ثورة الشباب… زيارة لساحة الحرية (سه راي ئازادي) نشرت فی مجلة هاولاتی بتأريخ ٢٨ آذار ٢٠١١ ذكرت فيها ما وجدت من منصة فی مركز الساحة نصبت عليها مكبرة الصوت وهی تبعث بالخطب والمواعظ الدینیة لأصحاب العمائم والجلباب تلتف حولهم جماهير الثوار الشباب ليسمعوا خطابا تلو الآخر يلقون النصائح والإرشادات معززة بالأحاديث والآیات الأمر الذي جعل هۆلاء الشباب المتظاهرين یهمسون لبعضهم البعض ويتراجعون إلی بيوتهم أفرادا وجماعات لكونهم كانوا قد خرجوا يطالبون بحقوق مشروعة من دراسة و عمل إلی حریة و إستقلال فی إبداء الآراء والإنتقادات والإقتراحات ويلقون علی السلطات المطالب والواجبات وليس ليسمعوا الأحادیث والآيات. هنا وجدت أيضا تخاذلا واضحا لدی السلطات والأحزاب الحاكمة أمام مطالب هذه الجماهير و لاحظت أيضا وجود أعضاء من الأحزاب الكلاسیكیة الحاكمة يلتفون حول هؤلاء الثوار ویتهمونهم بالعمالة ضد تلك الأحزاب إلی درجة أن بعض الأحزاب لجأت إلی أستعمال العنف ضد المتظاهرين العزل ورميهم بالسلاح الناری ما أدی إلی استشهاد عدد من المتظاهرين لازال المعتدي لم يقدم إلی محكمة عادلة. عندها أصبح واضحا للجميع كیف أن الأحزاب أسرعت فی إجهاض هذه الثورة واحتوائها من أجل إخمادها بالعنف بدلا من الإصغاء لندائهم وتلبية طلباتهم. و سارع كل من الأحزاب الحاكمة والمعارضة إلی إستقطاب الثورة وضمها إلیهم لإسكات المتظاهرين. حينذاك تبين لی بأن الشباب الواعی قد غسل یدیه من تللك النصائح والخطب التي لم تجلب لهم سوی الكبت والإحباط ولشعبهم الكوارث و النكبات. وقد جرب الشباب جميع الأحزاب فلم یجدوا فيها أی حل أو جواب. لذلك انسحبوا من الساحة التي أصبحت مرتعا للطوائف الرجعیة أو مرجعا للأحزاب الكلاسیكیة التي عودت الشعب علی المآسي والنكسات. بذلك سلمت تلك المجاميع من الشباب من الوقوع فی مصيدة الأحزاب وقد كنت قد حذرت حینذاك من مخاطر تسییس ثورة الشباب فی مقالة نشرت فی البداية فی صفحة هاولاتی بتأريخ ٢٣ نيسان سنة ٢٠١١ .
رغم المحاولات العديدة لإفشال ثورة الشباب فی كوردستان فقد استمرت الثورة فی نهجها السلمي والإجتماعی بهدوء و درایة وتوسعت تدریجیا لتظهر بأشكال عديدة وبأحجام مختلفة فی مختلف أجزاء أقلیم كوردستان العراق إلی أن وصلت الثورة علی شكل مظاهرة سلمية عارمة بین المعلمين فی مدينة دهوك لأول مرة فی التأريخ وذلك بكسر حاجز الخوف و انضمام شباب آخرين من خارج سلك التعليم فظهرت كتابات وتجمعات وبيانات متعددة من قبل مجاميع مختلفة فی المجتمع المتحفظ فی محافظة دهوك الأمر الذي أدی إلی إنفجار شديد للغضب والإحتجاج علی سكوت السلطات وعدم استجابتها لطلبات المتظاهرين والمنتقدين للسلطة وأحزابها. بدلا من الاستجابة لطلبات الجماهير أخذت السلطات المحلية فی دهوك بسجن مجموعة من الشباب الثائر فی بهدینان بتهم واهية غیر موثوقة. فكانت النتيجة زيادة فی غضب الشباب وانتقادهم لأسلوب الردع والسجن والعقاب بدلا من الإستجابة والتفهم لمطالبهم العادلة. كلما زادت السلطة من معاملتها العنيفة إستمرت ثورة شباب بهدینان فی هدوئها وإتخاذها النهج السلمي بدلا من العنف والتسییس.
بينما تحولت ثورة الشباب فی السلیمانیة من قبل قسم من الشباب إلی تكوین تنظيم سیاسی إستمرت حركة شباب بهدینان فی نهجها الهادئ والصامد والمسالم. أثبت التنظيم السیاسی لثورة الشباب فی منطقة سوران تحوله إلی نهج حزبی شبیه بنهج الأحزاب الأخرى فأخذت تدیجیا بالصراع السیاسی مع الأحزاب السیاسیة الإخری ولم تنجح فی هذه المنافسة لأن تسییسها جعل من ثورة الشباب ذات الطابع الإجتماعی حركة سیاسیة تنافس عمالقة السياسة والتسییس فی الأقلیم وهم فی غيهم يعمهون. و بعد أن تحولت تلك الثورة الإجتماعیة فی منطقة سوران إلی حركة سیاسیة تم استغلاها من قبل الأحزاب الكلاسیكیة العملاقة وبمساعدة القوى العالمية العظمى تمت السيطرة عليها وتوجیهها نحو البحث عن السلطة والنفوذ كما تفعل أقرانها فی السياسة.
أما إستمرار ثورة الشباب فی بهدینان علی نهجها المسالم الأصیل رغم تعسف السلطة ضدهم وزجهم فی السجون كما ورد فی مقالتنا الإخیرة حول الموضوع والمنشورة فی صوت كوردستان بتأریخ ٢ أيلول سنة ٢٠٢٠ تحت عنوان العنف لا یولد إلا العنف فقد أدی ذلك إلی زيادة شعبيتهم وانتصارهم فی الانتخابات الأخيرة لبرلمان الإقليم فحصل قسم منهم علی مقاعد فی برلمان كوردستان. عسی أن يكون ذلك دليلا علميا واضحا علی إنتصار ثورة الشباب كثورة إجتماعیة وليس كحزب سیاسی.
١٧\٢\٢٠٢٥