الفساد بين الجريمة والقبول الاجتماعي!- عبدالله جعفر كوفلي/ باحث اكاديمي

 

 

الفساد آفة مدمرة تصيب المجتمعات البشرية بنسب متفاوتة، بحيث كلما زادت نسبة الإصابة بها كلما كانت تأثيره أكبر والمجتمع يقترب من نهايته ويهيئ للاندثار والانحلال ويطرق المسامير النهائية في نعشه.

الفساد في أبسط تعريف له على الرغم من كثرة الاتجاهات والرؤى التي تسلط الضوء عليه، هو إساءة استخدام الوظيفة العامة من أجل مكاسب ذاتية بمعنى آخر هو استغلال المنافع والخدمات العامة على اختلاف أنواعها وصورها لصالح المنفعة الشخصية الخاصة والتمتع بها على حساب المواطنين.

الفساد يمثّل نقطة تحول كبيرة في تاريخ الدول باتجاه بناء نظام قائم على أسس من الظلم والاستغلال وعدم المساواة ومحاربة المخلصين من المواطنين الذين يعملون بوفاء ونزاهة وضرب كل ما يطرحونه من افكار إيجابية عرض الحائط والإساءة الى سمعتهم واتهامهم بالتقصير والإهمال وعدم الالتزام والكفاءة.

الفساد جريمة بكل معنى الكلمة وفق الدساتير والقوانين والمواثيق الدولية وتشكيل الدول مؤسسات مستقلة لمحاربتها وتخصص ميزانية خاصة لذلك لعلمها بمدى تأثيرها على الشعب وتحاربها وتعقّد مؤتمرات من أجّل مكافحتها وطرح الحلول المناسبة له، ولكنه يبقى موجوداً.

الفساد يستغل البيئة الأمنية الرخوة لتنعش فيها، البيئة التي تفتقر الى قوة القانون والنزاهة والشفافية وصرامة الأجهزة الأمنية وحياديتها السياسية لأنها تنخر في كل جسد الدولة، وإنها لطامة كبرى عندما يصيب الفساد الأجهزة الحكومية المعنية بمكافحته عندها تبدأ الصفقات الخيالية في الغرف المظلمة وتسعير المشاريع والمعاملات وشراء المناصب الإدارية والمالية وعلى من له معاملة في جهة حكومية ان يفكر قبل كل شئ كم سيدفع ولمن يدفع وبأية طريقة يدفع وأي سمسار ودلال قادر على الإنجاز بأسرع وقت وأرخص ثمن كأنها تعاقد على فعل مشروع وقانوني وإلا ستتراكم على الملف التراب والغبار فوق الرفوف إذا لم تكن مصيرها الحرق أو الإتلاف بواسطة جهاز الاتلاف الموجود في أغلب الغرف.

الفاسد هو اللصّ والمختلس والمتطفل الذي يعيش على قوت الناس وموارد الدولة ليبني القصور ويسوق السيارات الرباعية الدفع ذات الأسعار الخيالية ولا يلبس إلا من الماركات العالمية المسجلة المشهورة ويسافر الى الاماكن التي كان يحلم بها قبل فساده.

طرق مكافحة الفساد كثيرة والإجراءات القانونية واحدةً منها، وإنّ الأسلوب الأكثر فعالية لمواجهته هو نبذ الفاسد واحتقاره والنظر إليه نظرة دونية من قبل أفراد المجتمع ووضعه في خانة الخونة والتآمر واستئصاله من القيم والأخلاق الحسنة وحب الوطن.

المصيبة الكبرى عندما يكون المجتمع داعماً للمفسدين ومشجعاً لهم واعتبارهم رموز وطنية وأبطال في الساحة وأنهم جمعوا ثروتهم بكفاءتهم وقدراتهم وأفكارهم الإبداعية ويخصصون لهم أماكن في رأس المجالس ويصدقوهم في أقوالهم وأفعالهم ويشاركونهم في كل المناسبات على أنهم أصحاب الآراء السديدة والكلمات الطيبة والصادقة ولا يمكن الاستغناء عنهم ويجب أن يكونوا في المقدمة والا لا يكون للمناسبة طعم ولا قيمة، وإن تعرضوا لحدث ما لا سامح الله ( حفظهم الله وقدس سرهم ) وطوابير من مؤيديهم وانصارهم ومشجعيهم تبدأ بالتحرك لمباركته والشد على يديه او لتقديم العزاء والدعاء له بالحفظ وطول العمر أو الشكر لله على إعادته سالماً بعد غياب طويل وتبدأ ماكنات التملق والنفاق بالعمل بحيث يشعر الفاسد بالإعجاب بنفسه وانه القادر على تحقيق المستحيل ويتفاخر ويتكابر عليهم كأنه المنقذ والمخلص الذي اصطفاه الله تعالى من بين الخلائق، مع علمهم المسبق بإن الفاسد تافه ولا وزن له.

هذا النوع من المجتمعات مريضة وعلى فراش الموت تحسب وتعد أيامها وأنفاسها حتى تأتيها الموت في غفلة من امرها.

المجتمعات الحية هي التي تقف بوجه كل فاسد وتحد من خطواته وتشارك في ضربه بقوة حتى يفيق من نومه وأحلامه ويعيده الى جادة الصواب او التخلص منه وتنظر الى الفساد بأنها ظاهرة خطيرة جداً تمس كيان المجتمع وحياة الإنسان ولا تسمح بها وتقف بالضد منها ومستعد لاخبار السلطات بادنى شك عنه وتنظر إلى الفاسد بأنه شخص طالح متآمر ومتطفل لا مكان له عندهم بل لا يستحقون السلام والمخالطة معهم وان هذا الفعل السيئ يبقى عاراً عليهم ونقشاً في جبينهم وخيانة لا تنسى.

تلعب المجتمعات دوراً هاماً جداً في مكافحة الفساد او تفشيه طبقاً لنظرتها إلى هذه الظاهرة القديمة المتجددة باساليبها وطرقها المختلفة.

السؤال الذي يمكننا طرحه أين نقف من هذه الظاهرة السيئة؟

٢٠٢٥/٣/٢٢

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *