التفاوض على إستحياء- كامل سلمان

مع اليوم الأول لدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القيادات الإيرانية للجلوس على طاولة المفاوضات لحل المشاكل العالقة بين الطرفين ومشاكل الشرق الأوسط والمشكلة النووية الإيرانية سلمياً بدل الذهاب إلى الحرب ، جاء الرد الإيراني سريعاً على لسان المرشد الأعلى علي الخامنئي أن لا ثقة لنا بأمريكا ولا جلوس معها للتفاوض ، كان رداً حاسماً مغلقاً لجميع الأبواب التفاوضية ، بعدها بدأ الضغط الأقتصادي يزداد على النظام الإيراني والداخل الإيراني ممتعض من حالة اللا حرب واللا سلم والخسائر تتوالى على كافة الصعد و الجبهات فخرجت القيادات الإيرانية بتصريح جديد ينسخ تصريحات المرشد الأعلى وملخصه ممكن الجلوس على طاولة المفاوضات في حالة رفع السيف عن رقبة طهران وتخفيف الحصار الأقتصادي الذي أثقل كاهل المواطن الإيراني ، بعدها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة الضغط والتصعيد العسكري وهذه المرة في الجبهة الحوثية لليمن لتوصل رسالة إلى القيادات الإيرانية أن لا مجال للتناور ، فقط القبول بالتفاوض وبالشروط الأمريكية الترامبية المعروفة ، فخرج المتحدث بأسم المرشد معلناً بأن المفاوضات ممكنة ولكن بشكل غير مباشر . هذا التدرج بالتنازلات أكيد سيتبعه في النهاية قرار القبول بالتفاوض والقبول بجميع شروط أمريكا ، لكن القبول التدريجي تعيد بنا الذاكرة للعام 1990 م بتفاوض القيادة العراقية بممثلها طارق عزيز وزير خارجية العراق في عهد صدام حسين أثناء غزو الكويت ، حينها كان سقف المطالب العراقية للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل الإنسحاب العراقي من الكويت تعد بالعشرات منها تحرير فلسطين فيما كان مطلب الرئيس الأمريكي أنذاك جورج بوش الأب على صدام حسين الإنسحاب من الكويت والقبول بجميع القرارات الدولية بدون قيد أو شرط والجلوس إلى طاولة المفاوضات ، فكانت القيادة العراقية تدريجياً تتخلى عن شروطها إلى أن خرج طارق عزيز للإعلام بأستعداد العراق للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية بدون أية شروط مسبقة ، وفعلاً بعدها بأيام قليلة تم الأعلان عن عقد لقاء تفاوضي كبير بين الخارجية العراقية والخارجية الأمريكية في روما ، ذهب الوفد العراقي الكبير الذي كان يضم خبراء الخارجية وكبار الدبلوماسيين العراقيين إلى روما وعند بدأ اللقاء تم الطلب من الوفد العراقي الانتظار خارج قاعة الاجتماع وسمح فقط لطارق عزيز بلقاء وزير الخارجية الأمريكي أنذاك جيمس بيكر في قاعة الأجتماع ، هذا الاجتماع المرتقب عالمياً لم يستمر سوى بضع دقائق ليخرج بعدها طارق عزيز من الأجتماع غاضباً ليعلن للصحافة ووسائل الإعلام المحتشدة في روما عن فشل المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، بمعنى أن الأمور ذاهبة للحرب وكان العالم بأجمعه مستغرباً من التحدي العراقي للتحالف الغربي والولايات المتحدة الأمريكية وما هو السلاح السري الذي تمتلكه القيادة العراقية لرفض طارق عزيز نتائج أجتماعه مع الوزير الأمريكي ، لكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من عودة الوفد العراقي إلى بغداد ظهر طارق عزيز في مقابلة تلفزيونية على القناة الرسمية العراقية ليشرح ما دار في أجتماع روما ، حيث قال قبل الدخول إلى غرفة التفاوض تم منع جميع أعضاء الوفد العراقي بالدخول معي ، دخلت بمفردي فكان وزير الخارجية الأمريكي واقفاً بإنتظاري بمعية مساعديه رفض مصافحتي ورمى بقصاصة ورق على الطاولة دون أن يكترث لمكانتي كممثل عن القيادة العراقية ورئيس الدبلوماسية العراقية ، والتفت إليّ وقال أقرأ وهو يشير بأصبعه على قصاصة الورق ، كتب في هذه القصاصة ( نفذوا جميع الشروط قبل أن نعيدكم للقرون الوسطى ) . بهذه الطريقة المهينة تم التعامل مع القيادة العراقية ، فكان على القيادة العراقية أن تفهم مغزى هذا التصرف بمعنى أن لا مكانة للنظام الحاكم في العراق بعد اليوم داخل المجتمع الدولي وأن استقالة النظام في الحال قبل أن يهان ويهان العراق معه هو الحل الأمثل نتيجة الخطأ الكارثي للحكومة العراقية باحتلال الكويت ، لكن للأسف أختارت القيادة العراقية إهانة العراق أولاً وإعادته للقرون الوسطى . فاليوم الدور على إيران سوف لن يكونوا أحسن حالاً من طارق عزيز ، فهذا التدرج خداع للنفس لأن النتيجة النهائية هي قصاصة ورق وتنفيذ كافة الشروط أو الحرب !
فياليت أن تترك القيادات الإيرانية العنجهية والغرور وتعرف حجمها قبل أن تقع الكارثة على إيران و المنطقة بأكملها . ولا تعيد تجربة العراق ، فالشعب الإيراني كما هو الشعب العراقي كما هو الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني واليمني وغيرهم لا يستحقون الإهانة والمعاناة والبهدلة في ظل ظروف دولية محسومة منذ البداية ، فقد أنتهى زمن الرهان على الصبر والمطاولة والمعجزات ، حافظوا على كرامة شعوبكم فلا تجعلوهم وأنفسكم مختبراً لتجارب أسلحة لم تسمعوا بها .

2 Comments on “التفاوض على إستحياء- كامل سلمان”

  1. الاخ استاذ كامل المحترم .. قبل كل شيء عيد مبارك وسعيد عليكم .. ما جاء في تحليل الوضع في المنطقة وما اصيب الشعب العراقي من الكوارث الماساوية بسبب حكم الطاغية صدام حسين وعصابته الفاشية ” حرب على ايران بدلا من السلام ” و احتلال “دولة الكويت ظلما ” وعدم الاستماع للنصح و الارشادات العربية و الدولية .. عصيان و غرور و رفض صدام للمبادرات السلمية الامريكية قبل وقوع الفاس في الراس .. وبالتالي الى الحرب و الى خراب وتدهور العراق والى المعاناة الصحية و التعليمية و الاقتصادية و الاجتماعية و الخدمية وغيرها وحتى يومنا هذا … ان ” قادة ايران ” هم سبب مشاكل ايران الداخلية والخارجية وفي المقدمة محاربتهم للمكونات وخاصة ” الكورد ” وحرمانهم من ابسط الحقوق وفي المقدمة التعليم بلغة الام الكوردية في المدارس ، وغياب شمول المناطق في ” كوردستان الشرقي ” من ابسط الخدمات والحقوق وخاصة المدن الكبيرة مثل مهاباد وسنندج و سقز وكرماشان و ايلام وغيرها فضلا عن غياب تمثيل الكورد في الوزارات و الدوائر الحكومية و في الجيش و الشرطة وغيرها .. واخذ قادة ايران محاربة الكورد في اقليم كوردستان وفي غرب كوردستان في سوريا من خلال مليشياتهم الارهابية والتي تم القضاء عليها من قبل القوات الاسرائيلية والى الابد .. والخلاصة قادة ايران هم السبب في انتشار الفقر و المجاعة و المرض والكوارث و الويلات في ايران اولا وفي المنطقة عامة … فبدلا من تطوير الصناعات المفيدة في خدمة ايران و الانسانية اهتموا الى صناعة ” قنابل ذرية ” لفناء ايران و المنطقة والبشرية .. وكما جاء في مقالكم النصح قبل فوات الاوان .. ولكن الظلام لايفيدهم النصح مطلقا وابدا .. كل الشكر و التقدير لجهودكم الانسانية والحضارية المميزة .. وفقكم الله .. يا استاذنا الغالي

    1. الأستاذ قاسم المندلاوي المحترم
      كل التقدير لتعقيبك حول المقال ، إضافاتك دوماً فيها أفكار جديدة ، جزيل الشكر لحضورك الدائم أن كان في كتابة المقالات أو في التعليق على المقالات ، وهذه تحسب لوعيك وثقافتك الراقية . تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *