تشهد الساحة السورية تحولات كبرى ومتسارعة تفرض على مختلف الأطراف السياسية إعادة تقييم مواقفها وخياراتها الاستراتيجية، بما في ذلك القوى الكردية السورية التي تواجه تحديات مصيرية تتطلب توحيد الرؤية والقرار. في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحّة إلى تشكيل مجموعة عمل كردية سورية تتولى الحوار مع السلطة في دمشق، حيث بات واضحاً أن المرحلة الحالية تتطلب خطاباً موحداً وموقفاً متكاملاً يتجاوز الخلافات الجزئية التي يمكن إيجاد حلول لها عبر منابر وأشكال مختلفة.
ضرورة وحدة القرار الكردي نحو دمشق
تمثل القضية الكردية في سوريا جزءاً أساسياً من المشهد السياسي العام، ولا يمكن تجاهل دور القوى الكردية في رسم مستقبل البلاد. ومع ذلك، فإن الانقسام الداخلي بين الأطراف الكردية لطالما شكل عائقاً أمام تحقيق مطالبها المشروعة، حيث فشلت العديد من المبادرات السابقة بسبب التباين في الرؤى أو التنافس الحزبي. اليوم، ومع تسارع التغيرات السياسية والميدانية، لم يعد هناك مجال لاستمرار هذا التباين، بل بات المطلوب وحدة موقف كردي واضح تجاه دمشق، يراعي المصالح المشتركة ويضع إطاراً سياسياً واضحاً للحوار.
إن تشكيل مجموعة عمل كردية سورية سيحقق عدة فوائد استراتيجية، منها:
- خلق آلية موحدة للتفاوض تضمن تمثيلاً متوازناً للمطالب الكردية بعيداً عن الحسابات الضيقة لكل طرف.
- تعزيز الموقف التفاوضي للكرد أمام دمشق والمجتمع الدولي، حيث يمنحهم ذلك شرعية وقوة سياسية.
- تقليل احتمالات استغلال الخلافات الداخلية من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الساعية إلى تفتيت القرار الكردي.
- تحقيق استجابة أسرع للتطورات، حيث أن التغيرات الحاصلة في سوريا تتطلب مرونة في اتخاذ القرارات دون عراقيل داخلية.
تجاوز التفاصيل في ظل التحولات الكبرى
في ظل التطورات المتسارعة، لم يعد الوقت مناسباً للتركيز على التفاصيل الثانوية، إذ أن المسألة الكردية في سوريا أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بمسار الحل السياسي العام للبلاد. هناك قضايا يمكن تأجيلها أو إيجاد حلول بديلة لها عبر قنوات أخرى، ولكن الأساس هو الاتفاق على رؤية استراتيجية موحدة للحوار مع دمشق.
لقد أثبتت التجارب السابقة أن الانقسام الداخلي يضعف الموقف الكردي ويجعل المطالب السياسية أكثر عرضة للتهميش، في حين أن وحدة الصف تعزز إمكانية الوصول إلى حلول مستدامة. في هذا السياق، فإن أي تأخير في تشكيل مجموعة عمل كردية موحدة قد يؤدي إلى فقدان فرص حقيقية للحوار والحلول السياسية، خصوصاً مع استمرار التحولات الكبرى في المشهد السوري والإقليمي.
الاستجابة السريعة كعامل حاسم
بناءً على ما سبق، يصبح تشكيل مجموعة عمل كردية سورية للحوار مع دمشق ضرورة ملحّة وليست مجرد خيار سياسي. المطلوب اليوم هو التحرك سريعاً دون إضاعة المزيد من الوقت، لأن أي تأخير يعني مزيداً من التعقيد وفقدان القدرة على التأثير في المسار السياسي السوري.
إن نجاح هذه المبادرة يعتمد على توفر إرادة سياسية جادة لدى جميع الأطراف الكردية، واستعدادها لتقديم تنازلات متبادلة من أجل تحقيق مصلحة عامة تتجاوز الحسابات الفصائلية الضيقة. كما يتطلب الأمر دعماً دولياً وإقليمياً لضمان استمرارية الحوار وإنتاج مخرجات حقيقية تخدم الاستقرار في سوريا وتعزز حقوق المكونات الكردية في إطار الحل السياسي الشامل.
خاتمة
في ظل المستجدات المتسارعة، لم يعد من الممكن للأطراف الكردية السورية البقاء في حالة تباين دون اتفاق على إطار موحد للحوار مع دمشق. إن تشكيل مجموعة عمل كردية سورية موحدة يمثل خطوة أساسية لمواجهة التحديات الراهنة، حيث أن وحدة القرار الكردي لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها التطورات على الأرض. لذا، فإن الاستجابة السريعة لهذه الحاجة أصبحت أكثر من مجرد مطلب، بل مسؤولية تاريخية يجب على جميع القوى الكردية السورية تحملها والعمل على تحقيقها دون إبطاء.