هل تقطع بغداد علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق؟ – الكاتب/سمير داود حنوش

يحترف خطاب الإسلام السياسي إسلوباً عجيباً في تفسير نظرية المؤامرة التي تلخص كل مآسيهم ونكباتهم إلى الآخر المتآمر عليهم الذي يهدد سلطتهم ويريد تحطيمهم لإعتقادهم بأنهم خير أمة أُخرجت للناس.

دائماً مايدفع الأبرياء أثمان باهضة لإنتقام دعاة الإسلام السياسي، والمصيبة أن تجاربهم تتكرر في بلداننا دون أن يتعظوا أو يأخذوا النصيحة.

أكتب هذه السطور عن ما يحدث في الساحل السوري ببلد غادره حكم الديكتاتور ليقع في قبضة الإسلام السياسي، وكأني أستعرض السيناريو العراقي الذي وصل به الحال بعد عام 2003 من قتل وتشريد وتهجير تعمقت مآسيه وإزدادت جروحه بعد أحداث تفجير ضريح الأمامين العسكريين في سامراء 2007 حولت مدن العراق إلى مناطق طائفية، وقسمت بغداد إلى كانتونات حسب المذهب والطائفة وحتى الأسماء.

وقعت الإدارة الجديدة لسوريا بنفس الأخطاء التي وقع بها حكام العراق الجدد حين إعتقدوا إن الإنتقام هو السبيل الوحيد لتثبيت الحكم الجديد.

أصبح الأبرياء من المدنيين السوريين ضحايا لصراع قاتل بين قوى اليوم الأمس، والمصيبة إن تلك القوى تعلم جيداً إن هؤلاء المدنيين لا حول لهم ولا قوة، سوى أنهم كانوا في الوقت والزمن الخطأ تماماً كما حصل بالمكون السني حين إجتاح مدنه تنظيم داعش الإرهابي وإستطاع أن يحتل بيوتهم ويحرق مزارعهم ويجبرهم على ترك أراضيهم كمهجرين، تلاحقهم تهمة الموالاة للإرهاب مع أنهم أكثر  المتضررين من ذلك الإرهاب.

يقف السوريون اليوم على مشهد مستنسخ من العراق في الخراب والتقسيم ورغم ذلك التشابه والتطابق بين المشهدين إلا إن كل منهما يأبى أن يمُّت للآخر بصلة، ويبدو أن ذلك التنافر قد أخذ بالتعاظم بعد أحداث الساحل السوري مؤخراً والتخوف العراقي من أن يمتد ذلك الإنفلات والفوضى إلى الداخل العراقي بعنوان طائفي قد يعبر الحدود إلى بغداد، كل ذلك جعل التوتر يتصاعد في العلاقات بين البلدين ويزداد تأزماً، خصوصاً بعد مطالبات لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي لوزارة الخارجية بقطع العلاقات مع الجارة السورية نهائياً، سبقها إنتشار قوات حفظ النظام أمام السفارة السورية في بغداد تحسباً لإنطلاق تظاهرات حاشدة بالقرب من السفارة.

القلق العراقي بلغ ذروته حين أُعلن عن مراقبة الأجهزة الأمنية لجميع حسابات مواقع التواصل الإجتماعي الداعمة للإرهاب وإعتقال سوريين روجوا للإرهاب حيث صدرت التعليمات بتدقيق ملفات جميع السوريين الداخلين إلى الأراضي العراقية وخاصة المخالفين لشروط الإقامة، وكما تنوه بعض المصادر إن هؤلاء المقيمين قد يكونون “قنابل موقوتة” تهدد بالإنفجار في أية لحظة بالشارع العراقي.

لا يُستبعد إتساع حجم التأزم بين العراق وسوريا إلى عدم حضور الرئيس الجديد لسوريا أحمد الشرع إلى مؤتمر القمة العربية المزمع إنعقادها في آيار/مايو.

فُسّر بيان الإطار التنسيقي بإدانته للمجازر التي تتعرض لها الأقليات في سوريا ومطالبتهم المجتمع الدولي لأخذ دوره في حمايتهم بأنها رصاصة الرحمة على العلاقات العراقية السورية.

يتشابه السيناريو السوري والعراقي في حكم الإسلام السياسي مع أن كلاهما في طريقين متناقضين عقائدياً يتوحدان في الهدف ويختلفان في الإتجاه.

في كل مناسبة يُثبت الإسلام السياسي فشله في إدارة الحكم ويؤكد أن نسخته أصبحت مستهلكة لاتصلح للواقع الجديد.

أحداث الساحل السوري من وجهة نظر الإطار التنسيقي الحاكم هي حرب طائفية تمارسها جماعات الحكم السوري الجديد من أجل التطهير العرقي، وأمنيات الشارع العراقي أن لا تقع سوريا في نفس أخطاء بغداد التي مزقتها الطائفية لكي تستفيد من هذا التشرذم الجارة الشرقية.

هل تلجأ بغداد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الشرع؟ لا يحتاج القرار إلى إعلان رسمي، فكل ما يحدث على أرض الواقع يؤكد باليقين أن التوتر بين البلدين بلغ ذروته ومازالت الأزمة تتفاقم على الحدود مع ذلك التحشيد للقوة والسلاح على جانب الحدود العراقية خوفاً من إنتقال شرارة ما يحدث في سوريا إلى الداخل العراقي، وهو الخوف الحقيقي لما قد يحدث في قادم الأيام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *