ليست الكارثة في أن يُعاد إنتاج رجالات النظام البائد بأسمائهم ورتبهم العسكرية، بل في أن يعودوا بعد كل هذا الركام، ويتحدثوا بلغة الثورة، بينما في قلوبهم لا زال ينبض قلب البعث، وفي ألسنتهم تفوح رائحة الحقد الطبقي والقومي والطائفي.
أسعد الزعبي، هذا “العميد” الذي لم يترقَّ يومًا في الأخلاق كما ترقّى في المناصب، لم يكن يومًا ثوريًا، ولا حتى معارضًا، بل مجرد صدًى لخطابٍ استبدادي أعاد تدويره ليبثه من جديد، وهذه المرة من على منابر يفترض بها أن تكون منارات للكرامة لا منصات للكراهية.
هو أحد أيتام البعث، بل أحد أذرعه التي لم تُبتر بعد، رجلٌ تشكّل وعيه في غرف الاستخبارات، وتربّى في مدرسة القومية العنصرية التي ترى في الكوردي مجرد “طارئ”، وفي غير العربي “عدوًا”.
ولولا دماء الكورد التي سالت في دير الزور وكوباني والحسكة، لما تجرأ هذا “الأمعة” على فتح فمه، ولما تردد صوته على أي منبر.
لكنها لعنة الثورة السورية…
فبقدر ما يطمح الشعب الكوردي إلى بناء وطنٍ مشترك، وأخوّة صادقة مع من عبثوا يومًا بمقدراته،
يُقابَل مرارًا بالحقد، لا بالشراكة، وبالكراهية، لا بالتفاهم.
فكلما مدّ الكوردي يده نحو السلام والمصالحة، لا يُجابَه بالفكرة أو بالحوار، بل بالسيف، وبالخطاب القذر.
للأسف، الثورة السورية، التي كان يُفترض أن تكون بوابة للتحرر والكرامة،
فُتحت أيضًا للحثالة المتسلقة،
أولئك الذين كانوا بالأمس يُمجّدون بشار الأسد، ويسجدون على أعتاب الأجهزة،
واليوم يتقمّصون دور الوطنيين، ويتحدثون عن “الحرية”،
وهم في كل لحظةٍ يغتالون معناها…
بلغة الكراهية،
ومنابر الحقد،
وسيوف التاريخ المزيف.
رغم أن أسعد الزعبي ليس رجل دولة، ولا وطني، ولا حتى صاحب موقف.
إلا أن الفرصة كانت أمامه ليكون شيئًا آخر،
كان بإمكانه – إن شاء – أن يكون وطنيًا، صادقًا، وإنسانًا نزيهًا.
بل وربما كان يستطيع أن يكون صديقًا حقيقيًا للشعب الكوردي، ولسائر المكوّنات السورية غير العروبية،
أن يكون صوت العقل في لحظة الجنون،
ويد التفاهم في زمن التشظي،
وأن يرتقي إلى مقام الرجل الذي يُصادق، لا من يجلد،
لكنّه أبى.
أبى إلا أن يكون الصوت المدمر،
صوت الكراهية المزمنة،
والعداء المجاني الذي لا يستند إلى تاريخ ولا إلى أخلاق.
أبى إلا أن يختار موقعه في الصف الأول من جوقة الخراب،
ينفخ في نيران الفرقة، ويقضم ما تبقّى من العلاقات الإنسانية بين أبناء الوطن الواحد.
فكم هو مؤلم أن تكون أمامك فرصة أن تكون إنسانًا…
ثم تختار أن تكون أداة.
هو رجل يعاني من وباء الكراهية، وحقد دفين على كل ما لا يشبهه، وعلى رأسهم الشعب الكوردي.
الشعب الذي صمد، وقاتل، وواجه داعش، لم يفعل ذلك ليطلب معروفًا من أمثال أسعد الزعبي، بل ليحمي الأرض التي وُلد عليها، قبل أن تولد “سوريا” نفسها ككيان مُفبرك على طاولة سايكس–بيكو.
أسعد الزعبي لا يعرف من الجغرافيا سوى الخرائط التي رسمها المستعمر، ولا من التاريخ إلا ما دوّنه العسكر بأوامر السلطة.
يتناسى أن الشعب الكوردي، يسكن أرضه التاريخية، أرض الآلهة والأنبياء، والجبال التي لم تركع يومًا لغازٍ أو سلطة.
ومهما طال زمن التعريب، والتهجير القسري، والاستيلاء المنهجي على الممتلكات، ومهما تم العبث بالديموغرافيا، فالمعادلة لن تتغيّر.
الكوردي الذي يأتي من أي بقعة في العالم إلى غربي كوردستان، لا يدخلها كغريب، بل كابنٍ عائد إلى حضن الجغرافيا التي أنجبته.
وكما يحق للسوري أن يتحرك في كل بقاع سوريا، وللعراقي في كل أنحاء العراق،
فمن حق الكوردي أن يتحرك في كوردستان، كلها، لأنها وطنه الممزّق بالخناجر، لا بالخريطة.
فالحدود مصطنعة، وستزول… شاء الزعبي أم أبى.
ستُمحى ذات يوم، رغمًا عنه، ورغمًا عن كل من يحمله الحقد على ظهره كهوية.
أسعد الزعبي وأمثاله، لا يرون الكورد إلا كخطر، لأن الكورد لا يقبلون أن يكونوا توابع، ولا عبيدًا لمركز السلطة.
والأدهى من ذلك، أن هذا الرجل، الذي يتقيّأ الكراهية باسم “الوحدة”،
يُصدَّر من منابر تُنسب إلى المملكة العربية السعودية،
الموطن الأصيل للعروبة الحقيقية، لا للعنصرية الملفقة.
من المؤسف أن يُترك منبر من منابر الخليج العربي – الذي من المفترض أن يكون رافدًا للاستقرار – لِـ أمثال هذا المتعفّن، الذي يحمل بين أضلعه قلبًا ميتًا لا ينبض بشيء إلا الخوف من التعدد والحرية.
لذا، نطلب من قيادة المملكة العربية السعودية الحكيمة، التي طالما عُرفت بحرصها على شرف الكلمة ونظافة المنبر، أن تُنهي مهزلة هذا الرجل المدعو أسعد الزعبي، وتطرده من أي منبر يُنسب إلى أرضها، لأنه لا يعبّر عنها، ولا عن عمقها العربي الأصيل، ولا عن أخلاقها السياسية.
إن بقاء هذا الصوت النشاز، المتخم بالكراهية والتحريض، على منابر تُبث من داخل المملكة أو تحت ظلها، هو إساءة مباشرة لسمعتها، وتلويث لمكانتها، لا في سوريا وحدها، بل في نظر الأحرار في كل المنطقة.
أسعد الزعبي وباءٌ لغوي وأخلاقي، لا يهدد فقط مستقبل سوريا بوصفه أداة من أدوات الانقسام والتطرف، بل يُسيء – دون وجه حق – إلى بلدٍ كريمٍ مثل السعودية، التي احتضنت قضايا العرب والمسلمين، لا لتتحوّل إلى مكبر صوت لحقده وانحطاطه.
إن التخلّص من هذا الخطاب لا يصب فقط في صالح الشعب الكوردي الذي يستهدفه الزعبي، بل في صالح مشروعٍ سعودي أوسع، يُراد له أن يكون عادلًا، جامعًا، لا ملوثًا بألسنة المخابرات البعثية القديمة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
29/3/2025م
العتب على من يسمح لمثل هذا الحاقد والجاهل والموتور عدو التعايش والحريه والديمقراطيه والسلام وامثاله العنصريين والسماح لهم بنشر سمومهم واكاذيبهم واباطيلهم وتشويههم للحقائق والوقائع والتأريخ والجغرافيا تحية للكاتب