/ قيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
لا يمكن التقليل من الثورة الكبيرة التي احدثتها وستحدثها ثورة الذكاء الصناعي في شتى مجالات الحياة، وهي، كما غيرها، سلاح ذو حدين: فاما تكون في خدمة البشرية والانسانية وترتقي بحياة الفرد في تسهيل حياته في مواجهة تعقيدات التطور الهائل على المستوى العالمي، او ان تكون وسيلة قتل وتدمير اعمى، خاصة حين تزج في البنية العسكرية للجيوش وتستخدم بشكل يمكن ان يخرج عن سيطرة الانسان. وقد ابرزت بعض الحروب الوجه السلبي لهذه التقنية، خاصة حين لا تعير تلك الجيوش الانسان وحياته اي اهتمام ولا تضع اية معايير ناظمة تحد من اخطارها، كما حصل حين استخدمت اسرائيل هذه التقنية في عدوانها على قطاع غزه ولبنان.
ورغم ان الكثير من النصوص القانونية على المستوى الدولي كانت صريحة في تعاطيها مع هذه المسألة لجهة امكانية ملاحقة الشركات المسؤولة عن هذه التقنية، الا ان القانون الدولي ما زال عاجزا في كثير من نصوصه عن التصدي لهذه التقنيات الآخذ استخدامها في الازدياد، وقد نصبح قريبا امام حروب ابطالها هذه التقنيات من آلات وذخائر وضحاياها هو الانسان، الذي قد يعجز عن مواجهة ما يتهدده من مخاطر مستقبلية اذا لم يتمكن العالم بكل منظوماته السياسية والقانونية والانسانية من وضع ضوابط لها تحد من مخاطرها، التي قد تفوق في بعض الاحيان مخاطر الاسلحة التقليدية..
ان ما تسرب من معلومات صحفية غربية حول تورط شركات امريكية وغربية في الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي، امر يجب ان يكون محل ادانة ومتابعة من قبل الاطر والمؤسسات القضائية الدولية، خاصة وان المعطيات التي كشفت عنها تلك الصحف تؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم في عملياته العسكرية ضد قطاع غزه وفي لبنان منتجات وخدمات قدمت من تلك الشركات، بما في ذلك تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، التي ادت في الكثير من المرات الى ارتكاب مجازر طالت نساء واطفال.
فما قدمته صحيفة الغارديان البريطانية وصحيفة واشنطن بوست الامريكية من وثائق تؤكد ان القضية ابعد من عقود تجارية او تعاون بين تلك الشركات والمنظومة الامنية والعكسرية الاسرائيلية، بل بات مؤكدا ان هناك شراكة كاملة من قبل شركات تكنولوجية امريكية مع اسرائيل في حرب الابادة، خاصة وان الصحيفتين تؤكدان بأن هذه الشركات كانت “شريكا حاسما زود الجيش الإسرائيلي بالبنية التحتية المتقدمة ما سهّل له تحليل وإدارة كميات هائلة من المعلومات في الوقت الفعلي.. ومكّنه من الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة الخاصة بها لأجهزة الأمن.. وان الجيش استخذم هذه التقنيات لتحسين قدراته في ساحة المعركة. وبالتالي فان تزويد الاحتلال بقائمة من الأهداف المحتملة، بناء على تحليل البيانات مثل مراقبة الاتصالات وصور الأقمار الصناعية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية تمت استنادا الى هذه الشراكة.
ان دولة الاحتلال الاسرائيلي هي محل اتهام سواء من قبل المحكمة الجنائية او محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم تطهير عرقي وتهجير قسري للسكان، ومن باب اولى ان تكون الشركات التي تمد هذا الاحتلال سواء بالسلاح او بالتقنيات التكنولوجية على اختلافها موضع اتهام بدورها، كونها شريكة في ارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني، لذلك فان هذه الشركات يجب ان تكون محل ملاحقة سواء امام المحكمة الجنائية او امام الاطر القضائية في الدول الثالثة..
صحيح ان الافراد والشركات الخاصة ليسوا طرفا في العلاقات الدولية ولا يخضعون للقانوني الدولي، الا ان المادة 3 من “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” اجازت ملاحقة الافراد، في ظروف معينة، خاصة حين تتوفر ادلة تثبت التورط في ارتكاب جرائم تدخل في اطار حرب الابادة وغيرها من جرائم ارتكبتها اسرائيل قبل وبعد السابع من اكتوبر. لا داعي لاعادة التأكيد على امكانية ملاحقة كل ما شارك في حرب الابادة الجماعية حتى لو كانوا افرادا او مؤسسات.. ويمكن معاقبة جميع الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً استنادا الى نص المادة الرابعة من “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
لقد كان لاستخدام تقنيات الذكاء الصناعي دورا هاما في الجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي، وعلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها من اطر دولية معنية بهذا الامر استدعاء مسؤولي تلك الشركات التي كان لها دور مباشر في تلك الجرائم عبر دعم الاحتلال الاسرائيلي بتقنيات الذكاء الصناعي والتي ساهمت بشكل مباشر في ارتكاب مئات المجازر التي ذهب بنتيجتها عشرات الشهداء من الاطفال والنساء.. وهناك الكثير من الادلة التي تؤكد تورط تقنيات الذكاء الصناعي بهذه الجرائم..
ان استخدام تقنيات “الذكاء الصناعي” بالشكل الذي حدث في قطاع غزه ولبنان، يؤكد بأن جيش الاحتلال الاسرائيلي وداعميه من الدول والشركات، لا يكترثون لقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين اكدت جميع التقارير الدولية والفلسطينيين ان غالبيتهم من المدنيين. لذلك فان شركات التكنولوجيا تعتبر مسؤولة عن تلك الجرائم، ولن يغير من هذه الحقيقة نفي بعض الشركات استخدام تقنياتها في العمليات العسكرية الاسرائيلية، وواجبها الانساني والاخلاقي وايضا القانوني فتح تحقيق جدي وشفاف يقود الى وقف تعاونها مع الاحتلال الاسرائيلي الملاحق في تهم جرائم الحرب والابادة الجماعية..
في ظل غياب اطر قانونية ناظمة لتقنيات الذكاء الصناعي، ودورها المتزايد في الحروب والعمليات العسكرية، وفي ظل صعوبة وقف التطور المتسارع في تقنية الذكاء الصناعي ودمجها في بنية الجيوش والاستخدامات العسكرية، فان المنظمومة الدولية ومن خلفها الاطر القانونية ومؤسسات المجتمع المدني معنيون ببدء النقاشات على المستوى الدولي بهدف ايجاد اطر دولية تحد من مخاطر الذكاء الصناعي والانتهاكات المحتملة التي قد يسببها، ونموذج ذلك ما حدث في قطاع غزه ولبنان لجهة الانتهاكات الواسعة التي حدثت سواء عبر استهداف منشآت مدنية او عمليات اغتيال لافراد يقيمون في مناطق مأهولة، الامر الذي يترتب عليه ضرورة محاسبة القيمين على هذا الامر وتوصيف عمليات الذكاء الصناعي التي تكون سببا في قتل مدنيين باعتبارها جرائم وجب محاسبة من يقف خلفها سواء الافراد او الدول والشركات..
وكي لا تكون الصورة سوداوية في النظرة الى الاثر الايجابي الذي يمكن ان تحدثه تقنيات الذكاء الصناعي، فان هناك من يتحدث عن ضرورة تعميم مثل هذه التقنيات بما يخدم الانسان والبشرية والكوكب بشكل عام، من نمط التقنيات التي تساهم في مواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والاعاصير، وان تلعب هذه التقنيات دورا في مساعدة ودعم جهود المنظمات الانسانية والعلمية وتلك المتعلقة بالابحاث والاكتشافات التي تثري الحياة الانسانية، وان الضوابط المطلوبة هي فقط في المجال العسكري الغير آمن والذي يمكن ان يتسبب، في لحظة ما، في فناء البشرية. لذلك وجب على كافة الاطر المعنية وضع هذا الامر على طاول الحوار والنقاش الجدي والمسؤول وصولا الى افضل الصيغ التي تخدم البشرية والانسانية وتخدم الجانب التجاري للشركات..