كلمة الموقع:
في مشهد يشبه مسرحيات الكوميديا السوداء، شهد قصر الشعب في دمشق يوم السبت (29 آذار 2025) “لحظة حاسمة” في تاريخ سوريا، كما وصفها الجولاني. الحدث؟ الإعلان عن حكومة انتقالية جديدة تضم 22 وزيراً، تحمل على عاتقها “تطلعات الشعب السوري” وآماله في “مستقبل مشرق ومستدام”. بالطبع، لم يكن هذا الوصف ليكتمل دون إضافة عبارات رنانة مثل “التغيير”، “البناء”، و”الإرادة المشتركة”. لكن، هل يمكن أن نصدق هذه الكلمات الجميلة بينما الواقع السوري يبدو وكأنه سيناريو لفيلم كابوس لا ينتهي؟
“حكومة الجميع”… ما عدا الكورد و العلويين و الدروز و المسيحيين و الايزديين و الاسماعليين
الرئيس الجولاني تعهد بإصلاحات جذرية، بدءاً من التعليم وصولاً إلى الطاقة والزراعة. لكن، يبدو أن هناك فئة قد نسيت دعوتها إلى طاولة الحوار: الكورد. نشأت ظاظا، القيادي في المجلس الوطني الكوردي، أكد أن الحكومة الجديدة جاءت “دون أي مشاورات مع الكرد”، وهي المرة الثالثة التي يتم فيها تجاهلهم بعد تشكيل حكومة تصريف الأعمال وإعلان الدستور المؤقت. ربما كان يجب على الجولاني أن يغير شعار حكومته إلى “حكومة البعض”، أو ربما “حكومة الذين اختيروا بعناية”.
ولكن، لماذا نتوقف عند الكورد فقط؟ التقارير الدولية تحذر من عمليات إبادة جماعية تستهدف العلويين، الدروز، المسيحيين، وكل من لا يتناسب مع رؤية “قوى السيطرة على الأرض”. إذا كانت هذه هي “الإرادة المشتركة” التي يتحدث عنها الشرع، فمن الواضح أن هذه الإرادة ليست سوى إرادة من يحمل السلاح.
“دولة إسلامية”… ولكن بأي ثمن؟
الجمعية الدولية لحقوق الإنسان رسمت صورة قاتمة للوضع في سوريا، حيث تسعى السلطات المدعومة من هيئة تحرير الشام إلى إقامة دولة إسلامية تعتمد الشريعة كأساس للحكم. هذا النهج ليس فقط يعزز مناخ القمع والتطرف، بل يزيد من تعقيد الأزمة السورية التي تمر بحالة من الفوضى العارمة وتدهور اقتصادي متسارع.
وفيما يواصل الجولاني الحديث عن “استقرار العلاقات الخارجية”، يبدو أن الداخل السوري يغرق أكثر فأكثر في بحر من الدماء. الهجمات الأخيرة أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، بينما تتزايد عمليات القتل الممنهج ضد الأقليات والمعارضين. وإذا كانت هذه هي “التطلعات” التي تحملها الحكومة الجديدة، فإن الشعب السوري قد يكون أمام مستقبل أكثر قتامة مما كان عليه في السابق.
“كلمات جميلة… وأفعال مؤلمة”
الشرعي، الذي وصف الحكومة الجديدة بأنها “حكومة التغيير والبناء”، يبدو أنه يعيش في عالم آخر. كيف يمكن الحديث عن التنمية الزراعية وإصلاح السياسة الضريبية بينما البلاد تشهد تصاعداً خطيراً في وتيرة العنف؟ وكيف يمكن التعهد بحماية حقوق الإنسان بينما تستمر عمليات تصفية المعارضين وغياب الحلول السياسية؟
ربما كان الأجدر بالجولاني أن يبدأ كلمته بجملة أكثر واقعية: “أيها الشعب السوري، نحن هنا لنعيدكم إلى المربع الأول، ولكن هذه المرة مع خطب أطول وعدة وعود جديدة لن نحققها”.
ختاماً: بين السخرية والأمل
في خضم هذه الفوضى، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الحكومة بداية لتغيير حقيقي، أم مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الوعود الكاذبة؟ إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن الشعب السوري سيحتاج إلى أكثر من كلمات رنانة لتحقيق “مستقبل مشرق ومستدام”. ربما يحتاجون إلى معجزة!