يقدم الجولاني الان، الذي هو رئيس حزب تحرير الشام (الذراع السوري لتنظيم القاعدة سابقاً)، درساً جديداً في فن الخداع السياسي. بعد سيطرته الكاملة على سوريا، قرر الجولاني أن يلعب دور “المصلح” الذي يبني دولة حديثة تعتمد على الكفاءات والتكنوقراط، لكن الحقيقة تكشف أن هذه اللعبة ليست سوى خدعة ذكية لإخفاء هيمنته المطلقة على مقاليد الحكم.
1. وزارات السيادة: حصان طروادة الإسلاميين المتطرفين
لنبدأ بالجزء الأكثر وضوحاً من الخطة. الجولاني قرر أن يسلم الوزارات السيادية – الدفاع، الخارجية، الداخلية، والعدل – إلى أعضاء من قيادات حزبه الإسلامي المتطرف. هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد موظفين حكوميين عاديين؛ بل هم أعضاء بارزون في الحزب، يحملون أجندات أيديولوجية واضحة ومذهبية صارخة.
لكن لماذا اختارهم؟ الإجابة بسيطة: هذه الوزارات هي العمود الفقري لأي نظام سياسي، وهي التي تمنح الجولاني القدرة على فرض سيطرته الكاملة على البلاد. بعبارة أخرى، هو يضع “أشياعه” في مواقع القوة ليضمن ولاءهم التام له ولأيديولوجيته المتطرفة.
2. “التكنوقراط”: ديكور لتجميل الصورة
أما الوزارات الأخرى، مثل الصحة، التعليم، الاقتصاد، وغيرها، فقد تم تسليمها لما يُسمى “التكنوقرات غير الحزبيين”. يبدو الأمر وكأن الجولاني يريد أن يقول للعالم: “انظروا، أنا رجل الدولة الحديثة! أنا لا أميز بين الناس، وأختار الكفاءات فقط!”.
لكن هنا يأتي السؤال: هل هناك فقط هؤلاء التكنوقراط ح؟ أليس هناك المثات من التكنوقرات داخل الاحزاب السورية الاخرى؟ وهل كانوا الخيار الوحيد المتاح؟ بالطبع لا! الجولاني اختار هؤلاء الأشخاص لأنهم بلا انتماءات سياسية قوية، مما يجعلهم سهلين التلاعب بهم. في أي لحظة يمكنه أن يطردهم أو يحولهم إلى “عرائس ماريونيت” في يده.
أما إذا كان قد شارك أحزاباً سياسية أخرى و من التكنوقرات و الكفاءات، فإن الوزراء الذين يأتون من هذه الأحزاب سيكون لديهم قوة سياسية تجعل من الصعب عليه التلاعب بهم أو إقصاؤهم بسهولة أو احويلهم الى لعبة في يده. لذلك، اختار الجولاني “التكنوقراط” المستقلين كوسيلة لتحقيق السيطرة دون مقاومة.
3. لعبة الخداع: كيف يخدع الجولاني السوريين والعالم؟
أ. استخدام شعار “الكفاءات”
- الجولاني يعرف أن العالم يحب سماع كلمات مثل “التكنوقراط” و”الكفاءات”، لأنها توحي بالحداثة والمهنية. لذلك، استخدم هذا الشعار لتجميل حكومته وإخفاء حقيقتها.
- لكن في الواقع، هؤلاء “التكنوقراط” ليسوا سوى أشخاص عاديين تم اختيارهم لأنهم لن يشكلوا أي تهديد حقيقي لسلطته و يستطيع طردهم أو حتى سجنهم متى ما أراد أو حتى أغتيالهم أو توجه تهم اليهم.
ب. خلق وهم المشاركة
- من خلال إعطاء بعض الوزارات لأشخاص غير حزبيين، يحاول الجولاني خلق وهم بأن حكومته تضم جميع الأطياف السورية. لكن الحقيقة هي أن هذه المشاركة ليست سوى واجهة، بينما السلطة الحقيقية تبقى محصورة في يد الإسلاميين المتطرفين.
ج. تهميش الكفاءات الحقيقية
- هناك الكثير من السوريين أصحاب الكفاءات العالية الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية أخرى أو حتى مستقلين و لديهم مكانتهم في النضال السوري، لكن الجولاني تجاهلهم تماماً. لماذا؟ لأنه يعرف أن هؤلاء الأشخاص لن يكونوا أدوات طيعة في يده، وسيطالبون بحقوقهم وحقوق شعوبهم.
4. الجولاني: رئيس الوزراء الذي يدير الحكومة كما لو كانت شركة عائلية!
إذا نظرنا إلى الطريقة التي يدير بها الجولاني الحكومة، يمكننا أن نقول إنه يديرها كما لو كانت شركة عائلية صغيرة. الوزارات السيادية هي “ملك العائلة”، بينما الوزارات الأخرى هي مجرد موظفين مؤقتين يمكن طردهم عند الحاجة.
لكن الفرق هنا هو أن هذه “الشركة العائلية” ليست سوى واجهة لهيمنة أيديولوجية متطرفة. الجولاني يعلم أنه لا يستطيع التحكم في وزراء من أحزاب قوية، لذلك اخترع هذه اللعبة لتبرير سيطرته المطلقة.
5. رسالة الجولاني للسوريين: “لا تقلقوا، أنا أعرف ما أفعله!”
رسالة الجولاني للسوريين واضحة: “لا تقلقوا، أنا أعرف ما أفعله! أنا فقط أريد أن أبني سوريا جديدة تعتمد على الكفاءات والخبرات”. لكن في الواقع، كل ما يريده هو بناء نظام سياسي يعكس أيديولوجيته المتطرفة ويضمن بقاءه في السلطة إلى الأبد.
6. الخلاصة: الجولاني وخديعته الكبرى
في النهاية، الجولاني ليس سوى سياسي ماهر في فن الخداع. باستخدامه لشعارات مثل “التكنوقراط” و”الكفاءات”، يحاول أن يقنع السوريين والعالم بأنه رجل الدولة العصري. لكن الحقيقة هي أن حكومته ليست سوى أداة لتحقيق أجندة أيديولوجية متطرفة.
يجب أن نحذر من خطورة مثل هذه السياسات التي تهدف إلى إقصاء الآخرين وتهميشهم باسم “الكفاءات”. لأن سوريا تحتاج إلى حكومة حقيقية تمثل جميع مكوناتها، وليس إلى مسرحية سياسية يديرها رجل واحد بأيديولوجية واحدة.