حين يتقيأ الحقد، العروبة المشوهة في مواجهة الحقيقة الكوردية – د. محمود عباس

 

في زوايا التواصل الاجتماعي، حيث يتخبط الهامش الفكري المأزوم، تتكاثر حشرات العنصرية وذباب التعصب، متدثرين بعباءة القومية العروبية، والعرب الأصلاء براء منهم، أو ملوّحين براية الإسلام السني، فيما هم أبعد ما يكونون عن جوهر الدين وعدالة القيم الإنسانية. هؤلاء، الذين لا يزالون عالقين في مستنقع الفكر البعثي المهترئ، يتقيؤون خطابات الماضي البائدة، وكأنهم لم يدركوا أن عجلة التاريخ قد تجاوزتهم، وأن الأوطان لا تُبنى بإقصاء الآخرين، بل بالاعتراف بتعددية مكوناتها.

لقد تجاوزنا قذارتهم، لأننا ندرك زيف ادعاءاتهم وتهافت منطقهم. ومع ذلك، لن ننشغل بالرد على أصوات الكراهية الفارغة، بل سنظل نحاور العقول الواعية، حتى تلك التي تختلف معنا فكريًا، لأن بناء سوريا وطنًا للجميع يتطلب تفكيك رواسب الفكر الأحادي، وإرساء دستور يعترف بالشعب الكوردي كشريك أساسي في هذا الوطن، وليس كضيف مؤقت، أو كيان هامشي قابل للإقصاء عند أول صفقة سياسية.

المشكلة لا تكمن فقط في خطابهم العنصري، بل في ضعف أدواتهم الفكرية وهشاشة استنادهم إلى التاريخ. هم يدركون أن الواقع لا يسير في صالحهم، لذا يلجؤون إلى إعادة تدوير الأكاذيب، ظنًا منهم أن التكرار قد يمنحها شرعية زائفة. ومن بين هذه الترهات:

  • أن الشعب الكوردي ليس من سكان المنطقة الأصليين، بل هبط من كوكب آخر، وكأننا في رواية خيال علمي كتبت بأيدٍ جاهلة بالتاريخ! واليوم، ظهر تخريج جديد أكثر غرابة: أن الكورد قدموا من الهند! ولم يعد يكتفون بأنهم هجروا إليها من دول الجوار.
  • أن سوريا الحالية كانت موجودة منذ الفراعنة أو قبل الإسلام، متناسين الحقيقة أو جهلاء بتاريخها، أن حدودها الحديثة لم تتشكل إلا في نهاية 1936، باتفاقية أنقرة 1 و2 بين فرنسا وتركيا.
  • أن العرب كانوا يسكنون كامل جغرافيا سوريا قبل الإسلام، رغم أن المصادر التاريخية الموثقة تثبت أن القبائل العربية لم تدخل المناطق الكوردية إلا بعد ثورة حائل (1890-1910)، بعدما أنتصر أل سعود وقبيلتهم العنزة في تلك الثورة.
  • يهاجمون وكأن الكورد لم يكونوا جزءًا من هذه الأرض، بل تم جلبهم من الهند أو من كواكب مجهولة بواسطة فرنسا وبريطانيا!
  • والأغرب ظهور وانتشار المفهوم الضحل الغارق في الجهالة، الذي تكون بعد استلام هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، وهي أن سوريا “سنّية”، وكأن العرب وحدهم هم السنّة!، في رؤية ضيقة تسلخ الدين عن بعده الإنساني وتحصره في الهوية العرقية، وكأن التنوع الفقهي والمذهبي الذي عرفته المنطقة لم يكن يومًا جزءًا من نسيجها.

هذا الهذيان التاريخي الرخيص لا يكشف إلا مدى جهلهم العميق بالتاريخ والجغرافيا، وضياعهم في متاهات العنصرية العمياء، حيث يختلط الجهل بالحقد، وتتحول الأوهام إلى شعارات جوفاء لا تصمد أمام أبسط حقائق التاريخ.

إن هؤلاء لا يزالون يتشبثون بحطام سفينة غارقة، معتقدين أن العروبة الإقصائية يمكن أن تنقذهم من الغرق في مستنقع الفشل السياسي والوطني، لكن الواقع لا يرحم، فقد أثبت التاريخ أن الدول لا تُبنى على القومية الأحادية، بل على التعددية والتكامل بين مكوناتها.

سوريا التي يتحدثون عنها ليست إلا صورة باهتة لأحلام البعث المتهالكة، التي فشلت في بناء دولة حديثة، وأغرقت سوريا في بحر من الدماء والطائفية والصراعات، والأخطر من ذلك أن هذا الفشل لا يزال يجد له من يبرره، ومن يحاول إعادة إنتاجه، حتى بعد أن أثبت التاريخ استحالة استمرار الأنظمة المبنية على الإقصاء والاستعلاء القومي.

لكن الواقع يمضي في اتجاه آخر، بعيدًا عن هذه الرؤى البالية، فلن يكون هناك مكان لسوريا أحادية اللون والهوية، ولا لوطن يُدار بذهنية الإقصاء والاستعلاء العرقي، هذا الفكر، الذي يتنفس العنصرية، لم يعد يملك سوى أوهام متحجرة، تنتظر اللحظة التي يسحقها فيها الزمن كما سحق من سبقوها.

أما نحن، فنحن أبناء هذه الأرض، وجزء من تاريخها ومستقبلها، ولن نسمح بأن يكون مصير الكورد في سوريا مرهونًا بأيدي من يصرون على تكرار جرائم البعث تحت عناوين جديدة.

لن نحارب هذا الظلام العنصري بالتعصب أو بالشتائم، بل سنواجه بالعقل، بالمنطق، وبالتاريخ الذي لا يكذب. لن نسمح بأن يُكتب مستقبل سوريا على حساب شعبنا، ولن نقبل بدستور يُخضع الكورد لإرادة من يرى فيهم مجرد “وافدين”، بينما يتناسى أنهم أحد أقدم شعوب المنطقة، وأكثرهم تجذرًا في أرضهم.

الزمن تغيّر، وعقلية البعث انتهت، ومن لم يدرك ذلك بعد، فلينتظر أن يسحقه التاريخ، كما سحق من سبقوه.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

17/3/2025

One Comment on “حين يتقيأ الحقد، العروبة المشوهة في مواجهة الحقيقة الكوردية – د. محمود عباس”

  1. وهنا تحديدا اقترح بان يقول و احزابهم السياسية برفع طلب التحليل البيولوجية لكل سكان سوريا اختبار ال DNA، من اجل:

    – معرفة اصل و فصل و تاريخ كل عائلة من عوائل سوريا، و حتى على مستوى الشخص الواحد ضمن العائلة، ان كان ينتمي اليها ام مجرد دخيل عليها.

    – معرفة من هو مهاجر و دخيل على ارض سوريا ، ومن هو أصيل على هذه اﻻرض، و منذ متى كانت هجرته، ومتى حدثت.

    – التاريخ الجيني لل DNA و للعائلات و تفرعات شجرة الhaplogroups معلومة و معروفة في المجتمع العلمي، و اماكن ظهور تلك التبرعات و العائلات ، ومن ثم هجرتها ال اماكن اخرى .

    فمثلا للتوضيح و الشرح:
    – هناك في تحليل ال DNA يوجد مجموعة مرتبطة بجهة اﻻب بالكروموزوم Y, والتي يتم نقلها حصرا من الجد الى اﻻب الى الولد الى الحفيد وهكذا (اي عن طريق الذكور حصرا، وهي ﻻ تختلط ابدا مع غيرها من الكروموزومات)، و لها تفرعات عديدة على مستوى العالم و تم ترتيبها وفق اﻻبجدية اﻻتينية من (A) الى (R) حتى اليوم و التي تسمى Haplogroup في علم الطب البشري و عليها تعتمد عملية تقبل نقل اﻻعضاء البشرية من عدمها، و ممكن ان نشهد تفرع جديد ﻻن الجنس البشري ما زال يتطور بيولوجياو لم يتوقف يوما ما عن التطور البيولوجي حتى اﻻن. فمثلا هناك haplogroup J .
    و هذا haplogroup J موطنه اﻻصلي هي جبال زاغروس و ظهر الى الوجود منذ قرابة 41,000 سنة ، ومن هناك ابداء ينتشر الى باقي المناطق، و تفرع لهذا Haplogroup فرعين اساسيين هما J1 و J2 قد بداءا في الشكل منذ قرابة 23,000 سنة، في حين ان الجذر اﻻصلي J لم يبقى له وجود، فان الفرع J2 (والذي لدينا اقدم عظمة متوفرة بين ايدي علماء اﻻثار و ترجع الى 13,400 سنة وجدوها في منطقة المثلث الحدودي إيران أرمينيا ازربيجان) ينتشر بشكل اكثر في المنطقة الممتدة من وسط زاغروس الى الشمال فان الفرع J1 (و الذي يرجع اقدم عينة بين ايادي علماء اﻻثار الى 11,000 و تقريبا في نفس المنطقة الحدودية السابقة) ينتشر بشكل اكثر من وسط زاغروس و باتجاه الجنوب، باتجاه خليج عيلام و سومر منذ زمن قبل بدء الحضارات التاريخية نفسها، لذلك ﻻ تستغرب كثيرا او وجدت بان الكثير من الناس في حوض الخليج العيلامي السومري يحملون احدى فروع جينات Haplogroup J, ولكنهم يدعون بأنهم عرب اصلاء، فهم سكان المنطقة قبل اﻻنتشار العربي تحت ظل اﻻسلام.
    وهنا يرتبط اﻻصل البيولوجي مع اﻻصل الجيوغرافي في المنطقة.

    ان ارتباط البيولوجي (وهنا تحديدا مقصدي السلاﻻت البشرية من اجل تتبع حركتها و هجرتها) مع التاريخ الجيوغرافي (كاصل مكان تشكل تلك المادة البيولوجية البشرية)، باعتبار ان تاثير البيئة و المحيط و المناخ على تشكل الجينات و طفراتها و انتشارها، وفق احدث المعطيات العلمية الحديثة. وليس ان الجينات ﻻ تتبدل وﻻ تتغير عبر الزمن كما يعتقد سابقا. اي ان المثل الروماني القديم الذي كان يقول (الانسان ابن بيئته) فيه نوعا ما ما يسانده من الحقيقة العلمية.

    وفمثلا، لدينا Haplogroup G البيولوجي و الذي هو مرتبط تاريخيا مع جغرافية منطقة وسط اسيا الصغرى (اي وسط اﻻناضول) ، ومنها انتشر الى باقي اﻻماكن و المناطق.

    و لدينا Haplogroup I و الذي موطنه اﻻصلي البيولوجي-الجغرافي هو اﻻخر يقع بين السابقين (G و J) ومن تلك المنطقة انتشر الى باقي مناطق العالم، و اليوم مثلا هو موجود بعدد اكبر في فرنسا اكثر من المنطقة اﻻصلية نفسها.

    ان Haplogroup E ، و الذي يرجع البيولوجي -الجيوغرافي و مكان ظهوره و نشأته الى اثيوبيا، والذي له اليوم تفرعات عديدة و كثيرة، ومنها تحديدا الفرع E-m35 هو اﻻصل للعرب الحاليين في الشرق اﻻوسط الذي يرجعون اصولهم الى جذور سامية باﻻستناد الى اصل لغتهم اﻻم ، التي ترجع الى أصول افريقية في منطقة القرن اﻻفريقي.

    و هنا مثلا عندما نجد بان الهجرات الهندوأوربية القادمة من منطقة اواسط اسيا و شمال منطقة قفقاسية ، هي حتما سوف تحمل معها Haplogroup R او احدى تفرعاتها الكثيرة و المتعددة ، اي الحامل اللغوي و البيولوجي ، اثناء قدومهم من تلك المناطق و هجرتهم الى مناطق الشرق اﻻوسط في هجرتهم الثانية قرابة (4,500 الى 3,500) سنة من اﻻن. ﻻن هجرتهم اﻻولى كانت عكسية و كانت من مناطق ميزوبوتاما العليا الى ما وراء جبال قفقاسيا نحو الشمال في قرابة (9,500 الى 8,500) سنة من اﻻن.

    فهذا يحدد و يوضح تحديدا عندما ياتي كوردي و يقول بانه من اصل هندواوربي او تحديدا بانه من اصل (ميدي او ميتاني) بغض النظر عن اﻻصل اللغوي (اي اكتساب لغة و انتشارها من قبل شعب ما) فيجب عليه ان يقدم البرهان و المقارنة البيولوجية على ادعائه ذلك، بان يكون من احدى حاملي فروع Haplogroup R , طبعا لدى الكورد اليوم قرابة 15% ممن يحملون احدى فروع haplogroup R و ذلك يثبت اصولهم اﻻرية (احدى فروع الهندواوربية) ولكن البقية العظمى من الكورد اليوم ﻻ تحمل ذلك الجين.
    اما عندما نتحدث عن الانتشار اللغوي و سيطرته على شعب ما فاننا نتحدث عن شيئ ما يسمى (اكتساب) وليس له علاقة باﻻصل البيولوجي و الجغرافي، مثلها مثل اي إيديولوجية اخرى، دينية او سياسية او مذهبية او طائفية و التي يمكن لحاملهاان يستبدلها و غيرها واحدة بمكان اﻻخرى من دون ان تؤثر على كيانه و تركيبته البيولوجية ابدا.

    وهنا ايضا عندما ياتي شخص ما و يحمل احدى فروع Haplogroup J (J1, J2) و يتهرطق و يدعي بانه من أصول عربية اصيلة و من سلالة اﻻقحاح ، فاعلم وقتها اما انه يكذب (و هذه مصيبة) او انه فاقد اصله و نسبه اﻻصيلي ليذهب الى اداء نسب غير نسله والساق نفسه به (و هنا الكارثة و المصيبة العظمى)، ببساطة لان تاريخه البيولوجي و العلمي يقول شيئ اخر تماما و يدحض قوله و ادعائه ذلك.
    و يضع الشخص في موقف ﻻ يحسد عليه، فإما كلام العلم و البيولوجية والتاريخية البيولوجي للجينات، واما كلام ابوه و جده و عشيرته اﻻتية عن طريق العنعنات و القيل و القال عن فلان و عن علان الى اخره من الضرطات.

    عليه أدعو و اقترح على اﻻحزاب الكوردية العمل على اجراء بحث و دراسة جيني عن طريق اي مخبر اليوم يقوم بدراسة العائلات عن طريق DNA و توجد اليوم حول العالم الكثير من الشركات الخاصة التي تقوم بذلك في اطار البحث العلمي البحت، ومنها التجاري. وايضا من اجل تحديد عدد الكورد في الجغرافية السورية بالشخص و بالقلم و بالعديد.
    ﻻنه بعد احداث انتفاضة الكورد سنة 2004 ضد الديكتاتور بشار اﻻسد، و الذي يومها طالب حكومته باعداد تقرير عن عدد الكورد بأكملهم وفق النفوس و السجل المدني (سواءا من الذين يتحدثون الكوردية او الذين يعرفون اصولهم الكوردية وﻻ يتحدثونها اومن الذين قد تم صهرهم في بوتقة العروبة)، فكان التقرير قد اقر بان 37% من الشعوب السورية هم من أصول كوردية … !!!!

    و عليه بها متأكداً و بشكل اكثر ، لو انه تم اعداد و تقديم بحث علمي ووفق علم الجينات الحديث، فان الرقم سوف يكون اعلى من نسبة 37% بكثير. وذلك ببساطة ﻻن النفوس و السجل المدني قد بدا في أواخر الدولة العثمانية بشكل بدائية و غير واضح، ومن ثم بشكل احترافي اكثر اثناء الوجود الفرنسي في سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *