لا شك بأننا سعدنا كثيرا بالخطة الغربية السهلة الذكية الأخيرة على قاعدة: ادع الفخار يكسر بعضو! أي بكسر الفخار الاسلامي السياسي ذي الجذر الداعشي السلفي الوهابي الاخواني للفخار البعثي الدكتاتوري العنصري وذلك كأداة سهلة أتفق عليها أخيرا بعض القوى الدولية والأقليمية لتدفعه لوجستيا أمنيا بالقيام بالهجوم المباغت على جيش السلطة المخلوعة بسهولة فائقة(أقرب إلى عملية تسليم واستلام) عقب اتفاقية الهدنة الإسرائيلية-اللبنانية مباشرة وليس قبلها وذلك كإنتظار وإنتباه ومراعاة لئلا يتم وصف ذلك بالغدر او الخيانة ضد محور ما يسمى بالمقاومة وبالتالي فقدان التأييد من قبل الكثير من المسلمين في الوقت الذي فيه كانت الحرب بعد مشتعلة بين الشيعة وبين اسرائيل.
لكن رغم السعادة القصوى بذلك التكسير الفخاري لبعضو منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نرى بأن سلطة الأمر الواقع المنبثقة منه تعمل وتتصرف بمنتهى الخبث والمقت والكراهية ضد مصالح أغلبية المكونات السورية الكوردية’ العلوية الدرزية، المسيحية والسنية المعتدلة المتمدنة ايضا، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في طبيعة اللجان المزعومة للحوار الوطني ولاعلان الدستور، ارتكابها للمجاذر العلوية وتهديدها للدروز والمسيحيين واللعب مع الكورد ومن جانب آخر كتوزيع أدوار بينها وبين السلطة التركية العنصرية بدفع المرتزقة للهجوم عليهم في مناطق كوباني وسد تشرين.
إن مسرحية بعض نقاط الإعلان الدستوري الخاصة باسم الجمهورية، والفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع وافساح المجال لدكتاتورية واسعة لأحمد الشرع(جولاني) لن تنطلي على المكونات السورية المتمدنة الديموقراطية ولابد من قيام نخبها الواعية بالعمل السريع على تنظيم الاحتجاجات والعصيانات المدنية للحصول على” كمالة” المتمثلة في إحداث تغيير ديموقراطي مدني بعيدا من ثقافة السلفية والوهابية والدعشنة الظلماتية، وهنا لا بد من توضيح أهمية القيام بذلك وإمكانية النجاح وفق البيان التالي:
فبعد أن يئس الغرب وإسرائيل من هدف أهمية بقاء التوازن السني-الشيعي في شرق البحر المتوسط والخليج لمصالحهما الاستراتيجية بحيث ان يكون المد الشيعي الايراني العراقي السوري اللبناني واليمني قائما في ردع النفوذ السني التركي-الخليجي ذي الخطر الأكبر لتلك المصالح، هكذا وبعد أن تبين أخيرا الخطر الشيعي الواضح منذ طوفان أقصى على اسرائيل(إطلاق آلاف الصواريخ الشيعية عليها) أي الى درجة أن اصبح المحور الشيعي غارقا في الغرور والخطأ الكبير ونسي أهمية السماح الغربي- الاسرائيلي له منذ عقود بالمد المتعاظم في المنطقة رغم معاداته التقليدية الاعتيادية المتواضعة لهما.
هنا وبعد أن بلغ السيل الربى لم يبق لأمريكا وإسرائيل من مفر سوى العمل ولو مؤقتا مع المحور السني التركي-الخليجي المتعطش منذ عقود لضرب النفوذ الشيعي وبالتفاهم مع روسيا مقابل أمور معينة بخصوص اوكرانيا وبانذار جدي لإيران من محاولة تقديم أية مساعدة أو تدخل لصالح حكومة البعث العنصري وكذلك بعد شراء عدد من كبار الضباط السوريين لتهيئة الانسحابات العسكرية من خطوط المجابهة القادمة وليدفع أخيرا بالفخار يكسر بعضه وذلك بدفع مجموعات جولاني وغيره للهجوم المباغت على القوات الحكومية البعثية /ويكون ذلك غير مكلف بالمقارنة مع الثمن الباهظ الذي ترتب على عملية حرية العراق/ وسوف يهيأ ذلك ايضا التسهيل في حل الجيش السوري وفي فرصة لإسرائيل بالقضاء المريح على العتاد العسكري السوري وبكسب المزيد من النقاط والمناطق المهمة السورية المتاخمة معها دون حرب المواجهة المكلفة( بعد عملية حرية العراق سألت مسؤولين غربين: لماذا لا تقومو هكذا بعملية حرية سوريا أيضا’ فأجابوا وقتها بأن ذلك سيكون وفق نموذج مغاير).
بصدد سر ولغز قبول الغرب- اسرائيل أخيرا بخيار دفع مجموعات جولاني السنية المصنفة لديهما في قائمة الارهاب الداعشي للهجوم:
فمنذ أحداث ١١ أيلول الإرهابية حاول الغرب وخصوصا أمريكا وبريطانيا العمل على تحرير بعض الدول الاسلامية ذات الإدارة الدكتاتورية او المتعصبة قوميا ودينيا، فقام بتحرير أفغانستان والعراق عبر حروب مضنية ومكلفة جدا (وحتى السعودية كانت في المرمى وقتها لكن بمقاياضات مليارية نجت)، ولكن وجد هذا الغرب أن البديل كان دائما ايضا متعصبا اسلامويا وقومويا وهكذا جرى في مصر وليبيا ونسبيا في تونس واليمن ايضا، بمعنى أن القوى الاسلاموية والقوموية المتعصبة البديلة كانت هي التي تجهد وتسخر نفسها في الصراع والمعارك أكثر من القوى الديموقراطية المدنية المعتدلة، أي أن الأخيرة تحب الحياة أكثر من الأولى، وأن الأخيرة تفضل دوما قيام الغرب بالمواجهة والحروب لازالة تلك السلطات القمعية والقوى الاسلاموية والقوموية ودون أن تضحي الأخيرة في تلك الصراعات الدموية قيد انملة، وكأنها تضحك على الغرب!
في ٢٠٠٧ مثلا عندما هاجم حزب الله عل قوى ١٤ آذار اللبنانية ناج ونادى اقطابها الغرب على التدخل لصالحهم، فرد الغرب لهم: عليكم انتم الانخراط الجدي والتسخير في مواجهة حزب الله وليس نحن بدفع الاموال والدماء ونحن نحب الحياة أكثر بكثير منكم ولكن لأجل مصالحنا نضحي بالغالي والنفيس، فعندما يصبح الوضع مأساويا جدا لديكم يمكن للمجتمع الدولي عندئذ أن يتدخل أمميا في الموضوع. وقد صرح العديد من المسؤولين والمختصين الغربيين منذ ما بعد حرية العراق قائلين وكأن القوى الديموقراطية والمدنية في الشرق الأوسط يضحكون على الغرب، رغم أن حياة تلك المجتمعات في أيدي هذا الغرب الذي هو نفسه قام بانارة العالم علميا تقنيا واقتصاديا!
هنا في الحالة السورية وجد الغرب خلال ١٣ سنة ايضا، بأن القوى المعارضة الديموقراطية والمدنية هناك تحذو نفس منحى المناجاة فقط بالتدخل الغربي من أجل التغيير وبالتالي تجنب ذلك الخيار اصلا وكذلك بمعرفته المسبقة بحتمية وصول التيار الاسلاموي القومي المعادي للغرب ولاسرائيل كبديل، هكذا إلى أن وصل غرور وخطر المحور الشيعي منذ طوفان الاقصى إلى حد كبير جدا كما ذكر، فلجأ إلى خيار الأمر الواقع وبالتالي إلى قبول العمل مع المحور السني التركي-الخليجي(هنا يخطأ من يصدق معاداة الإمارات المتصنعة لمجموعة جولاني) بدفع مجموعات جولاني وغيره للهجوم على قوات النظام البعثي الفاسد واسقاطه السريع، هذا إلى أن تتمكن اسرائيل من كسب تلك الامتيازات المذكورة سابقا ومن ثم ليتم لاحقا قيام القوى والنخب الديمقراطية المدنية السورية بالاحتجاج والتظاهر المستمر لاحداث التغيير الديموقراطي الممكن هناك، وإنهاء الصمت المريب وكذلك ضرورة تجنب البعض من الوجهاء والنخب الطمع في استلام بعض المناصب والمسؤوليات اليتيمة لدى سلطة احمد الشرع الجولانية.
في هذا السياق وبعد انهاء جبروت السلطة البعثية الفاسدة المستبدة وعقب شبه زوال الأسلحة والعتاد الحربي الثقيل وبوجود دقة أنظار القوى الدولية الديموقراطية للمشهد السوري اصبح الظرف مواتيا ذهبيا لتلك القوى والنخب السورية لقيادة الجماهير سياسيا مدنيا تحت شعار بدنا “كمالة” عقب تهشيم الفخار لنفسه والقيام بتنظيم الاحتجاجات السياسية والعصيانات المدنية ضد سلطة تفرد مجموعة جولاني ولاحداث تغيير ديموقراطي معين وتشكيل نظام قائم على التعددية واللامركزية/الفدرالية، تلك المجموعة التي تظل جولانية عقلية وتصرفا رغم تغيير شكل اللحى والقميص ولبس الكرافيته وإطلاق مزاعم عسلوية والتخلي عن فكرهم ومبادئهم المتعصبة فجأة، حيث لا يمكن لعاقل أن يصدق منطقيا بذلك التغيير بين ليلة وضحاها وكذلك أن ذلك الزعم المفاجئ بالكلام المزعوم وتخليهم السريع من بعض مبادئهم وطقوسهم وأزيائهم الاسلاموية يدل على عدم جديتهم حتى في تبني المبادئ التي يبيعوها بسرعة البرق في سبيل الوصولية والمنافع المادية والمعنوية وهذا الشيء بدوره يثبت ايضا عدم الصدقية والحقيقة بما يطلقوه ويزعموه تصرفا وادارة، خصوصا أن تلك المجموعات لا تتقيد حتى بتلك المزاعم التي يطلقها الشرع وبعض اركان إدارته السياسية.
* كمالة: تعبير شامي ممتع، أي الاستمرار وطلب المتبقي