العقوبات الأمريكية وردود الفعل الدولية… نهاية الهيمنة الغربية وبداية نظام عالمي جديد – هشام عقراوي

في خطوة جديدة من سياسة “الضغوط القصوى”، فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سلسلة من العقوبات الاقتصادية على عدد من الدول، بما في ذلك الصين وأوروبا، بهدف تعزيز المصالح الأمريكية وإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، جاءت الردود القوية من هذه الدول، وخاصة الصين، لتؤكد أن العالم لم يعد كما كان في الماضي، وأن موازين القوى الاقتصادية والسياسية قد شهدت تحولات كبيرة.


الصين ترد بقوة وتؤكد نهاية “الركوع” أمام الغطرسة الأمريكية

يوم أمس، قدمت الصين درساً للعالم عندما أعلنت عن رسوم جمركية جديدة على المنتجات الأمريكية، ما أدى إلى انهيارات ملحوظة في الأسواق الأمريكية. هذا التحرك جاء كجزء من استراتيجية صينية واضحة تهدف إلى إظهار أن بكين لم تعد مستعدة للركوع أمام السياسات الأحادية الجانب التي تتبعها واشنطن.

الصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكدت أنها تمتلك بدائل متعددة للمنتجات الأمريكية، بينما تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على السلع الصينية والآسيوية، خاصة في مجالات الإلكترونيات والتكنولوجيا والمواد الخام. هذا الاختلال في التوازن التجاري يضع الولايات المتحدة في موقف ضعيف، حيث يبدو أن أي تصعيد اقتصادي سيؤدي إلى خسائر كبيرة للاقتصاد الأمريكي أكثر مما سيضر بالدول الأخرى.


أوروبا في موقف حرج: بين الحليف الأمريكي والشريك الصيني

على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعتبر حليفاً تقليدياً للولايات المتحدة، إلا أن العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد أوروبا دفعت العديد من الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن. الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية، يدرك أن أي تصعيد مع الصين قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية داخلية.

هذا الواقع أجبر أوروبا على البحث عن توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات عبر الأطلسي وبين تنويع شراكاتها الاقتصادية مع آسيا. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى بدائل قابلة للتطبيق للمنتجات الصينية يجعل أوروبا في موقف حساس، حيث لا يمكنها الانحياز بشكل كامل لأي طرف دون تداعيات اقتصادية كبيرة.


هل يمكن للعقوبات أن تعيد الهيمنة الأمريكية؟

ما أكدته هذه التطورات هو أن العقوبات الاقتصادية لم تعد أداة فعالة لإعادة الهيمنة الغربية على العالم. نعم، الاقتصاد العالمي بأكمله سيتأثر بالتوترات التجارية المتزايدة، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع فرض سيطرتها كما كانت تفعل في الماضي.

الصين، بفضل استراتيجيتها الاقتصادية الطموحة مثل مبادرة “الحزام والطريق”، تمكنت من بناء شبكة عالمية من الشراكات الاقتصادية التي تقلل من اعتمادها على السوق الأمريكية. وبالمثل، بدأت دول أخرى في البحث عن بدائل اقتصادية وتجارية بعيداً عن الهيمنة الغربية.


الأدوات العسكرية والاستخباراتية: آخر أوراق أمريكا؟

رغم الانحسار الاقتصادي، تبقى الولايات المتحدة وبريطانيا تمتلكان أدوات عسكرية واستخباراتية قوية يمكن استخدامها لتحقيق أهدافهما السياسية. ومع ذلك، هذه الأدوات قد تؤدي إلى التدمير وليس السيطرة. فالعالم اليوم ليس كما كان خلال الحرب الباردة، حيث أصبحت القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا قادرة على مواجهة الضغوط الغربية بمزيد من الحزم والفعالية.


الخلاصة: نهاية الهيمنة الغربية وبداية نظام عالمي جديد

ما يجري اليوم هو انعكاس لتحولات عميقة في النظام العالمي. العقوبات الأمريكية، التي كانت ذات يوم أداة فعالة لإخضاع الدول، أصبحت الآن أقل تأثيراً بسبب تعدد الخيارات الاقتصادية والسياسية المتاحة للدول المستهدفة.

الصين وأوروبا، وكلتا القوتين تعتمدان على بعضهما البعض اقتصادياً، تدركان أن التعاون والمرونة هما السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة. أما الولايات المتحدة، فقد تجد نفسها في عزلة متزايدة إذا استمرت في اتباع سياسات أحادية الجانب.

العالم يتغير، ولا عودة إلى الهيمنة الغربية كما كانت في الماضي. المستقبل ينذر بنظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث لن تكون هناك قوة واحدة قادرة على فرض سيطرتها على الجميع.