المفاوضات المباشرة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الجانب الإيراني وعلى أعلى المستويات السياسية خطوة مهمة لتحقيق السلام في المنطقة ونزع فتيل الحروب والأزمات ، فكل شيء في عالم السياسة ممكن خاصة إذا كانت خلف السياسة قوة ، مثلما جعلت السياسة أحمد الشرع زعيماً لمنظمة ارهابية جعلته أيضاً رئيساً لدولة محترمة وقائداً سياسياً يشار إليه بالبنان ، وكذلك جعلت السياسة من حركة طالبان الإرهابية مفاوضاً سياسياً ناجحاً يتربع على عرش السلطة في افغانستان ، كذلك السياسة جعلت من إيران العنيدة تقف صاغرة أمام ترامب وتستجيب للتفاوض وهي تعرف مقدماً بأن التفاوض مع إدارة ترامب بمعنى الإذلال ، إذاً كل شيء ممكن ، لكن تسلسل الأحداث التي تتبع المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران هي الأكثر أهمية حسب التجارب التي مررنا بها في العراق لأننا نعرف مقدماً كيف ستنتهي المفاوضات وكيف سيصبح حال النظام السياسي في إيران بعد المفاوضات ، أسألوا العراقيين عن أحوالهم بعد المفاوضات في عام ١٩٩١ م فتجاربهم مفيدة جداً . يجب أن نتحدث بواقعية دون محاباة . المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران غير متكافئة ، فهناك طرف قوي يشعر بنشوة الإنتصارات والقوة والهيمنة وهناك طرف يشعر بمرارة الهزائم وعلقم الحصار الأقتصادي المدمر ، فالولايات المتحدة الأمريكية لها شروط واهداف من هذه المفاوضات استطاعت أن تحقق بعضها عن طريق القوة في ساحات المعركة في كل من غزة ولبنان وسوريا واليمن وتبغي أن تحقق القسم الأخر عن طريق المفاوضات بينما الطرف الإيراني يدخل المفاوضات مضطراً وطامعاً في رفع الحصار الأقتصادي الذي آذى الشعب الإيراني كثيراً ومتطلعاً في الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية من السقوط ، لذلك من المتوقع أن إيران ستتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وتقوم بتنفيذ جميع الشروط الترامبية ولكن على مراحل وبشكل تدريجي خوفاً من الفضيحة أمام العالم ولئلا تنكسر سمعتها وهيبتها أمام محبي الثورة الإيرانية وعشاقها ، وهنا سيسعى المفاوض الإيراني إلى الحصول على بعض المكاسب مقدماً لكي يذر الرماد في العيون بأن إيران ما زالت قوية ويعدل من تصدع الوضع الداخلي الإيراني ويشغل بال المواطن الإيراني المتضرر من الحصار الأقتصادي والمتعطش للحياة الطبيعية . هناك مسألة يجب أن تعرفها إيران ويعرفها العالم بأن هذه المفاوضات لم تأتي من واقع سلمي بل أتت من واقع حربي دموي دفعت ثمنها شعوب فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق ، فهي بمثابة مفاوضات استسلام ، فما تريده الولايات المتحدة الأمريكية سيكون ضمن حسابات الشرق الأوسط الجديد الذي رسمته الإدارة الأمريكية وليست ضمن حسابات إيران ، فإيران دخلت المفاوضات من موقع الضعف وليست من موقع القوة لكنها أختارت الطريق الصحيح المنطقي والعقلاني بقبول المفاوضات بدل الحرب والدمار حماية لشعبها وحماية لنظامها السياسي وحماية للبنى التحتية التي أن دمرت يصعب إعادة بناءها ، فالإيرانيون لا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة ، أذكياء ويتصرفون بواقعية ولا يتصرفون بخطوات انفعالية إنتحارية مثلما فعلت حماس وحزب الله والحوثي حين القوا بشعوبهم إلى التهلكة ، فإيران لها القدرة أن تشحن مثل هؤلاء المغفلين للإنتحار لكنها لا تشحن نفسها إلا لما فيه الخير لنفسها ، وكما يقول المثل المصري ( ألف جبان ولا الله يرحمه ) هذه هي إيران الحقيقية ، ولكن مالا تدركه إيران حسب معطيات الواقع والتجارب أن أمريكا ستستحضر كل الأضرار التي سببتها إيران لدول العالم الغربي وقد يكون الحساب فيه مرارة شديدة ، فقد تسببت إيران بخسائر بالمليارات أو بالترليونات للدول الغربية ، ولن تسامح الولايات المتحدة الأمريكية إيران لمصرع الألاف من جنودها على يد وكلاء إيران منذ تفجيرات المارينز في بيروت عام ١٩٨٢ م مروراً بمقتل الجنود الأمريكين في العراق وسوريا واختطاف المدنيين والمساومة عليهم وصولاً إلى إيذاء التجارة العالمية من خلال عرقلة الملاحة في البحر الأحمر فكل شيء مخزون في الذاكرة ( أن كنت ناسي أذكّرك )، ولكن السؤال الأهم الذي سيسأله كل مواطن إيراني وكل مواطن عربي وغير عربي أعلن الولاء للجمهورية الإسلامية وللولي الفقيه ، ما مصير الشعار الذي رفعته الثورة الإيرانية منذ عام ١٩٧٩ م ولحد يومنا هذا ، وكانت الملايين من محبي وأنصار الثورة الإسلامية يهتفون به حتى بحت أصواتهم ( شعار الموت لأمريكا ) هل ستعتذر القيادات الإيرانية لأتباعها عن هذا الشعار وتدفع كفارة نيابة عنهم ؟ أم أن الشعار سيبقى يتردد ولكن بشكل غير علني أو في القاعات المغلقة خوفاً أن تسمعهم أمريكا . وللحديث عن هذا الشعار نقل لي أحد الأسرى العراقيين في إيران أبان الحرب العراقية الإيرانية ، قال كان الجنود الإيرانيون يجبرون الأسرى العراقيين على ترديد شعارات الموت لأمريكا ، الموت لصدام . فيقول بسبب ولاء بعض الأسرى لصدام كانوا يرفضون ترديد تلك الشعارات ولكن بعد الضغوطات والتعذيب أضطر هؤلاء الأسرى أخيراً من ترديد تلك الشعارات ولكن بطريقتهم الخاصة ، وهي ( الموز لأمريكا والموز لصدام ) فهل سيصبح الموز لأمريكا هو الشعار البديل عن الموت لأمريكا شعار الثورة والشعب الإيراني الجديد ؟ كل شيء ممكن طالما إيران دولة براغماتية !