مقدمة: موقع مسعود البارزاني في المشهد الكوردي
مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) وزعيم تاريخي لإقليم كردستان العراق، يُعتبر شخصية محورية في السياسة الكوردية منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. يُنظر إليه على أنه رمز للكفاح الكوردي ضد الأنظمة المركزية في العراق، لكن أداؤه كزعيم قومي وكمدير للإقليم لم يكن خالياً من الجدل. فبينما نجح في تحقيق بعض الإنجازات السياسية والاقتصادية، واجه انتقادات بسبب سياساته الداخلية وإدارته للحزب.
1. إدارة الحزب الديمقراطي الكردستاني: القوة والاستمرارية
مسعود البارزاني يقود الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ أكثر من عقدين، وهو حزب يُعد واحداً من أقدم وأقوى الأحزاب السياسية في كردستان العراق. استندت قوته إلى عدة عوامل:
- التاريخ العائلي : الحزب تأسس عام 1946 على يد والده الملا مصطفى البارزاني، الذي كان زعيماً تاريخياً للكورد في العراق. هذا الإرث التاريخي أعطى البارزاني شرعية كبيرة بين الشعب الكوردي.
- التحالفات القوية : الحزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع بعلاقات قوية مع دول إقليمية مثل تركيا وإيران، وكذلك مع الولايات المتحدة. هذه العلاقات ساعدت في تعزيز مكانته السياسية والاقتصادية.
- الإدارة المركزية : الحزب يتعامل بطريقة مركزية، حيث تتركز السلطة في أيدي عدد قليل من الاشخاص والأقطاب داخل الحزب. هذا النهج أدى إلى انتقادات بأنه يضعف الديمقراطية الداخلية.
على الرغم من ذلك، نجح البارزاني في الحفاظ على تماسك الحزب واستمراريته كقوة سياسية مؤثرة في كردستان والعراق.
2. إدارة إقليم كردستان: الإنجازات والتحديات
منذ سقوط صدام حسين عام 2003، أصبح إقليم كردستان منطقة ذات حكم فدرالي واسع، وكان مسعود البارزاني في قلب هذه العملية. يمكن تقييم أدائه في إدارة الإقليم من خلال عدة جوانب:
أ. الإنجازات
- الاستقرار الأمني : تحت قيادة البارزاني، نجح الإقليم في الحفاظ على مستوى عالٍ من الاستقرار الأمني مقارنة بباقي مناطق العراق، خاصة بعد ظهور تنظيم “داعش” عام 2014. القوات المسلحة الكردية (البيشمركة) لعبت دوراً محورياً في محاربة التنظيم.
- التنمية الاقتصادية : خلال فترة ولايته، شهد الإقليم طفرة اقتصادية، مدفوعة بشكل أساسي بقطاع النفط. كما أصبح الإقليم وجهة استثمارية للشركات الأجنبية، خاصة التركية.
- الحكم الذاتي : البارزاني عمل على تعزيز الحكم الفدرالي لكردستان، بما في ذلك الدعوة إلى استفتاء الاستقلال عام 2017، رغم المعارضة الدولية والإقليمية.
ب. التحديات
- الأزمة الاقتصادية : منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، واجه الإقليم أزمة اقتصادية حادة نتيجة الاعتماد المفرط على النفط وعدم تنوع الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت مشكلة تأخر دفع رواتب الموظفين الحكوميين.
- الخلافات الداخلية : العلاقة مع الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، الحزب الرئيسي الآخر في كردستان، كانت دائماً متوترة. هذه الانقسامات أثرت سلباً على الوحدة القومية للكورد.
- الفساد والإدارة : انتُقد البارزاني وحزبه بشدة بسبب انتشار الفساد و عدم نجاج السيطرة عليها وضعف الشفافية في الإدارة، مما أدى إلى احتجاجات شعبية متكررة.
3. هل تصرف البارزاني كزعيم قومي للكورد؟
على الرغم من أن مسعود البارزاني يُعتبر زعيماً تاريخياً للكورد في العراق، إلا أن أدائه كقائد قومي للكورد في عموم كردستان (العراق، سوريا، تركيا، إيران) لم يكن في المستوى المطلوب و كانت دوما هناك عوائق كثيرة. يمكن تفسير ذلك من خلال عدة عوامل:
- التركيز على العراق : معظم جهود البارزاني كانت موجهة نحو تعزيز مكانة كردستان العراق، بينما كان أقل تركيزاً على قضايا الكورد في الدول المجاورة بسبب حساسية موقع أقليم كوردستان و عداء المحتلين لبروز اي قائد قومي على مستوى كوردستان.
- التحديات الإقليمية : الدول المجاورة (تركيا وإيران) تعارض بشدة أي تحركات قومية كوردية قد تؤدي إلى تفكك حدودها. هذا الواقع أجبر البارزاني على اتباع سياسة براغماتية تركز على مصالح أقليم كردستان دون التصعيد القومي.
- الانقسامات الكوردية : الخلافات بين الأحزاب الكوردية المختلفة، سواء داخل العراق أو خارجه، أضعفت الجهود القومية لتوحيد الصفوف.
4. ما المتوقع من مسعود البارزاني في السنوات القادمة؟
مع استمرار تأثيره السياسي رغم تركه لمنصبة كرئيس لأقليم كوردستان، من المتوقع أن يواصل مسعود البارزاني لعب دور رئيسي في السياسة الكوردية. يمكن توقع ما يلي:
- الحفاظ على الحكم الفدرالي : البارزاني سيظل مدافعاً قوياً عن حقوق أقليم كردستان في الحكم الذاتي الفدرالي، مع السعي لتحقيق تسوية دائمة مع الحكومة المركزية في بغداد.
- العلاقات الإقليمية : سيستمر في تعزيز العلاقات مع تركيا وإيران، مع العمل على تقليل التوترات الإقليمية التي قد تهدد استقرار الإقليم.
- الإصلاحات الداخلية : هناك ضغوط متزايدة لإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية داخل الإقليم، وقد يحاول البارزاني استيعاب هذه الضغوط لضمان استمرار دعم الشعب.
- القضية القومية : من غير المرجح أن يتخذ البارزاني خطوات جذرية بشأن القضية القومية للكورد خارج العراق، لكنه قد يعمل على تعزيز التعاون مع الأحزاب الكوردية الأخرى ولو في إطار تسمح بها العلاقات الدولية. و مؤخرا قام بأستخدام موقعه لدى القوى الكوردية في سوريا و تركيا من أجل تقريب الاحزاب الكوردية من بعضها.
5. المصادر الغربية والمحايدة حول البارزاني
المصادر الغربية غالباً ما تصف البارزاني بأنه “لاعب براغماتي” يوازن بين المصالح الداخلية والإقليمية. مجلة The Economist ، على سبيل المثال، أشارت إلى أنه “زعيم قوي لكنه يواجه تحديات كبيرة”. أما BBC فوصفت إدارته بأنها “ناجحة في تحقيق الاستقرار لكنها تواجه انتقادات بسبب الفساد المستشري والسلطة المركزية”.
6. الصعيد الحزبي: تعزيز الإرث العائلي وضمان الاستمرارية
على الصعيد الحزبي، من المتوقع أن يركز مسعود البارزاني في السنوات القادمة على تعزيز الإرث العائلي داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) وضمان استمرارية هيمنة عائلته على قيادة الحزب. هذا النهج ليس خيارا بل يتماشى مع التاريخ السياسي للحزب، حيث لعبت العائلة البارزانية دوراً محورياً في تشكيل هويته وسياساته.
- الانتقال إلى الجيل الجديد : من المرجح أن يعمل البارزاني على تسهيل انتقال السلطة بشكل سلس إلى الجيل القادم من عائلته، وعلى رأسهم نجله السيد مسرور البارزاني ، الذي يُعتبر خليفة محتملاً لقيادة الحزب ان لم يقم البارزاني بتغيير نظام قيادة الحزب. هذا التوجه يهدف إلى ضمان استمرارية النفوذ العائلي ومنع أي انقسامات داخلية قد تضعف موقف الحزب.
- إعادة هيكلة الحزب : قد يسعى البارزاني إلى إدخال إصلاحات محدودة داخل الحزب بهدف تحسين صورته العامة وتقليل الانتقادات المتعلقة و تقليل الفساد والمركزية. ومع ذلك، من غير المتوقع أن تكون هذه الإصلاحات جذرية تؤدي الى تغيير طبيعة النظام الداخلي للحزب أو تقليص نفوذ الأقطاب التقليدية.
- توحيد الصفوف : مع تصاعد المنافسة بين الأحزاب الكوردية، خاصة مع الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) وأحزاب أخرى ، سيحاول البارزاني تعزيز تماسك الحزب وتوسيع قاعدته الشعبية من خلال التركيز على القضايا القومية والاقتصادية التي تمس حياة المواطنين.
7. إمكانية إقامة نظام قيادة مشتركة بين مسرور البارزاني ونجيروان البارزاني
1. فكرة القيادة المشتركة: هل هي منطقية في سياق الحزب الديمقراطي الكردستاني؟
نظام القيادة المشتركة هو نموذج سياسي يعتمد على تقاسم السلطة بين شخصيتين أو أكثر، ويُستخدم عادةً من قبل الأحزاب اليسارية وأحزاب البيئة لتعزيز الشفافية والديمقراطية الداخلية وتقليل التوترات بين الفصائل المختلفة. ومع ذلك، فإن تطبيق هذا النظام في حزب مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK)، الذي يتميز بطابعه التقليدي والتاريخي المتمركز حول العائلة البارزانية، يبدو غير مألوف وغير متوافق مع طبيعته.
- الخلفية التاريخية للحزب : الحزب الديمقراطي الكردستاني يعتمد بشكل كبير على الهيكلية المركزية والقيادة الفردية وفكرة القائد، حيث كانت السلطة دائماً في أيدي شخصيات بارزة من عائلة البارزاني. هذا النهج يجعل فكرة القيادة المشتركة أمراً غير معتاد داخل الحزب.
- طبيعة العلاقة بين مسرور ونجيروان البارزاني : مسرور البارزاني (نجل مسعود البارزاني) ونجيروان البارزاني (ابن شقيقه) يمثلان جيلين مختلفين داخل العائلة، ولكل منهما قاعدة دعم خاصة. مسرور، الذي يشغل حالياً منصب رئيس وزراء إقليم كردستان، يتمتع بشعبية بين الشباب والقوى الأمنية، بينما نجيروان، الرئيس الحالي للإقليم، يتمتع بعلاقات قوية مع الجهات الإقليمية والدولية. إذا تم اعتماد نظام قيادة مشترك بينهما، فقد يُنظر إليه كمحاولة لتوزيع المسؤوليات بين الجيل الجديد من العائلة البارزانية و سوف تكون خطوة لتكامل الامكانيات.
2. هل يمكن أن يقلل هذا النظام من الخلافات الداخلية؟
تطبيق نظام القيادة المشتركة قد يكون له آثار إيجابية و لكن أيضا أخرى سلبية على الحزب:
- الإيجابيات المحتملة :
- توزيع المسؤوليات : القيادة المشتركة قد تساعد في تقسيم المهام بين الشخصيتين، حيث يمكن أن يتولى مسرور الجانب التنفيذي (كإدارة الحكومة والشؤون الأمنية)، بينما يتولى نجيروان الجانب السياسي والدبلوماسي (كالعلاقات الإقليمية والدولية).
- تقليل التوترات بين الفصائل : إذا كانت هناك خلافات داخلية بين مؤيدي مسرور ومؤيدي نجيروان، فقد يؤدي هذا النظام إلى تحقيق نوع من التوازن وتقليل الانقسامات.
- تجديد الصورة العامة : اعتماد نموذج جديد للقيادة قد يُظهر الحزب بمظهر أكثر انفتاحاً وحداثة، مما قد يعزز صورته أمام المجتمع الدولي والجيل الجديد من الكورد.
- التحديات والمخاطر :
- التداخل في الصلاحيات : القيادة المشتركة قد تؤدي إلى تداخل في الصلاحيات والمسؤوليات، مما قد يخلق أزمات جديدة بدلاً من حل القديمة.
- ضعف القرار الموحد : نظام القيادة المشترك قد يؤدي إلى بطء في اتخاذ القرارات أو ظهور تناقضات بين الطرفين، مما قد يؤثر سلباً على كفاءة الحزب.
- استمرار النفوذ العائلي : حتى لو تم تبني هذا النظام، فإنه لن يغير حقيقة أن السلطة ستظل محصورة داخل العائلة البارزانية، مما قد يثير انتقادات بشأن غياب الديمقراطية الحقيقية داخل الحزب.
3. هل هذا الحل مستدام؟
اعتماد نظام القيادة المشتركة قد يكون حلاً مؤقتاً لتهدئة التوترات الداخلية داخل الحزب “هذا ان كانت هناك خلافات”، ولكنه لا يعالج الجذور العميقة للمشكلات، مثل:
- الفساد وعدم الشفافية : هذه القضايا تتطلب إصلاحات هيكلية، وليس مجرد إعادة توزيع السلطة.
- الانقسامات السياسية : الخلافات داخل الحزب لربما ليست بين الشخصيات البارزة، بل أن القواعد الشعبية والفصائل الحزبية المختلفة قد تكون لديها تساؤلات.
- الضغوط الخارجية : العراقيل التي يواجهها الحزب من الحكومة المركزية في بغداد والدول الإقليمية (تركيا وإيران) تحتاج إلى قيادة قوية وموحدة، وهو ما قد لا يوفره نظام القيادة المشترك.
4. السيناريو المرجح
من غير المرجح أن يعتمد الحزب الديمقراطي الكردستاني نظام قيادة مشترك بالمعنى الكامل، لأن ذلك يتعارض مع تقاليده المركزية والتاريخية. ومع ذلك، قد يتم توزيع الأدوار بشكل غير رسمي بين مسرور ونجيروان البارزاني، بحيث يعمل كل منهما في مجال اختصاصه دون الإعلان عن “قيادة مشتركة” رسمياً. هذا النهج قد يكون أكثر توافقاً مع طبيعة الحزب وثقافته.
8. كيف يمكن لمسعود البارزاني أن يزيد من نفوذه كقائد قومي قوي للكورد في جميع أجزاء كردستان؟
“نظر لأهمية هذه النقطة فسنقوم بعرضة كموضوع مستقل.”
الخلاصة
مسعود البارزاني يُعتبر زعيماً تاريخياً للكورد في العراق بشكل رئيسي، وحقق إنجازات مهمة في تعزيز الحكم الفدرالي والاستقرار الأمني. ومع ذلك، يواجه انتقادات بسبب الفساد في الاقليم و بعض الانقسامات و كذلك رغبات الكورد في لعب دور أكثر فعالية كزعيم قومي شامل. في المستقبل، من المتوقع أن يركز على الحفاظ على الحكم الذاتي وتحسين العلاقات الإقليمية، مع محاولة استيعاب الضغوط الداخلية.
على الصعيد الحزبي، يبدو أن مسعود البارزاني سيواصل الاعتماد على الإرث العائلي كركيزة أساسية لمستقبل الحزب الديمقراطي الكردستاني. من خلال تسهيل انتقال السلطة إلى الجيل القادم وإعادة هيكلة الحزب بشكل محدود، سيحرص على ضمان استمرارية نفوذه ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. هذا النهج، رغم أنه قد يعزز استقرار الحزب على المدى القصير، إلا أنه قد يثير انتقادات بشأن الديمقراطية الداخلية و الشفافية.
بينما قد يبدو نظام القيادة المشتركة بين مسرور ونجيروان البارزاني حلاً نظرياً لتقليل الخلافات الداخلية وتجديد صورة الحزب، إلا أنه قد يواجه تحديات كبيرة في التطبيق بسبب طبيعة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتقاليده المركزية. بدلاً من ذلك، من المرجح أن يتم توزيع الأدوار بشكل غير رسمي بين الشخصيتين، مع الحفاظ على هيمنة العائلة البارزانية على قيادة الحزب. لتحقيق استقرار حقيقي، يحتاج الحزب إلى إصلاحات جذرية تتجاوز مجرد تغيير في آلية القيادة.
السيد هشام عقراوي المحترم.
تحية.
للاطلاع:
“نجيروان، الرئيس السابق للاقليم”.
نيجيرفان، الرئيس الحالي للاقليم ورئيس الوزراء سابقا.
محمد توفيق علي
شكرا على التصحيح أخي العزيز
السيد هشام عقراوي المحترم.
تحية.
للاطلاع:
أحسنتم صياغة مقالاتكم الحديثة وبالأخص التبويب والترقيم وما بينهما من وسائل تسهيل القراءة والفهم.
محمد توفيق علي
لا أدري بأية حنكة ودهاء سياسي استطاع البارزاني مسعود ان يقود الإقليم إلى شاطيء الأمان والاستقرار في خضم كل المطبات السياسية التي واجهت مسيرة الاقليم، ناهيك عن المؤامرات والدسائس الخارجية من دول الجوار، بالتحديد من ايران او الداخلية المتواطئة معها. هذا الرجل أذكى واحنك سياسي في نظري انجبته المنطقة وليس الإقليم فحسب. وهو مفخرة قومية للكورد، وسيدخل التاريخ من هذا الباب المشرف. و يسرني اليوم ان ارى صوت كوردستان قد غيرت موقفها المعارض المتشدد من هذه الشخصية السياسية الفذة لسنوات عدة.