السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية´- بوتان زيباري

في عالم السياسة، حيث تتشابك المصالح وتتصادم الأيديولوجيات، تظهر مواقف تُعبّر عن محاولة متواصلة للبحث عن توازن بين ما هو مرغوب وما هو ممكن. واحدة من هذه المحاولات تأتي من تركيا، التي أصبحت مركزًا للجدل في المنطقة بفضل سياساتها التي تتنقل بين خطاب إسلامي متشدد وتوافقات استراتيجية مع القوى الغربية. ومن أبرز تلك العلاقات هي العلاقة مع إسرائيل، التي تثير العديد من التساؤلات حول التناقضات والتوجهات التي تحكم السياسة التركية في الشرق الأوسط.

الخطاب بين التهديد والتخوف

في كل مرة تتحدث فيها تركيا عن إسرائيل، تسعى إلى رسم صورة مغايرة لما هو واقع في الميدان، من خلال لغة حادة وتهديدات غالبًا ما تثير جدلًا، ولكنها في واقع الأمر لا تزعج إسرائيل بشكل جوهري. فبينما تتبنى تركيا خطابًا ضد إسرائيل، وتظهر نفسها في صورة المدافع عن القضية الفلسطينية، فإن السياسات التي تتبعها في الواقع تظل متوافقة إلى حد كبير مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية. هذا التناقض في الخطاب والممارسة يعكس حالة من الخوف العميق، ليس من إسرائيل نفسها بقدر ما هو من التغيرات الجيوسياسية التي قد تطرأ على المنطقة.

إن تركيا، التي تخشى التغييرات في موازين القوى بالشرق الأوسط، تعلم أن أي إعادة ترتيب للخرائط السياسية قد يعيد تشكيل مكانتها في المنطقة. ففي حين تتسارع التحولات الجيوسياسية، نجد أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول “إعادة كتابة تاريخ الشرق الأوسط” و”تغيير الخرائط”، تحمل في طياتها رؤية استراتيجية لتعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة، وهو ما يزيد من قلق أنقرة. فتحت هذا السياق، تواجه تركيا معضلة حقيقية: هل تواصل رفع شعارات العداء لإسرائيل، أم أنها ستضطر إلى تعديل سياستها بما يتناسب مع التحولات الدولية الجديدة؟

الدور التركي في لبنان: المصلحة والرهانات الإقليمية

في هذا السياق، يمكن تحليل التحركات التركية الأخيرة في لبنان. بينما أعلنت تركيا عن استعدادها لإرسال قوات إلى لبنان، يكمن المعنى الأعمق لهذه الخطوة في الرغبة التركية في تعزيز وجودها الاستراتيجي في لبنان أكثر من أي دعم حقيقي للمقاومة اللبنانية. إذ يبدو أن تركيا، التي تود توسيع نفوذها في المنطقة، تدرك أن وجودها في لبنان قد يسهم في احتواء حزب الله، الذي يُعد تهديدًا محتملاً للنفوذ الغربي في المنطقة.

لكن هذا التحرك يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار التركي، خاصة وأن تركيا لا تستطيع الابتعاد عن المصالح الأمريكية. فإن كانت تركيا بالفعل تسعى إلى تعزيز موقعها الإقليمي، فإنها ستظل مقيدة بقيود علاقتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما يضعف قدرتها على اتخاذ خطوات حاسمة ضد مصالح إسرائيل في المنطقة.

التبعية والواقعية: هل يمكن لتركيا أن تلعب دورًا مستقلًا؟

إجمالًا، يمكن القول إن السياسة التركية تُمثل نوعًا من التناقض المستمر بين الخطاب السياسي والممارسة الفعلية. رغم أن تركيا تعلن عن دعمها للقضية الفلسطينية وتضع نفسها في موقع المدافع عن العالم الإسلامي، إلا أنها ما تزال تحافظ على علاقة قوية مع إسرائيل والولايات المتحدة، مما يُقلل من قدرتها على اتخاذ مواقف مستقلة. هذه التناقضات تفتح تساؤلات حول قدرة تركيا على فرض استقلالية حقيقية في سياساتها الخارجية، خصوصًا في وقت تتسارع فيه التغيرات الإقليمية.

وفي ضوء هذا كله، يظل السؤال المحوري: هل ستتمكن تركيا من نزع عباءة التبعية والانتقال إلى دور مستقل قادر على التأثير في تشكيل المستقبل السياسي للشرق الأوسط؟ أم أنها ستظل أسيرة للتحالفات القديمة والمصالح الغربية التي تحد من حركتها؟ الإجابة على هذا السؤال قد تحدد مستقبل تركيا ومنطقة الشرق الأوسط ككل.

بوتان زيباري

السويد

24.02.2025’’

2 Comments on “السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية´- بوتان زيباري”

  1. سوريا: أوديسة الوجود بين صراع الآلهة الأرضية وجغرافيا الدم
    هذه الجملة تحمل طابعًا أدبيًا وتحليلًا سياسيًا، وهو عنوان لمقال الذي يتناول الوضع في سوريا من زاوية فلسفية وتاريخية:
    • “أوديسة الوجود”: تشير كلمة “أوديسة” إلى الرحلة الطويلة المليئة بالمحن، مثل ملحمة الأوديسة لهوميروس، مما يوحي بأن الوجود السوري مر برحلة معقدة مليئة بالمعاناة والتحولات.
    • “بين صراع الآلهة الأرضية”: تعبير مجازي يشير إلى القوى السياسية والعسكرية التي تتصارع على سوريا، وكأنها “آلهة” تتحكم في مصيرها، لكنها ليست سماوية بل دنيوية (قوى دولية، إقليمية، محلية).
    • “وجغرافيا الدم”: يشير إلى الخرائط السياسية والحدود التي رسمت بالدماء نتيجة الصراعات والحروب، في إشارة إلى العنف الذي أعاد تشكيل الجغرافيا السورية.

    بمعنى آخر، العنوان يوحي بأن سوريا تعيش رحلة مأساوية في ظل صراعات القوى التي تتحكم بمصيرها، بينما الجغرافيا تُعاد رسمها بالدماء.
    بوتان زيباري

  2. ”سوريا بين أسطورة الفينيق ووهم الصيرورة”
    هذه الجملة تحمل بعدًا رمزيًا وفلسفيًا في الحديث عن سوريا، حيث تدمج بين أسطورة الفينيق ووهم الصيرورة:
    1. أسطورة الفينيق: الفينيق هو طائر أسطوري يُقال إنه يحترق ثم ينهض من رماده، وهو رمز للقدرة على التجدد بعد الدمار. استخدامه هنا يشير إلى رؤية سوريا كدولة قادرة على النهوض من أزماتها المتكررة، تمامًا كما يفعل الفينيق.
    2. وهم الصيرورة: الصيرورة تعني التحول والتغيير المستمر، لكنها هنا موصوفة بأنها “وهم”، مما قد يشير إلى أن التغيير الحقيقي في سوريا إما غير موجود أو مخادع، أي أن ما يبدو تحولًا قد يكون مجرد إعادة إنتاج لنفس الأنماط السابقة.
    الجملة إذن تعكس جدلية بين الأمل في التجدد والنهوض (كما في أسطورة الفينيق) وبين التشكيك في إمكانية حدوث تغيير حقيقي (وهم الصيرورة)، مما يوحي بحالة من الحيرة أو الإحباط تجاه مستقبل سوريا.
    – بوتان زيباري

Comments are closed.