الذبيحة المقدسة
……….
ماذا تفعل يا رأس الحسين المقطوع؟
مع العهود المناقضة؟
وأنت محمول بيد عاصفة موسم بليد
كنت إيقاعًا لنشيد أصيل
تلفظتك نسمات السفوح
لكنك اليوم أصبحت رثاء علی قبرمنفی مفقود
يديك في فم ضباع أليفة
أعرفها من خلال ساعتك
التي كانت تقرأ الزمن الحقيقي للوجود
إلى أين يأخذونك؟ ماذا يکتبون بها؟
وقد اعتادوا علی كتابة:
كلمة حسد السوداء في الأيام البيضاء..
عندما سرقت صاعقة الغدر
حبوب القماري من يديك
ثم تناثرت في سهول الوجود الرمادي
لم يعلموا أنك ستصبح قمحًا خالدا مخضرا
أو کشجرة العروسين
التي نبتت علی مزار (عتبة وريا)
وکشفرة قصيدة غير مفكوكة
بقيت وحيدا ..
وبواشق سهول سهرورد
ما زالت تبحث عن جثة (نالي)
.
يا أيتها الذبيحة المقدسة!
على أي منصة في سوق السماسرة
يسفك دمك عند أقدام الأصنام؟
ستحيا وتذبح من جديد..
تكتب علی جدران مشققة
ببقايا فحم مدفأة ديوان الاصمعي المهجورة
بصحبة (الشابي)، في لحظات علو قلبية:
أرحل ودون الاكتراث بسهام الغدر..
لا ترفع رأسك بعد
“كي لا تتموج بركة الانتظار الحمراء أكثر”
فليبق بريق عيون (أنا الحق) المخمورة تنير الدرب
لا تدع غبار هذا الكســــــوف تعميها
ما هذه الصحاري المنافي الدامسة؟
تشتعل شمعة روحك فيها مغتربا
تحترق بــبـــطء
وتــــــذوب
رويدا
………………
نبذة:
في هذا النص تجسد الشاعر وجوده في (رأس الحسين) كرمز للمظلومية نظرا لأهميته واعتبارا لدلالاته المعنوية، لغرض الوصول الى تعدد مبتغاه الدلالي، من خلال رسم صور شعرية مجازية متجددة، وكعادته التعمق في المسائل الانطولوجية عبر الزمن المتغير وعالمه الهيولي ثم الانصهار في ذرات ساخنة لبراكين الدهر بأعطاء الاصالة الى هذا الصراع الكوني (القديم –الحديث) بين الخير والشر.
من بين تلك الاحالات النصية قد تسترعي انتباهنا تراجيديا قصة رومانسية لم تكن مألوفة ومتداولة مسبقا من قبل الشعراء، وهي قصة مغدورية الشاعر عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي الأنصاري، وهو من الشعراء العشاق، اشتُهِر بقصة عشقه لمحبوبته ريا بنتُ الغطريف السُّلمي، ملخص الواقعة (بعد عناء طويل للوصول الى ولي أمر محبوبته من مدينة الی السماوة لطلب يدها، جهز عبد الله بن معمر القيسي المهر قبل أن يذهب إلى بيت عتبة بثلاثين حيوان يحملون على ظهورهم من التحف والطرف والمتاع والملابس والمجوهرات شيءٌ كثير، فودعوا والدها في السماوة ثُمّ سار عبد الله وعتبة وريا ومن معهم إلى المدينة المنورة فلمّا كادوا أن يصلوا إلى المدينة ولم يبقَ بينهم وبين المدينة إلا مرحلة واحدة، أتى إليهم قطاع طرق يُريدون الغارة والهجوم عليهم، ويقُولُ عبد الله راوي القصة: «خرجت علينا خيل تريد الإغارة، وأحسب أنها بني سليم أتت بأمرٍ من الغطريف!»، أي أنّه يظن أنَّ من هجم عليهم قد يكونون من قبيلة بني سليم وأنَّ الغطريف الذي أُجبِر على تزويج ابنته من عتبة قد أرسلهم لكي يهجمون عليهم وقال (أحسب) أي، غير متأكد من الأمر.
قاتلهم عتبة بشجاعة وقتل منهم عدة رجال، ثُمّ عاد عتبة بفرسه وفي نحره طعنة تفور دماً ثُمّ سقط على الأرض من على فرسه، فقام الناس الذين يعيشون هُناك لنصرتهم فهرب أولئك الفُرسان فاجتمع الناس حول عتبة فإذا به قد قُتِل بسبب جرحه فصرخ عبد الله بن معمر القيسي: «واعتبتاه!»، فسمعته ريا فرمت نفسها من الهودج إلى عتبة وبقيت تحتضنه وتبكي بحرقة وتقُولُ:
تَصبَّرتُ لا أنِّي صَبِرتُ وإنما
أُعلِّلُ نفسي أنها بكَ لاحقة
فلو أَنصَفَتْ روحي لكانت إلى الرَّدَى
أمامكَ مِن دونِ البريةِ سابقة
فما أحدٌ بعدي وبعدكَ مُنصِفٌ
خليلاً ولا نفسٌ لنفسٍ بصادقة
ثُمّ شهقت ريا شهقة واحدة وماتت مُباشرة، فقام عبد الله والناس الموجودين بتغسيلهم وتكفينهم وحفروا قبراً واحداً ودفنوا عتبة وريا فيه معاً، ثُمّ عاد عبد الله بن معمر القيسي إلى ديار قومه وبعد سبع سنين عاد عبد الله إلى الحجاز فزار المدينة المنورة، فقال: «والله لآتين قبر عتبة أزوره»، فذهب لزيارة قبر عتبة وريا فإذا به يرى شجرة نابتة على قبرهما عليها عصائب حمر وصفر وخضر، فقال للقوم الذين يعيشون قريباً من القبر: «ما يُقال لهذه الشجرة؟»، أي ما هو اسمها، فقالوا: شجرة العروسين).
بعد هذه الاحالة، ذكر في هذا النص للشاعر الكلاسيكي الکوردي نالي الشهرزوري ١٨٠٠-١٨٥٦ والذي يقال عنه انه توفی في الغربة في اسطنبول أو في مكان غير معلوم.
كما ان للشاعر التونسي ابو القاسم الشابي ١٩٠٩-١٩٣٤ شاعر الخضراء المناهض للظلم وصاحب أبيات (إذا الشعب يوما أراد الحياة) حضورا في النص وقد وضع في بقعة جغرافية استراتيجبة استكمالا لتوصيل رسائل الشاعر الشعرية.
***