في خطوة تؤكد التداخل بين النفوذ التركي والسياسات الدينية لنظام أبو محمد الجولاني في سوريا، تم الإعلان عن تعيين الشيخ أحمد بدر الدين الرفاعي مفتياً عاماً لسوريا تحت حكم الجماعة الإسلامية السنية. هذا التعيين يأتي بعد أن كان الرفاعي قد عُين من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيساً للمجلس الإسلامي السوري في إسطنبول، وهو دور سمح له بلعب دور محوري في دعم المعارضة السورية وتعزيز الروايات الدينية التي تتلاقى مع الأجندة السياسية لأنقرة.
من هو الشيخ أحمد بدر الدين الرفاعي؟
الشيخ الرفاعي، الذي غادر سوريا إلى تركيا في يونيو 2012، أصبح شخصية بارزة في المشهد الإسلامي السوري منذ استقراره في إسطنبول. هناك، عمل على إعادة تشكيل “رابطة علماء بلاد الشام”، وهي جماعة تاريخية تأسست عام 1937 وظلت تعمل بشكل سري حتى عام 2011. ومن خلال هذا الكيان، نجح الرفاعي في بناء شبكة واسعة من العلماء الإسلاميين الذين يمثلون مختلف الاتجاهات داخل الإسلام السني، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الصوفية.
في عام 2014، عينته الحكومة التركية رئيساً للمجلس الإسلامي السوري، وهو كيان تم إنشاؤه بدعم تركي بهدف توحيد الزعماء الدينيين السوريين تحت مظلة واحدة لدعم المعارضة ضد نظام بشار الأسد. ومنذ ذلك الحين، أصبح الرفاعي أحد الأصوات الرئيسية التي تروج لخطاب ديني يتماشى مع السياسات التركية، سواء في الداخل التركي أو في المناطق السورية الخاضعة للنفوذ التركي.
دور الرفاعي في شمال سوريا والمناطق الخاضعة للسيطرة التركية
على مدى السنوات الماضية، لعب الشيخ الرفاعي دوراً مهماً في تعزيز الروايات الدينية التي تخدم المصالح التركية في سوريا. إلى جانب شبكاته المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الصوفية، عمل الرفاعي على نشر رؤية دينية تركز على الوحدة الإسلامية، مع التركيز على معارضة النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد. ومع سيطرة القوات المسلحة التركية على مناطق واسعة في شمال سوريا، أصبح الرفاعي أحد الشخصيات الدينية المؤثرة في هذه المناطق، حيث ساهم في توجيه الخطاب الديني بما يتماشى مع السياسات التركية.
تعيين الرفاعي مفتياً عاماً: رسالة سياسية أم استراتيجية أيديولوجية؟
قرار تعيين الشيخ الرفاعي مفتياً عاماً لسوريا تحت حكم الجولاني يحمل دلالات سياسية وأيديولوجية متعددة:
1. تعزيز العلاقات مع تركيا
- التعيين يمكن أن يُنظر إليه كجزء من محاولة الجولاني لكسب الدعم السياسي والديني من تركيا. الشيخ الرفاعي، بوصفه شخصية مقربة من أنقرة، يمثل جسراً بين الجولاني والنظام التركي، مما قد يساعد في تحسين العلاقات بين الجانبين.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التعيين يعكس اعترافاً ضمنياً بالدور المحوري الذي تلعبه تركيا في دعم الجماعات الإسلامية السنية في سوريا.
2. توحيد الخطاب الديني
- الرفاعي، بصفته شخصية دينية بارزة، لديه القدرة على توحيد مختلف الفصائل الإسلامية تحت مظلة واحدة. هذا التوحيد قد يكون ضرورياً لنظام الجولاني، الذي يسعى إلى تعزيز شرعيته الدينية وسط تنوع الفصائل والمكونات في سوريا.
- من خلال تعيين الرفاعي، يحاول الجولاني تقديم نفسه كزعيم إسلامي قادر على تمثيل جميع المسلمين السنة في البلاد، رغم أنه يواجه تحديات كبيرة بسبب استبعاده للأكراد والمكونات الأخرى.
- الرفاعي معروف بترويجه لرؤية دينية تتماشى مع الأجندة التركية، والتي تركز على الوحدة الإسلامية ومكافحة “الطائفية”. هذا الخطاب ينسجم مع أيديولوجية الجولاني، الذي يسعى إلى تقديم نفسه كبديل “إسلامي معتدل” لنظام الأسد السابق.
- ومع ذلك، فإن هذا الخطاب قد يثير قلق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، خاصة إذا استمر الجولاني في سياساته الإقصائية.
ردود الفعل المتوقعة
1. ردود فعل الكورد والمكونات الأخرى
- الكورد وغيرهم من المكونات السورية غير السنية سيرون في هذا التعيين دليلاً إضافياً على نهج الجولاني الإقصائي. الرفاعي، بوصفه شخصية تمثل الإسلام السني التقليدي الاخواني، لا يحظى بقبول واسع بين الأقليات، مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع هذه المكونات.
2. موقف المجتمع الدولي
- الدول الغربية قد ترى في تعيين الرفاعي محاولة لتعزيز أيديولوجية دينية متطرفة، خاصة إذا استمرت الحكومة الجديدة في نشر خطاب معادٍ للسامية أو معادٍ للغرب.
- من جهة أخرى، ترحب تركيا بهذا التعيين، حيث يعزز نفوذها الديني والسياسي في سوريا.
3. التداعيات على الاستقرار الداخلي
- تعيين الرفاعي قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الفصائل الإسلامية الأخرى التي قد ترى في هذا القرار تجاوزاً لمصالحها أو تهديداً لنفوذها.
- كما أن هذا التعيين قد يزيد من خطر نشوب صراعات جديدة في المناطق التي يقطنها مكونات غير سنية عربية، خاصة إذا تم فرض الخطاب الديني السني السلفي المتطرف عليها.
تعيين الشيخ أحمد بدر الدين الرفاعي مفتياً عاماً لسوريا تحت حكم الجولاني يعكس استراتيجية واضحة لتعزيز النفوذ الديني والسياسي لنظام الجماعة الإسلامية السنية. هذا القرار ليس فقط محاولة لتوحيد الخطاب الديني، ولكنه أيضاً رسالة سياسية إلى تركيا والمجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن هذا التعيين قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الأقليات والمكونات الأخرى، مما يجعل مستقبل سوريا أكثر تعقيداً واستقطاباً.