الشهيد قاسم سليماني: القائد الذي دافع عن المستضعفين وأربك مشاريع الهيمنة- نجاح محمد علي

في ظل المجازر الوحشية التي يتعرض لها الشعب السوري اليوم وخصوصاً العلويين ، تتجلى لنا بوضوح قيمة القادة الذين وقفوا في وجه الإرهاب، وضحّوا بأرواحهم من أجل استقرار المنطقة وصمود شعوبها. ولا يمكن الحديث عن هذه التضحيات دون استحضار اسم الشهيد القائد قاسم سليماني، الرجل الذي لم يكن مجرد جنرال عسكري، بل كان رمزًا للمقاومة والصمود، وقائدًا استثنائيًا في مواجهة المخططات التي استهدفت المنطقة لعقود.

دور قاسم سليماني في حماية سوريا من السقوط

عندما اندلعت الأزمة السورية عام 2011، كانت البلاد تواجه واحدة من أعقد المؤامرات التي شهدتها المنطقة. تحالفت قوى إقليمية ودولية لزعزعة استقرار سوريا وتقسيمها، مستغلة حالة الغضب الشعبي والأوضاع الاقتصادية الصعبة لإشعال فتيل الفوضى. لكن سرعان ما تحوّل المشهد من حراك شعبي إلى حرب طاحنة، تقودها جماعات متطرفة مدعومة من الخارج، تهدف إلى تحويل سوريا إلى بؤرة إرهابية تكون أداة لتمزيق محور المقاومة وضرب استقرار المنطقة بأسرها.

في خضم هذا المشهد الدموي، برز الشهيد قاسم سليماني كقائد ميداني استثنائي، أدرك منذ اللحظة الأولى أن سقوط سوريا يعني فتح الأبواب أمام كارثة إقليمية لا تقتصر على دمشق وحدها، بل ستمتد إلى العراق ولبنان وإيران، وربما إلى أماكن أخرى. لقد كانت رؤيته الاستراتيجية قائمة على ضرورة مواجهة المشروع التكفيري في مهده، ومنع القوى الدولية من تحويل سوريا إلى ساحة نفوذ أمريكية صهيونية جديدة.

تحرك الشهيد سليماني سريعًا، ليس عبر التخطيط العسكري فقط، بل من خلال بناء شبكة واسعة من التحالفات بين القوى المدافعة عن سوريا. كان دوره يتجاوز الدعم اللوجستي، فقد نزل إلى الميدان بنفسه، وتواجد في الجبهات الأمامية، مؤمنًا بأن القائد الحقيقي هو من يكون بين جنوده، لا من يخطط من خلف المكاتب. هذه الروح القيادية جعلته رمزًا للشجاعة والتضحية، وأكسبته احترامًا واسعًا حتى بين أعدائه الذين أدركوا أن وجوده في أي معركة يعني تغيير ميزان القوى لصالح محور المقاومة.

الرؤية الاستراتيجية لسليماني في مواجهة الإرهاب

لم يكن الشهيد سليماني مجرد جنرال يخوض معارك تكتيكية هنا وهناك، بل كان رجلًا يملك رؤية استراتيجية بعيدة المدى. كان يدرك أن ما يحدث في سوريا ليس مجرد صراع داخلي، بل هو جزء من حرب كبرى تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح القوى الاستعمارية. ولهذا، عمل على تعزيز قدرات الجيش السوري، ورفع مستوى التنسيق بينه وبين قوى المقاومة، مثل حزب الله والفصائل العراقية، لضمان تماسك الجبهة التي تقف في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني.

لقد فهم الشهيد سليماني أن الحرب ضد الإرهاب لا يمكن أن تكون مجرد عمليات عسكرية، بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل الجانب السياسي والإعلامي والاجتماعي. ولذلك، لم يقتصر عمله على ساحات المعركة، بل كان حاضرًا في طهران ودمشق وبغداد وبيروت، يعمل على تعزيز وحدة الموقف بين حلفاء محور المقاومة، ويؤكد أن المعركة ليست معركة دولة بعينها، بل هي حرب وجود ضد قوى تسعى إلى تفكيك المنطقة وتمزيق نسيجها الاجتماعي.

التضحية في سبيل المستضعفين

لم يكن سليماني ينظر إلى المعارك التي خاضها من زاوية المصالح الجيوسياسية فقط، بل كان يؤمن بأنه يؤدي واجبًا دينيًا وإنسانيًا في الدفاع عن المستضعفين. كان يرى أن الوقوف إلى جانب الشعب السوري، ومنع الجماعات الإرهابية من ارتكاب المجازر بحقه، هو مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو عسكرية.

لقد رأى العالم كيف ارتكبت الجماعات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، أبشع المجازر بحق المدنيين، وكيف استُهدفت الأقليات الدينية والعرقية، وتم تدمير الكنائس والمساجد والمواقع التاريخية. أمام هذه الفوضى، كان سليماني يتحرك بروح المقاتل الذي يدرك أن الدفاع عن هذه الشعوب هو جزء من معركة أوسع ضد الظلم والاستبداد. لم يكن في حساباته أن يكسب شعبية أو يحصد الألقاب، بل كان هدفه أن يمنع تكرار مشاهد الذبح والتنكيل والدمار التي اجتاحت سوريا والعراق.

الاستشهاد: تتويج لمسيرة الجهاد

في ليلة الثالث من كانون الثاني/يناير 2020، ارتقى القائد سليماني شهيدًا إثر غارة أمريكية استهدفته بالقرب من مطار بغداد. كان هذا الاغتيال إعلانًا واضحًا بأن الولايات المتحدة وحلفاءها رأوا فيه تهديدًا مباشرًا لمشاريعهم، ليس في العراق وسوريا فقط، بل في المنطقة بأسرها.

لكن استشهاد سليماني لم يكن نهاية لمسيرته، بل كان بداية لمرحلة جديدة من المقاومة. لقد تحوّل من قائد ميداني إلى رمز عالمي للمقاومة، وأصبح استشهاده وقودًا جديدًا لحركات التحرر في المنطقة. رأينا كيف خرجت الملايين في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن لتشييعه، في مشهد أكد أن الرجل لم يكن مجرد جنرال إيراني، بل كان قائدًا أمميًا للمقاومة ضد الظلم والاستعمار الجديد.

غياب قاسم سليماني: فراغ في التصدي للإرهاب

لو كان الشهيد القائد قاسم سليماني حيًا اليوم، لربما كانت الصورة مختلفة تمامًا. فقد كان له دور محوري في دعم الحكومة السورية والقوات الرديفة في مواجهة التنظيمات الإرهابية، مما ساهم في حماية الأقليات ومنع ارتكاب مجازر بحقهم. غيابه ترك فراغًا استغلته هذه التنظيمات لتصعيد هجماتها ضد المدنيين، وخاصة العلويين.

التواطؤ الدولي والإقليمي: صمت مشين

ما يزيد من مأساوية الوضع هو التواطؤ الدولي والإقليمي، حيث تقف العديد من الدول مكتوفة الأيدي أمام هذه الجرائم، بل إن بعضها يدعم بشكل غير مباشر هذه التنظيمات لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. هذا الصمت والتواطؤ يشجعان مرتكبي المجازر على الاستمرار في جرائمهم دون خوف من المحاسبة.

في ظل هذه الظروف القاسية، يتضح لنا حجم الخسارة بفقدان قادة شجعان كقاسم سليماني، الذين كانوا يقفون سدًا منيعًا أمام مخططات التفتيت والإبادة. كما يتبين لنا أن البيانات الدبلوماسية الفارغة لا تكفي لحماية الأبرياء ووقف نزيف الدم. المطلوب اليوم هو تحرك دولي جاد وفعّال لوقف هذه المجازر ومحاسبة مرتكبيها، وضمان حماية جميع مكونات الشعب السوري دون تمييز

القادة الحقيقيون لا يموتون

إن استذكار الشهيد القائد قاسم سليماني اليوم، في ظل ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر، ليس مجرد استحضار لتاريخ مضى، بل هو تأكيد على أن مسيرته لا تزال تلهم الأحرار في كل مكان. لقد كان رجلًا تجاوز الحدود الجغرافية، وأثبت أن القادة الحقيقيين لا يموتون بموت أجسادهم، بل يبقون أحياء في ذاكرة الشعوب التي دافعوا عنها.

رحم الله الشهيد سليماني، الذي لم يكن قائدًا عسكريًا فحسب، بل كان نموذجًا للقائد الذي يعيش بين جنوده، يشاركهم آلامهم، ويحمل همّ الأمة فوق كتفيه، حتى لحظة استشهاده. واليوم، مع استمرار المعركة ضد الظلم والإرهاب، يبقى إرثه حاضرًا في كل ساحة مقاومة، وفي كل قلب ينبض بالعزة والكرامة.

2 Comments on “الشهيد قاسم سليماني: القائد الذي دافع عن المستضعفين وأربك مشاريع الهيمنة- نجاح محمد علي”

  1. ** من ألأخر { ١: كلامك صحيح والدليل وصول تلك الدول للدرك الأسفل مع شعوبها ؟٢: صدقني الزرقاوي والبغدادي وغدا الجولاني أيضا شهداء عند ربهم يسكرون وينكحون ٣: عجبي من عراقي يمجد قتلة شعبه ومغتصبي
    أرضه وناهبي خيراته ، بل أنا مخطئ إذا كنت شجاع ، سلام؟

Comments are closed.