يستغرب الناس من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه جعل السياسة عبارة عن صفقات تجارية بحكم عمله بالتجارة قبل السياسة ، فقامت الدنيا على هذا الرجل ووصفوه بأسوأ الأوصاف لأنه قال بأن إدارته تسلك طريق عقد الصفقات مع العدو والصديق وهذه طريقة دخيلة على السياسة وعلى إدارة الدولة كما يعتقدون ، فهل ترامب محق أم أنه مخطئ ؟ وهل جاء بشيء لم يكن له سابق وجود ؟ الحقيقة التي لم ينتبه إليها الناس أن نشاطات حياتنا هي سلسلة صفقات ولكننا نعطيها تسميات أخرى فلنأخذ الدين مثلاً ، هل أنتبه أحدنا إلى أن أصل الدين أيضاً صفقات تجارية وغير تجارية ، لنتمعن بهذه الآيات القرآنية ( اؤلئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) صفقة خاسرة ( أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) ( يرجون تجارة لن تبور ) صفقة ناجحة ( يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) وعشرات الآيات التي تتحدث عن الصفقات التجارية الناجحة والفاشلة مع الله . فالإنسان المؤمن أو الكافر هو صاحب هذه الصفقات التجارية لكنه لا يعلم إنه يتعامل بالصفقات ، ، إذاً العبد المؤمن الناجح عند الله هو الذي يبرم صفقة فيها أرباح تجارية مادية وغير مادية مع الله وتكون منفعتها دنيوية وأخروية والعبد الكافر يبرم صفقة خاسرة ، هذا التعبير القرآني الذي أعطى الإيمان والكفر صفة ( التجارة ) إنما هو تعبير دقيق عن حالة الإنسان في الحياة الدنيا وما يبحث عنه في الأخرة ، ومن الأفضل طبعاً بالنسبة للإنسان المؤمن العاقل أن يختار الصفقة الناجحة المربحة ، ألم تكن صلح الحديبية بين الرسول ع والمشركين صفقة ؟ ألم تكن قصة موسى ع مع الخضر في القرآن الكريم صفقة ؟ في سورة يوسف ألم يخرج يوسف ع من السجن بصفقة ؟ ترامب أدخل التجارة إلى السياسة من باب القوة ، فرفع شعار السلام من خلال القوة وكذلك فعل المسلمون الأوائل عندما رفعوا شعار ( إسلم تسلم ) وهو أيضاً شعار السلام من خلال القوة . لا نريد هنا المقارنة بين الدين والسياسة ولا بين الماضي والحاضر فكل له أسبابه ، لكن الواقع يقول حقيقة الدين والسياسة وفعاليات الحياة بشكل عام هي صفقات تجارية ، أنت تعبد الله لتحصل على الجنة هذه صفقة تجارية . أنت تفعل الحسنة لتنال عشرة أضعافها فهذه صفقة رائعة لأن الحسنة بعشرة أضعافها حسب المفهوم القرآني مكسب كبير ، ملخص الكلام أن الصفقات التجارية الناجحة هي دليل التحكم إلى العقل وهي دليل الحكمة ، وما يدرينا لعل مستقبل السياسة العالمية تتحول إلى المدرسة الترامبية فتصبح العلاقات الدولية صفقات تتقدم فيها المصالح على كل شيء خاصة إذا كانت مفهوم الصفقات لها أساس ديني واجتماعي ، بالمناسبة في الدول الفاشلة الحياة السياسية تقوم على الصفقات أيضاً لكنها توصف بالصفقات الفاسدة وحتى توزيع المناصب هي عبارة عن صفقات مشبوهة ، فكلنا سمعنا عن سوق مزاد المناصب في نظام المحاصصة الطائفية في العراق ، فحقيقة الأمر جميع العلاقات السياسية والتجارية هي عبارة عن صفقات تغطى بالدبلوماسية أو بمفردة المصالح المتبادلة . حتى الزواج في حقيقته هو أتفاق وصفقة بين الرجل والمرأة لكن التسمية المتداولة عقد نكاح ، فلماذا نستغرب بأن شخصاً مثل ترامب يتحدث بلغة الصفقات الصريحة بدل لغة الغلاف الدبلوماسي الذي يتضمن المعلن والمخفي واللف والدوران كعادة السياسين في جميع أنحاء العالم . بهذا الشكل تكون السياسة كشفت عن وجهها وأصبحت أكثر وضوحاً وصراحة والعلاقات الدولية صارت أكثر نضوجاً وبات السياسي واضح أمام شعبه من خلال مقدرته على جلب الصفقات الناجحة لبلده وشعبه . الصفقات موجودة في معظم مجالات حياتنا حتى الجلسات العشائرية والفصل هي عبارة عن صفقات بين العشائر ، معظم الصفقات لم نكن نعطيها تسمية الصفقات في السابق لأننا نحاول تجميلها بصفات لها قيمة اعتبارية كي تكون أكثر مقبولية ، نعم حقيقة الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والتجارية وغيرها هي عبارة عن صفقات . . عقود البيع والشراء وعقود التوظيف والعمل وعقود الشركات والمؤسسات وعقود الخدمة جميعها عبارة عن صفقات ، الإتفاقيات الدولية والتبادلات التجارية ومذكرات التفاهم هي صفقات ، ، شيء مبهر أن يتحول رجل الأعمال إلى رجل سياسة ليجعل من السياسة مكسباً لبلده ولكن العكس تماماً في بلداننا عندما يتحول رجل السياسة إلى رجل أعمال ومالك عقارات وأراض زراعية مستغلاً وجوده في المنصب ليصنع من نفسه رجل أعمال بدرجة ملياردير والفرق بين الأثنين هو أن الأول جاء إلى السلطة مملوء الجيوب ومن ثم استطاع أن يملأ جيوب الدولة وأما الثاني فقد جاء إلى السلطة حافي القدمين فارغ الجيوب ومن ثم استطاع أن يجعل الدولة حافية القدمين مثله ، وأوهم نفسه بأنه فعلاً أصبح رجل أعمال عندما سرق الأموال التي اؤتمن عليها ، ليخرج إلى الناس من على شاشات التلفزة ليعدد فضائله على الدولة وعلى الناس ويقول لو لم يكن هو حاضراً في موقع المسؤولية لضاعت البلاد وهتكت أعراض النساء ! ، لا أدري كيف يحمي الأعراض من يعجز عن حماية الأموال وحماية سمعته وحماية البلاد ؟