المقاتلون الأجانب و الاتراك في سوريا وسيناريوهات المستقبل ( التصفية أم قيادة الجيش السوري)

برزت ظاهرة المقاتلين الأجانب كعنصر رئيسي في المشهد السياسي والعسكري الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. ومع سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق في ديسمبر 2024، أثيرت تساؤلات حول مستقبل هذه الفئة من المقاتلين، وخاصة أولئك القادمين من تركيا، الذين لعبوا دورًا بارزًا خلال سنوات الحرب الطويلة.

“فرسان محمد” وظهور العناصر التركية

في مشهد لافت، انتشر تسجيل مصور يظهر مجموعة تُدعى “فرسان محمد”، تضم نحو ثلاثين شخصًا يرتدون الزي العسكري، وهم يلقون بيانًا باللغة التركية في ساحة المسجد الأموي بدمشق. البيان حمل دعوة إلى “أهل الجهاد”، مشيرًا إلى “النصر المؤزر الذي حققه المجاهدون”.

هذه المجموعة ليست الوحيدة التي تعلن عن وجودها بشكل علني. فعلى الرغم من أن العديد من الجماعات المسلحة تحاول إخفاء هوياتها الأجنبية، إلا أن “فرسان محمد” لم تتردد في نشر منشورات باللغة التركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى تبنيها لهوية تركية واضحة.

“العلم والجهاد”: جماعة ذات صبغة دينية

إلى جانب “فرسان محمد”، هناك جماعة أخرى تُعرف باسم “العلم والجهاد”، والتي يعتقد أن معظم أعضائها قدموا أيضًا من تركيا. يقود هذه الجماعة شخصيات معروفة بتصريحات ذات طابع ديني، مثل موسى أولغاتش ، الذي أثار جدلًا واسعًا بسبب تصريحاته السابقة ضد الجمهورية التركية ومؤسسها مصطفى كمال أتاتورك.

ومن خلال موقعها الإلكتروني ومحتوياتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل “العلم والجهاد” على الترويج لمقاتليها كجزء من مشروع “جهادي” أوسع يهدف إلى إعادة تشكيل سوريا وفقًا لرؤيتها الإسلامية.

شخصيات بارزة: من القوائم السوداء إلى المناصب الرسمية

أحد أبرز الأمثلة على التحولات التي شهدها المشهد هو عمر شيفتشي ، الذي كان يومًا ما على قائمة المطلوبين في تركيا بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة. اليوم، يشغل شيفتشي منصبًا رفيعًا في الجيش السوري الجديد برتبة عميد، وهو ما يعكس كيف تم ادماج بعض المقاتلين الأجانب في النظام الجديد.

في مقابلة مع مجلة هاكسوز التركية، قال شيفتشي إن الإدارة السورية الجديدة بدأت اتخاذ خطوات لمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب، بما في ذلك الأتراك، الذين قاتلوا إلى جانب المعارضة السورية. وأشار إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق الاستقرار وضمان ولاء هؤلاء المقاتلين للنظام الجديد.

المقاتلون الأجانب في سياق الحرب السورية

منذ بداية النزاع في عام 2011، توافد آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا، مدفوعين بمختلف الدوافع، بدءًا من “الجهاد” الديني وانتهاءً بالأهداف السياسية. ومع مرور الوقت، انقسم هؤلاء المقاتلون بين عدة فصائل، بما في ذلك:

  1. هيئة تحرير الشام : استقطبت عددًا كبيرًا من المقاتلين الأجانب، وبعضهم تقلد مناصب قيادية.
  2. تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) : جذب الآلاف من المقاتلين الأجانب، لكنه تعرض لخسائر كبيرة، وما زال بعض أعضائه محتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
  3. جماعات صغيرة أخرى : مثل “حراس الدين” و”فرسان محمد”، التي لا تزال نشطة على الأرض.

سيناريوهات مستقبلية

مع تشكل النظام الجديد في سوريا، هناك عدة سيناريوهات محتملة بشأن مستقبل المقاتلين الأجانب:

  1. الاندماج في النظام الجديد
    قد تسعى الإدارة الجديدة لدمج المقاتلين الأجانب في الهياكل الأمنية والعسكرية، ومنحهم الجنسية السورية. هذا الخيار يساعد في ضمان ولائهم وتقليل خطر تصعيد العنف.
  2. التصفيات أو المواجهات
    إذا اتخذ المقاتلون الإسلاميون موقفًا أكثر تشددًا تجاه السياسات الجديدة، فقد يتعرضون لضغوط أو حتى تصفيات. الباحث غريغ كلاين يشير إلى أن أي محاولة لعرقلة بناء دولة وطنية سورية قد تؤدي إلى مواجهات بين المقاتلين الأجانب والمحليين.
  3. العودة إلى بلدانهم الأصلية
    بعض المقاتلين الأجانب قد يختارون العودة إلى دولهم، خاصة إذا شعروا بأنهم غير مرحب بهم في سوريا الجديدة. ومع ذلك، فإن هذه العودة قد تواجه تحديات قانونية وأمنية.
  4. استمرار النشاط السري
    جماعات مثل “فرسان محمد” و”العلم والجهاد” قد تواصل نشاطها تحت الأرض، مستغلة البنية الاجتماعية والسياسية المعقدة في سوريا.

التحديات أمام الإدارة الجديدة

الإدارة السورية الجديدة تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في كيفية التعامل مع المقاتلين الأجانب دون إثارة توترات داخلية أو دولية. كما أن اختلاف دوافع المقاتلين الأجانب والمحليين قد يؤدي إلى صدامات مستقبلية، خاصة إذا حاولت الحكومة بناء دولة وطنية علمانية بدلاً من دولة إسلامية.

وفي هذا السياق، أكد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع ، أن المسؤولين عن قتل المدنيين، بغض النظر عن هويتهم، سيتم محاكمتهم. هذه الخطوة قد تكون مؤشرًا على نية الحكومة فرض سيادة القانون، لكنها قد تواجه مقاومة من بعض الجماعات المسلحة.

الخلاصة

المقاتلون الأجانب في سوريا، وخاصة القادمون من تركيا، يمثلون تحديًا معقدًا للنظام الجديد. بينما يسعى البعض منهم إلى الاندماج في المجتمع السوري، قد يميل آخرون إلى الحفاظ على أجنداتهم الخاصة، مما يخلق توترات داخلية.

مستقبل هؤلاء المقاتلين مرهون بقرارات الإدارة السورية الجديدة، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الاستقرار الوطني والتعامل مع هذه الفئة التي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ البلاد الحديث. ومع ذلك، فإن أي خطوة غير مدروسة قد تؤدي إلى تصعيد جديد في بلد أنهكته الحرب لسنوات طويلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *