إما مجتمع دیموقراطی أو دولة كوردیة مستقلة- د. عبدالباقي مایی

 

 

١٥\٣\ ٢٠٢٥

 إذا كانت الظروف الدولية المناسبة هي العامل الوحيد لقيام الدول الجديدة في العالم، فليس من المعقول أن تكون مصلحة الدول الحالية في قيام دولة باسم الكورد أو كوردستان ما دام التقسيم الحالي لكوردستان بين تركيا وإيران والعراق وسوريا لا يزال قائماً. لكي يكون النظام الدولي مستقرا فی مصلحة الدول العظمى، فإنه يعتمد دائما علی الأنظمة السياسية التابعة له في حكم الدول فی جميع أنحاء العالم. و لیس من المنطق أن تقبل هذه الدول الأربع التي تحتل كوردستان كياناً كردياً مستقلاً في أي من هذه الأجزاء لسبب بسيط و هو خوف أنظمة الدول الثلاث الأخرى من تشجيع هذا الكيان الكردي المستقل للكورد فی الأقسام الأخرى من كوردستان علی المطالبة بحقوقها والنضال من أجل إنفصالها أو اندماجها مع هذا الجزء المستقل من كوردستان أو ذاك. و هذا یعنی إنفصاله العملي عن الدولة المركزية وليس استقلاله فحسب. لأن الخلط بین المصطلحين الإستقلال والإنفصال منتشر بین الحركات السیاسیة فی الدول التي تحتل كوردستان سواء” كانت أحزاب الحكم أو المعاره‌ضة أو حتی بین الكورد المتسیسین أيضا فی هذه الدول لكونهم متأثرين بثقافة الشعوب السائدة فیها.

عندما تكون الظروف الدولية مناسبة لدعم الكورد في الشرق الأوسط الجديد، كما هو الحال مع التحالف الدولي الحالي للدول الرأسمالية التي تدعم أقلیم كوردستان فی العراق والإدارة الذاتية فی شمال شرق سوريا “روژئاڤا” و حكومة إسرائيل، فإن هذه الدول ملزمة بالحفاظ علی مصالحها مع الدول العربية والإسلامية فی المنطقة أيضا. ولا نستطيع تجاهل دور الدول الأخرى في المنطقة مثل روسيا والصين وغيرها. إذا” لیس من المنطق أن نحلم بأی كيان كردي مستقل إذا بقيت القوانين والأنظمة الدولية علی ماهي عليها الآن. لأن التحالف الدولی حاليا يدعم الكورد لیس لتكوین كیان قومي لهم بل لكونهم يحاربون “داعش” عوضا عنهم فی العراق و سوريا.

بتأريخ ١٠ آذار سنة ٢٠٢٥ توصلت الإدارة الذاتیة فی شمال شرق سوريا “روژئاڤا” من خلال قائد قوات سوريا الدیموقراطیة “قسد” مظلوم عبدی، إلی إتفاق مع الرئیس المۆقت لجمهورية سوريا أحمد الشرع وصف من قبل الكثیرین بالإتفاق التأریخی نظرا لكونه یوصل الطرفین إلی تفاهم مبدئي لتطبيق السلم والأمان فی سوريا جديدة مقبلة علی نزاعات طائفية عنيفة وصلت فی الفترة الأخيرة إلی مجازر فی إصطدام بین قوات الحكومة الجديدة و “فلول” من النظام السابق، الموالين للرئيس الهارب بشار الأسد فی مناطق الساحل السوري ذو الغالبية العلوية. نشرنا بتأريخ ١٢ آذار سنة ٢٠٢٥ تعلیقا فی صوت كوردستان تضمن تحليلا من زاوية نفسیإجتماعیة حول الإتفاق.و فی یوم الخميس المصادف ١٣ آذار سنة ٢٠٢٥ وقع الرئيس المؤقت للدولة السورية مسودة الإعلان الدستوري بعد أن سلمتها لجنة الصياغة التي صرحت بأن الإعلان يستمد مشروعيته من الرغبة فی بناء سوريا جديدة. بعدها كثر الحدیث حول الجد والردئ فی هذه المسودة و ما إذا كانت بنوده تتفق مع الإتفاق أم تتناقض معه. و فی نطاق هذا النقاش المعقد والشائك جری الحوار التالي علی شبكة “فيسبوك” بین تحليل سیاسی (د.م.) و تعلیق نفسیإجتماعی (ع.م.) حول الموضوع:

د. م.:

يُعَدّ التمسك بالاتفاق بين الجنرال والشرع خطوة استراتيجية تستند إلى معطيات الواقع السياسي. فهذا الاتفاق، الذي جرى تحت رعاية دولية وإقليمية، ليس مجرد تفاهم عابر، بل يشكل ركيزة أساسية يجب على قسد والإدارة الذاتية الالتزام بها لعدة أسباب.

  1. نسف الإعلان الدستوري عمليًا: التمسك بالاتفاق يُظهر أن الشرع هو من ينقض التفاهمات وليس قسد، مما يعزز شرعية قسد دوليًا.
  2. حماية بنية قسد العسكرية: رفض حلّ قسد وانضمامها كأفراد، والتمسك ببقائها ككتلة موحدة داخل وزارة الدفاع، يمنع تركيا من تحقيق أهدافها.
  3. تعطيل الذرائع التركية: الاتفاقية في جوهرها تهدف إلى إغلاق الباب أمام التدخل التركي تحت حجة أن قسد تتبع لحزب العمال الكردستاني.
  4. إعادة النازحين: الاتفاق ينص على عودة النازحين إلى مناطقهم في عفرين وسري كانيه وتل أبيض، وهو ملف لا يمكن التخلي عنه.
  5. تفادي الصدام مع هيئة تحرير الشام: الالتزام ببند وقف إطلاق النار يمنع أي مواجهة غير ضرورية مع هيئة تحرير الشام ويحافظ على التفاهمات القائمة.
  6. الضغط على القوى الدولية: مطالبة الأمريكيين والأوروبيين والدول الإقليمية بدفع الشرع لتطبيق الاتفاقية، والتأكيد على وحدة سوريا ومشاركة جميع المكونات في مؤسسات الدولة الجديدة، سيعزز موقف قسد ويزيد من الدعم الدولي.

أما فيما يخص الإعلان الدستوري، فهو بالفعل يبدو وكأنه مقدمة لإنشاء إقليم عربي سني، مما يعني أن التقسيم الفعلي لسوريا قد بدأ. هذا الواقع يفرض على المكونات الأخرى، ومنها الكورد والدروز، أن تضع أطرها الدستورية الخاصة بها لحماية مصالحها. في ظل استمرار العقلية الجهادية الإسلاموية الراديكالية في الحكم بدمشق، لا يبدو أن هناك فرصة حقيقية لقيام دولة سورية موحدة قادرة على احتواء التنوع المجتمعي.

الخلاصة: التمسك بالاتفاقية بين قسد ودمشق ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان حقوق المكونات وضمان عدم فرض حلول تصب في مصلحة طرف واحد على حساب الجميع.

ع. م.:

تحليلك رائع یا إبن العم فالإتفاق يبدو من الناحية النفسيإجتماعية أيضا أعمق وأوسع و أكثر تكاملا من مسودة الدستور. و إذا أصبحت مسودة الإعلان الدستوري واقعاً تطبقه الحكومة السورية الجديدة فهنالك أمل في أن تؤدي العوامل الذاتیة والموضوعیة التي أدت إلى الإتفاق أن تغير الدستور بما يتناسب مع الإتفاق.

د. م. :

شكرًا على تحليلك العميق. ولكن، لدي بعض التحفظات حول الإعلان الدستوري. يبدو أنه رغم التقدم الذي قد يحدث من خلال تطبيقه، إلا أن هناك غيابًا ملحوظًا للإشارة إلى الديمقراطية وتمثيل المكونات المختلفة في سوريا. إذا لم يتضمن الإعلان ضمانات حقيقية لتمثيل جميع الفئات السياسية والاجتماعية، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فقد يظل ذلك عائقًا أمام تلبية احتياجات الشعب السوري بشكل حقيقي. ما رأيك في ضرورة أن يشمل الإعلان أسسًا ديمقراطية تضمن مشاركات فعالة لجميع المكونات؟

ع. م. :

لا خوف علی ما تحتوی مسودة الدستور حالیا من ترهات أوعدم إكتراث بذكر الدیموقراطیة أو حقوق الأقلیات أو ما إلی ذلك من المفاهیم والمصطلحات التی تعبر عن التمدن والحریة والمساوات والتطور الشخصی أو الإجتماعی، فإن هذه المصطلحات غیر مفهومة لدی أغلبیة شعوب الشرق الأوسط حتی وإن ذكرت فی النصوص الدستورية والقوانين السارية المفعول كما هو الحال فی الدستور العراقی. فهی مصطلحات مستوردة من العالم المتمدن وتلبی فقط شروط مفروضة من الخارج المتمدن الذی أنتجتها شعوبها یوما عندما كانت فی حاجة إلیها فأبدعت فی إنتاجها حینذاك وفق حاجة شعوبها ولذلك عمل الفلاسفة والعلماء علی تألیفها بعد أن عاشتها شعوبها ولیس قبل ذلك.

نموذج روژئاڤا كفیل بأن یضمن قبول الأغلبیة فی المجتمع السوري لهذه المصطلحات حیث عمل علی إنتاجها وعاش ممارستها منذ تأسیسه، لا بل أنتج مفاهیمه الخاصة حسب حاجات و قابلیات و معتقدات شعبها، ولهذا تراه یعبر الأزمات بنجاح وسوف ینجح فی إدخال هذه المفاهیم إلی دماغ كل فرد فی المجتمع لكی یدخلها فی الدستور الدائم فی الوقت المناسب، وهو أهل لها.

إذا لم ینجح نموذج روژئاڤا فی إقناع الشعب السوري بأن یتبنی هذا النظام الرائد فی الإدارة والتنظيم فلا يوجد طريق آخر لإنقاذ الشرق الأوسط الجديد من الكوارث إلا طريق الإستقلال وذلك بتكوين دولة كوردیة مستقلة تتمتع بهذا الشكل من نظام الإدارة الذاتية الفريد من نوعه.

 

One Comment on “إما مجتمع دیموقراطی أو دولة كوردیة مستقلة- د. عبدالباقي مایی”

  1. اي اتفاقية هذا يا استاذ الكريم و حضرتك تعلم هذا تفاقية هش و ثم اي فرص و اي ظروف تتحدث عن و اليس كان ظروف مهيى لكم و اليس الفرصه كانت بين الديكم و كثير من الفرص يا استاذ الكريم و لكن القادة الكورد و احزاب الكورد لا يعقلون ولا يردون ان يحررو و يحررو كردستان و هم يتاجرون بكورد و كردستان و لك تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *