ماهية الديانة الإيزيدية: بين الجذور العقائدية والبنية الاجتماعية- المحامي: فارس سالم 

تُعَد  الديانة الإيزيدية وأحدة من أقدم الديانات التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق القديم (ميزوبوتاميا). تنفرد هذه الديانة بطابعها الروحي وعمقها الرمزي، حيث يؤمن معتنقوها بأنها ديانة أصلية قائمة بذاتها، لم تُشتق من ديانة أخرى، بل ظهرت مع وجود البشرية، واتسمت بتعدد أسمائها لارتباطها الوثيق بسرّ الملائكة.
1. الجذور التاريخية واللاهوتية
يستند قِدم الديانة الإيزيدية إلى جملة من الشواهد، أبرزها النصوص الدينية المقدسة، إضافة إلى طقوسها وأعيادها وبنيتها الهرمية التي لا تزال قائمة حتى اليوم (الحد و السد). ويُلاحظ تشابه هذه البنية مع أنظمة العقيدة في حضارات عالم القديم كالسومريين والبابليين، حيث كان لكل مجموعة بشرية “خودان 𐺊𐺥𐺦𐺋𐺦𐺢 ” أو ملاك مسؤول عن جانب معين من الكون، مع التمسك التام بوحدانية الخالق.
ففي العقيدة الإيزيدية، يُكلَّف الخالق ملائكته السبعة بإدارة شؤون الكون، وتُعتبَر هذه الملائكة تجلياً من نور الله، لا شركاء له، بل أدوات لتنفيذ أمره.
2. العقيدة الإيزيدية ومفهوم الإيمان
الإيزيدية ديانة غير تبشيرية تؤمن بوحدانية الخالق وبأنه لا يوجد إله للشر، ولا وجود لقصة سجود الملائكة لآدم ،فكل ما في الوجود من صنع الله الواحد الأحد. وتؤمن هذه العقيدة بوجود سبعة ملائكة خُلِقوا من نور الله، وأبرزهم “ملك آدي 𐺀𐺋𐺨 “، الذي يُنزل السر أو الوحي على الأولياء الصالحين من أبناء الإيزيدية ، لنقل التعاليم الدينية والروحية وفقاً لأمر الخالق.
3. الهوية الإيزيدية: بين النسب والإيمان
الإيزيدية ليست مجرد ديانة، بل هوية دينية وإثنية تُبنى على قاعدة أساسية: المولد والإيمان. فالإيزيدي هو من وُلِد لأبوين إيزيديين ويؤمن بالنصوص المقدسة لديانته. أما من لا يؤمن بها، رغم ولادته ضمن الجماعة، فيُعد إيزيدياً من الناحية الإثنية فقط، ما لم ينكر العقيدة أو يهاجم ثوابتها.
وتُسقط الهوية الإيزيدية عن الشخص في ثلاث حالات رئيسية:
1.”الشريعة” المعاشرة أو الزواج (المدني أو الديني) مع شخص غير إيزيدي/ة.
2.الزواج من طبقة دينية مختلفة داخل المجتمع الإيزيدي (مخالفة للطريقة).
3. ارتكاب أفعال تُعد خرقاً لمبدأ الولاء للدين، وتُعرف بـ “ضرب الخرقة”.
رابعاً . الهيكلية الاجتماعية والدينية
ينقسم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقات دينية رئيسية لا يمكن تغييرها:   الشيخ – الپير – المريد.
يولد الفرد ضمن طبقة معينة، ويلتزم بها مدى الحياة. أما طبقة الشيوخ، فتنقسم إلى ثلاث سلالات رئيسية، هي:
السلالة الشمسانية – السلالة الآدانية – السلالة القاتانية.
ويُشترط أن يتم الزواج داخل كل سلالة، حفاظاً على استمرارية الرابط الروحي بين الفرد وشيخه، ما يعزز التماسك العقائدي والاجتماعي داخل المجتمع الإيزيدي.
أخيراً. الإيزيدية والصمود أمام محاولات الطمس
هذه هي الإيزيدية: عقيدة وهوية متجذرة وراسخة في عمق التاريخ. لقد صمدت الديانة الإيزيدية رغم مئات المجازر و الإبادات الجماعية و ذلك بفضل التزام أبنائها بهذه المبادئ الكونية الثابتة. فالإيمان بهذه القواعد هو معيار الانتماء، ومن لا يؤمن بها حرّ في اختياره، لكنه لا يملك حق التلاعب بثوابت هذا الدين تحت ذريعة “الإصلاح”.
وعليه، نرفض وندين ما يُسمى بـ “مؤتمر الإصلاح” المزمع عقده في ألمانيا، ونؤكد أن الإصلاح يبدأ من النفس. لن نخذل دماء مئات الآلاف من الإيزيديين الذين اختاروا الموت على التخلي عن عقيدتهم، ولن نسمح بمحو هوية دينية سلمية عمرها آلاف السنين.
كل الشكر والتقدير للأخ وعالم الدين الإيزيدي، الشيخ صبحي نابو، رئيس المجلس الديني الإيزيدي، الذي لم يبخل علي في تفضّله بتزويدي بهذه المعلومات القيّمة التي أسهمت في إعداد هذا المقال، وعلى جهوده المستمرة في خدمة الدين الإيزيدي والحفاظ على تراثه الروحي والثقافي.
المحامي: فارس سالم علي
شنكال 12.03.2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *