مصير قوات سوريا الديمقراطية والقضية الكوردية في سوريا – تحليل سياسي للموقع

الوضع الميداني:

قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يشكل المقاتلون الأكراد العمود الفقري لها، تُعتبر واحدة من أبرز القوى العسكرية في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية. نجحت قسد في السيطرة على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، بما في ذلك مناطق غنية بالنفط مثل الرقة والحسكة ومنبج. ومع ذلك، فإن الوضع الميداني لقسد اليوم يبدو هشاً ومليئاً بالتحديات، حيث تواجه ضغوطاً متزايدة من عدة جهات:

      1. التهديد التركي المستمر: تركيا تعتبر قسد “ذراعاً إرهابية” لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تخوض معه أنقرة صراعاً طويلاً داخل حدودها. منذ عام 2016، شنت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد قسد في شمال سوريا، مثل عملية “درع الفرات” (2016) و”نبع السلام” (2019). هذه العمليات أدت إلى فقدان قسد السيطرة على مناطق استراتيجية مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض. التواجد العسكري التركي في شمال سوريا يمثل تهديداً دائماً لقسد، خاصة مع تصاعد الخطاب القومي التركي ضد الكورد
      2. التقارب بين دمشق وقوات النظام: بعد انهيار الدولة السورية تحت حكم بشار الأسد، بدأت قسد في السعي للتواصل مع الحكومة السورية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية. ومع ذلك، هذا التقارب ليس سهلاً، حيث ترى دمشق أن الكورد يجب أن يكونوا جزءاً من الدولة المركزية دون أي استقلالية إدارية أو سياسية. كما أن النظام السوري الحالي بقيادة الجولاني (إذا افترضنا استمراره) قد لا يكون أكثر تسامحاً مع القضية الكردية مقارنة بالنظام السابق.
      3. المكونات المحلية الأخرى: في المناطق التي تسيطر عليها قسد، هناك تنوع ديموغرافي كبير يشمل العرب، التركمان، والإيزيديين، بالإضافة إلى الكورد. هذا التنوع يجعل إدارة المنطقة معقدة، خاصة مع وجود توترات بين المكونات المختلفة.  هذا الانقسام الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي لقسد إذا لم تتمكن من تحقيق توازن بين المصالح المختلفة.

الصراعات الإقليمية والدولية:

      1. التدخل التركي: تركيا تعتبر الكورد في سوريا تهديداً لأمنها القومي بسبب الروابط التاريخية بينهم وبين الكورد في تركيا. لذلك، ستستمر أنقرة في محاولاتها للقضاء على النفوذ الكردي في سوريا، سواء عبر العمليات العسكرية المباشرة أو عبر دعم الفصائل المسلحة الموالية لها. التدخل التركي يقيد حرية حركة قسد ويهدد وجودها في المناطق الحدودية.
      2. الموقف الإسرائيلي: إسرائيل تنظر إلى الكورد كحليف استراتيجي في المنطقة، خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني. وقد دعمت إسرائيل قسد بشكل غير مباشر من خلال تقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فإن دعم إسرائيل للكورد يثير غضب الدول الإقليمية الأخرى، مما يجعل قسد في موقف حرج بين اللاعبين الإقليميين.
      3. النفوذ الإيراني: إيران، التي تعتبر نفسها جزءاً من “محور المقاومة”، ترى في قسد عدواً محتملاً بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة. إذا استمر النظام الحالي في سوريا بقيادة الجولاني، فإن إيران قد تسعى إلى تعزيز نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها قسد، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

الموقف الأمريكي وسياسات ترامب:

      1. الدعم الأمريكي لقسد: الولايات المتحدة كانت الداعم الرئيسي لقسد في حربها ضد تنظيم “داعش”. وقد وفرت واشنطن الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي لقسد، مما ساعدها في تحقيق انتصارات كبيرة. ومع ذلك، الموقف الأمريكي تجاه قسد كان دائماً متذبذباً، خاصة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب.
      2. سياسات ترامب المتذبذبة: ترامب اشتهر بمواقفه المتقلبة تجاه سوريا والكورد على سبيل المثال:
        • في عام 2019، أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، مما فتح المجال أمام تركيا لشن عملية “نبع السلام” ضد قسد.
        • ومع ذلك، عاد ترامب وأعاد بعض القوات الأمريكية إلى سوريا لحماية حقول النفط في الشرق.
        • هذا التذبذب في السياسات أضعف الثقة بين قسد والولايات المتحدة، حيث شعر الكورد بأنهم قد خذلوا من قبل حلفائهم.
      3. توقعات المستقبل: من المتوقع أن يستمر في سياساته المتذبذبة تجاه سوريا والكورد. قد يواصل دعم قسد في مجال مكافحة الإرهاب، لكنه قد يتخلى عنها في حال ظهرت له صفقة سياسية مع تركيا أو روسيا. هذا يعني أن قسد ستبقى تعتمد على الدعم الأمريكي بشكل مشروط وغير مستدام.

مستقبل القضية الكردية في سوريا:

    1. احتمال التسوية السياسية: القضية الكردية في سوريا تحتاج إلى حل سياسي شامل ضمن إطار دستوري جديد. الكورد يسعون إلى تحقيق نوع من الحكم الذاتي أو الفدرالية في المناطق التي يعيشون فيها. ومع ذلك، هذا الهدف يواجه معارضة شديدة من النظام السوري وتركيا.
    2. التحديات الداخلية: حتى لو تمكن الكورد من تحقيق تسوية سياسية، فإنهم سيواجهون تحديات داخلية كبيرة، مثل توحيد الصفوف بين الأحزاب الكردية المختلفة ، وكذلك التعامل مع المكونات الأخرى في المنطقة.

تحليل السيناريوهات الثلاثة في ظل عصر ترامب الجديد

1. السيناريو الأول: استمرار الدعم الدولي لقسد

  • إمكانية حدوثه: منخفضة
  • السبب: ترامب أظهر في ولايته الأولى أنه ليس ملتزماً بشكل دائم بدعم الحلفاء إذا لم يكن ذلك يخدم المصالح المباشرة للولايات المتحدة. انسحابه المفاجئ من شمال شرق سوريا في عام 2019 لإفساح المجال أمام تركيا يعكس عدم التزامه الثابت تجاه قسد. بينما قد يستمر الدعم الأمريكي لقسد في مجال مكافحة الإرهاب (خاصة ضد تنظيم “داعش”)، هذا الدعم سيكون مشروطاً وغير مستدام.
  • التحديات:
    • ترامب قد يفضل صفقة سياسية مع تركيا أو روسيا على حساب قسد إذا كانت تخدم مصالحه السياسية أو الاقتصادية.
    • الضغوط التركية المستمرة قد تدفع ترامب إلى التضحية بالكرد كما فعل سابقاً.

2. السيناريو الثاني: انهيار قسد بسبب الانسحاب الأمريكي والتضييق التركي

  • إمكانية حدوثه: مرتفعة
  • السبب: ترامب معروف بنهجه البراغماتي والتركيز على “أمريكا أولاً”. إذا رأى أن وجود القوات الأمريكية في سوريا لا يخدم المصالح الأمريكية المباشرة، فقد يقرر الانسحاب الكامل، مما يترك قسد وحدها في مواجهة التهديدات التركية والنظام السوري.
    • تركيا ستستغل أي فراغ أمريكي للتوسع في شمال سوريا، مما يعرض قسد لخطر كبير.
    • النظام السوري، سواء بقيادة الجولاني أو أي قوة أخرى، قد يستعيد السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها قسد حالياً.
  • التحديات:
    • إذا انسحب ترامب تماماً، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.
    • انهيار قسد سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا، مما قد يفتح الباب أمام عودة تنظيم “داعش”.

3. السيناريو الثالث: تحقيق تسوية سياسية ضمن سوريا الموحدة

  • إمكانية حدوثه: متوسطة إلى منخفضة
  • السبب: ترامب ليس معروفاً ببناء حلول سياسية طويلة الأمد في الشرق الأوسط. ومع ذلك، إذا رأى فرصة لتحقيق “صفقة كبرى” (Big Deal) تشمل سوريا، فإنه قد يسعى إلى تسوية سياسية تجمع بين الأطراف المختلفة، بما في ذلك قسد والنظام السوري وتركيا.
    • هذه التسوية قد تتضمن نوعاً من الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا، لكنها ستكون مقيدة بشروط صارمة ترضي تركيا والنظام السوري.
  • التحديات:
    • تركيا لن تقبل بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي للأكراد ما لم يتم تفكيك قسد بالكامل.
    • النظام السوري الحالي (سواء بقيادة الجولاني أو غيره) قد يرفض أي تسوية تعطي الأكراد حقوقاً خاصة.
    • الأكراد أنفسهم قد يرفضون أي تسوية لا تضمن لهم حقوقهم الكاملة.

السيناريو الأكثر واقعية:

في ظل عصر ترامب الجديد، يبدو أن السيناريو الثاني (انهيار قسد بسبب الانسحاب الأمريكي والتضييق التركي) هو الأكثر واقعية للأسباب التالية:

  1. السياسة البراغماتية لترامب: ترامب يميل إلى اتخاذ قرارات سريعة وغير متوقعة إذا رأى أنها تخدم مصالحه السياسية أو الاقتصادية. إذا قرر أن وجود القوات الأمريكية في سوريا غير ضروري، فقد ينسحب دون النظر إلى العواقب.
  2. الضغط التركي: تركيا تعتبر قسد تهديداً لأمنها القومي ولن تتردد في التصعيد العسكري إذا شعرت بأنها لديها الضوء الأخضر من واشنطن.
  3. ضعف التزام ترامب تجاه الحلفاء: تاريخ ترامب مع الكورد يظهر أنه لا يتردد في التخلي عن حلفائه إذا كانت هناك صفقة أفضل على الطاولة.
  4. التخلي عن ملف سوريا: ترامب قد يركز أكثر على القضايا الداخلية مثل الاقتصاد والانتخابات المقبلة بدلاً من الانغماس في تعقيدات السياسة السورية.

التداعيات المحتملة:

إذا تحقق السيناريو الثاني، فإن التداعيات ستكون خطيرة:

  • عودة تنظيم “داعش”: انهيار قسد قد يؤدي إلى فراغ أمني يستغله التنظيم لاستعادة نفوذه.
  • تصاعد النفوذ التركي: تركيا قد تسيطر على مزيد من الأراضي السورية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
  • معاناة المدنيين: السكان المحليون، بمن فيهم الأكراد، سيواجهون موجة جديدة من النزوح والعنف.

الخلاصة:

في ظل عصر ترامب الجديد، يبدو أن السيناريو الثاني (انهيار قسد بسبب الانسحاب الأمريكي والتضييق التركي) هو الأكثر واقعية. مع ذلك، يجب مراقبة الخطوات القادمة من إدارة ترامب، حيث أن أي قرار مفاجئ قد يغير الديناميكيات بسرعة. الأكراد بحاجة إلى تنويع خياراتهم وإيجاد تحالفات جديدة لتجنب الوقوع في نفس المصيدة السابقة.

One Comment on “مصير قوات سوريا الديمقراطية والقضية الكوردية في سوريا – تحليل سياسي للموقع”

  1. وهنا يخرج الى السطح و يدور اعادة تشكيل تحالف جديد تحالف (كوردي اسرائيلي) بقيادة اسرائيل على مستوى المنطقة ، صريح العبارة و بدون لا و ﻻ دوران و ﻻ خجل و تقية اسلامية ، فالمسالة هي مسألة وجود او عدم وجود بالنسبة الى الكوردي.
    و ان عامل استمرار الوقت و المطاولة هي تصب في صالح حكومة الجوﻻني مع الوقت، وتعطيه المزيد من ساعات الزمن ليقوم هو بعقد الصفقات مع اﻻطراف الخارجية على حساب اﻻطراف الداخلية، كما يفعل اليوم في عقودهم التي يريد أفلامنا مع تركيا.

    فلماذا يحق للجوﻻني ان يعقد تحت اسم سلطة امر واقع اتفاقيات مع دول اقليمية، و ﻻ يحق للإدارة الذاتية تحت اسم سلطة امر واقع ان يوقع اتفاقيات مع دول إقليمية .. ؟!
    كلا السلطتين لم ينتخبهما الشعب (سلطة امر الواقع) و بالتالي كلا السلطتين لهما نفس الصلاحيات في مجال إبرام الاتفاقيات و الصفقات و المعاهدات. نفس الحقوق لنفس النمط من السلطات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *