عبر التاريخ، كانت المجتمعات البشرية تنظم نفسها ضمن هياكل اجتماعية بسيطة تعتمد على القبيلة والعشيرة كأساس للهوية والانتماء، حيث كانت هذه البُنى تلعب دورًا حيويًا في توفير الحماية والأمان للأفراد. لكن مع تطور المجتمعات وانتقالها إلى مرحلة الدولة الحديثة، أصبح هذا النموذج معيقًا للتطور السياسي والإداري، حيث أن منطق القبيلة لا يستطيع بناء دولة مؤسساتية قائمة على القانون والمواطنة المتساوية.
إن الفرق الجوهري بين منطق القبيلة وعقلية الدولة يكمن في كيفية فهم السلطة، والعدالة، والانتماء. ففي حين يرتكز الأول على العلاقات الشخصية، والولاء المطلق للزعيم، وتقديم العصبية القبلية على المصلحة العامة، فإن الثاني يقوم على مفهوم القانون والمؤسسات، حيث يُعامل المواطنون على قدم المساواة، ويتم إدارة الشأن العام وفق أسس عقلانية وعلمية بعيدًا عن الولاءات الضيقة.
للأسف نجد إن في مناطقنا ذات الغالبية الكوردية مازال هناك من يدعي المواطنة ويدافع عن الحريات ويطالب بنظام حكم فدرالي أو لا مركزية سياسية تجده يفتخر بنسبه وعشيرته ويعتبر أن ارثه القبلي يعطيه المكانة ليكون ممثلاً أو قائداً أو زعيماً هؤلاء في داخلهم نقص داخلي لأنهم يدركون تماماً بأنهم من دون التغني بالنسب القبلي الذي لا قيمة له أساساً بأنهم نكرة ولا يستحقون العمل في وظيفة أو في العمل السياسي
نحنُ نريد دولة قانون ومواطنة متساوية لا نختبىء خلف منطق القبيلة والفكر الفوقي الضيق
في هذا المقال، سنناقش كيف يشكل منطق القبيلة عقبة أمام بناء الدولة، ولماذا يصبح الانتقال إلى عقلية الدولة ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات حديثة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
1. منطق القبيلة: الولاء الضيق والعصبية العمياء
منطق القبيلة يقوم على مبدأ الولاء للدم والانتماء العائلي أو الطائفي، حيث يُعتبر الانتماء للقبيلة أعلى من الانتماء للدولة. في هذا السياق، يتم تحديد الحقوق والفرص وفقًا للولاء القبلي وليس بناءً على الكفاءة والقدرة. هذا يؤدي إلى عدة مشكلات جوهرية، أبرزها:
1. انعدام المساواة: في النظام القبلي، هناك تراتبية اجتماعية صارمة، حيث يتم تفضيل أبناء العشيرة أو القبيلة القوية على حساب الآخرين، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وغياب العدالة الاجتماعية.
2. غياب مفهوم المواطنة: لا توجد هوية وطنية موحدة، بل هويات متفرقة قائمة على أسس عشائرية أو طائفية، مما يُضعف فكرة الولاء للدولة كمفهوم جامع.
3. احتكار السلطة: عادة ما تكون السلطة حكرًا على عائلات أو مجموعات محددة، ويتم تداولها داخليًا، مما يمنع تداول القيادة بشكل ديمقراطي.
4. انتشار الفساد والمحسوبية: نظرًا لأن العلاقات القبلية تقوم على المحسوبية، فإن مؤسسات الدولة تتحول إلى أدوات لخدمة القبيلة بدلًا من أن تكون أجهزة محايدة تخدم المجتمع ككل.
في المجتمعات التي لا تزال تحكمها هذه العقلية، نجد أن الوظائف العامة تُمنح بناءً على الولاءات القبلية، وليس على أساس الجدارة والكفاءة. كما أن القرارات السياسية غالبًا ما تتأثر بصراعات قبلية بدلاً من أن تكون موجهة نحو الصالح العام.
2. عقلية الدولة: القانون والمواطنة والمؤسسات
في المقابل، تقوم عقلية الدولة على مبادئ الحوكمة الرشيدة، حيث يكون القانون هو المرجع الأساسي في إدارة الشأن العام، ويتم توزيع السلطة بشكل عادل وشفاف بين مختلف مكونات المجتمع وفق معايير واضحة.
الفرق الجوهري بين عقلية الدولة ومنطق القبيلة
العنصر |
منطق القبيلة |
عقلية الدولة |
---|---|---|
الهوية |
الانتماء للقبيلة أولًا |
الانتماء للوطن والمواطنة المتساوية |
السلطة |
تُحتكر داخل العشيرة أو الفئة |
تُدار وفق القانون والتداول السلمي |
التوظيف |
قائم على الولاءات والمحسوبية |
قائم على الكفاءة والاستحقاق |
إدارة الدولة |
علاقات شخصية وولاءات ضيقة |
مؤسسات قوية تخضع للقانون |
حقوق الأفراد |
غير متساوية بناءً على الأصل القبلي |
متساوية وفقًا للدستور والقانون |
3. لماذا لا يمكن لمنطق القبيلة أن يبني دولة حديثة؟
في التجارب التاريخية، نجد أن الدول التي استمرت في الاحتكام إلى منطق القبيلة عانت من الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار، بينما تمكنت الدول التي تبنّت عقلية الدولة من تحقيق تطور سياسي واقتصادي مستدام.
1. غياب الاستقرار السياسي: في الدول التي تسودها العقلية القبلية، نجد أن الصراعات لا تتوقف، لأن السلطة ليست قائمة على القوانين، بل على التنافس القبلي والطائفي.
2. ضعف المؤسسات: عندما يُدار القضاء والإدارة والجيش وفقًا لمنطق الولاء القبلي، تصبح الدولة ضعيفة وغير قادرة على فرض سيادتها.
3. إقصاء الكفاءات: الدولة الحديثة تحتاج إلى خبرات وكفاءات لإدارة الملفات الاقتصادية والسياسية، بينما في الدولة القبلية، يتم تهميش الكفاءات لصالح من هم أكثر ولاءً للعشيرة.
4. كيف يمكن الانتقال من منطق القبيلة إلى عقلية الدولة؟
الانتقال إلى عقلية الدولة ليس مجرد تغيير إداري، بل هو تحول ثقافي وفكري، ويتطلب عدة خطوات استراتيجية:
1. إصلاح النظام السياسي: يجب وضع دستور يكرّس مبادئ المواطنة المتساوية، ويمنع استخدام الانتماءات القبلية أو الطائفية كأداة للحصول على السلطة.
2. تعزيز مؤسسات الدولة: يجب أن تكون المؤسسات مثل القضاء والجيش والشرطة مستقلة ومحايدة، بحيث تخدم جميع المواطنين دون تمييز.
3. بناء نظام تعليمي جديد: التعليم هو المفتاح لتغيير العقليات، لذا يجب أن يتضمن المناهج الدراسية قيم الديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان، بدلًا من تكريس النزعات القبلية.
4. تعزيز العدالة الاجتماعية: من خلال سياسات تضمن توزيعًا عادلًا للموارد، وإلغاء الامتيازات القبلية، بحيث يشعر الجميع بأنهم متساوون أمام القانون.
5. إطلاق مشاريع تنموية: تعمل على توفير الفرص الاقتصادية للجميع، مما يقلل من الحاجة إلى الاعتماد على الولاءات القبلية للحصول على الامتيازات.
الحاجة إلى عقلية رجل الدولة
رجل الدولة هو الشخص الذي يتجاوز منطق العشيرة والقبيلة إلى منطق الوطن. إنه الشخص الذي لا يرى في الحكم غنيمة، بل مسؤولية، والذي لا يُفرق بين المواطنين بناءً على أصولهم، بل يعاملهم وفق مبادئ العدل والمساواة.
إن بناء دولة حديثة يتطلب أن يكون القادة رجال دولة، وليس رجال قبائل، وأن يكون الهدف هو بناء مؤسسات قوية، وليس مجرد تأمين مصالح فئوية ضيقة. التاريخ علمنا أن الأمم التي لم تتجاوز القبلية بقيت أسيرة الفوضى، بينما تلك التي تبنّت عقلية الدولة صنعت لنفسها مستقبلًا مشرقًا.
كاك أزاد فتحي خليل المحترم.
تحية.
للاطلاع:
أحسنت اختيار الموضوع وأبدعت في الصياغة ولا سيما الجدول المرفق أعلاه.
تتجسد العقلية الكردية البالية(خه يالي خاوي كورده واري) في تدوين الألقاب نسبة الى القبيلة أو العشيرة أو المنطقة الجغرافية أو الطائفة أوالمذهب أو غيرها.
“الكورد من منطق القبيلة إلى عقلية الدولة: التحول الضروري لبناء مستقبل مستقر”.
الكُرد من عقلية القبيلة إلى منطق الدولة: التحول الضروري لبناء مستقبل مستقر.
محمد توفيق علي