دور الحكومة في ترسيخ التعايش السلمي داخليًا و خارجيًا – خديجة مسعود كتاني

 

 

يعتبر التعايش السلمي من أهم ركائز بناء مجتمع قوي ومتماسك، لانه يحمل في العمق مفهوم السلام بين مختلف الفئات، بغض النظر عن الديانة، العرق، الطائفة، الثقافة، دون تمييز أو تهميش٠ ولكن لايمكن تحقيق ذلك بدون سلام داخلي وإستقرار إجتماعي ٠

أهمية التعايش السلمي

في مجتمع متنوع الثقافات والأديان، يصبح التفاهم والإحترام المتبادل ضرورة ملحة للحفاظ على الاستقرار والعيش المشترك على ركيزة ثابتة ٠عند الوصول الى مستوى التعايش السلمي يصبح بالإمكان تجاوز الازمات والصراعات وإحتواءها بصبر وعقلانية ودراية، والتوجه نحو تحقيق أهداف تنموية مشتركة، مثل الفضاء، محاربة الفقر، التمكين الثقافي، الإقتصادي والاجتماعي، كالمجتمعات التي بلغت مستويات ملفتة في النمو الاقتصادي كونها من المجتمعات المستقرة والمسالمة، بذلك زادت قدرتها على جذب الإستثمارات التي لها نتائج إيجابية في تحسين الاقتصاد وتوفير فرص العمل إضافةً الى تعزيز الازدهار الشخصي والمجتمعي، الذي يهيئ بيئة تمكينية للأفراد لتحقيق قدراتهم الشخصية والمهنية دون خوف أو تمييز٠على سبيل المثال ( الامارات وماليزيا)، حيث يشكلان نموذجاً يحتذى به في التعايش السلمي وتحقيق التعددية، الدينية، والثقافية٠ ففي الإمارات تشكل قيم التعايش والتسامح والتعددية جزءاً لايتجزأ من هويتها الوطنية٠حيث عززت الدولة هذه القيم عبر قانونها الاتحادي بشأن مكافحة التمييز والكراهية وإستحداثها وزارة (التسامح والتعايش) بحيث برزت مكانة الامارات كعاصمة عالمية للتسامح٠ وإشتهرت ماليزيا بدورها بتعددية ثقافاتها وتسامحها كونها تتكون من مجموعة متنوعة من الأعراف والثقافات التي أصبحت جزءاً من هويتها عبر تجاربها وجهود في هذا المجال٠

مفهوم التعايش في المجتمعات المعاصرة

التعايش السلمي لايعني الدول فقط بل الشعوب على إختلافها أيضاً٠ وتكمن فيها الضرورة والأهمية معاً٠ إذ إن محرك السلم كمحرك الحرب تماماً أي ليس علاقة دولة بدولة وإنما بمعنى أعمق، علاقة الشعوب ببعضها البعض٠ لذا مصطلح التعايش السلمي يقود الى جملة معاني محملة بمفاهيم تتضارب فيما بينها تقود الى مدلولات عدة هي :

١-مدلول سياسي أيدولوجي

يحمل معنى الحد من الصراع، ترويض الخلاف أو العمل على إحتواءه، لانه إدارة الصراع تفتح قنوات الإتصال والتعامل التي تقتضيها ضرورة الحياة المدنية والعسكرية٠

٢– مدلول إقتصادي

يحمل معنى التعاون المستمر في العلاقة البينية مع الآخرفي الجانب الاقتصادي

٣– مدلول ديني، ثقافي، حضاري

أي التعايش الديني أو الحضاري في إلتقاء أهل الأديان السماوية والحضارات المختلفة للعمل من أجل الأمن والسلام٠

٤– مدلول إجتماعي التعايش السلمي يحد من الصراعات العرقية ويكسر شوكة التعصب القبلي ويزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع، وينمي الشعوب بالأخوة الإنسانية ويقضي على الأحقاد والضغائن ومخلفاتها، ويشيع المحبة والتعاون بين الناس٠ حينها يمكن التوصل الى التعايش السلمي والقبول بالآخر وحل القضايا الخلافية بالطرق الحضارية لتحقيق التطور والازدهار٠

لكن من الممكن أن لايتحقق ذلك بالشكل المطلوب إلا إذا تمت على أسس محكمة :

١-وجود القناعة التامة والرغبة المشتركة للتعايش السلمي، بحيث تكون نابعة من الذات الإنسانية وليس تحت ضغوط مفروضة أياً كان مصدرها أو مرهونة بشروط٠

٢- التفاهم والالتفاف المشترك حول أهداف التعايش وغاياته حتى لايكون فارغاً من مدلول عملي، ذلك بما يخدم الإنسانية ويحقق مصالحها العليا٠

٣- تحقيق هذه الأهداف ونتائجها المرضية وفق خطط تنفيذية يشترك فيها الجميع

٤- صيانة التعايش السلمي بسياج الإحترام والثقة من أجل ضمان الديمومة والإستمرارية وعدم الانحراف عن المسار الحقيقي٠

٥- تنمية المشتركات، وتعزيز ثقافة الحوار، فلدى الإنسانية مشتركات تتجسد فيها قيم تجمع عليها البشرية بدياناتها المختلفة، من شأنها الحد من الخلاف٠

٦- تعزيز دور القانون، حيث يهدف القانون الى إنتظام الحياة والمحافظة على الامن والاستقرار بما فيها حماية الحقوق والحريات، العدل والمساواة، إن أحترام القانون على المستوى الدولي والوطني في سياق الالتزام يزيد المجتمعات قوة وتماسك ويشكل الأرضية الصلبة للتعايش السلمي٠

معوقات التعايش السلمي

هذه المعوقات تشكل عقبة في سبيل تحقيق التعايش السلمي وتشمل :

١-الأنظمة السياسية الحاكمة

وقد تكون ضمن معوقات التعايش السلمي في مجتمع ما، في حالة إتخاذها مجموعة من الإجراءات تقف في صف فئة معينة على حساب بقية الفئات، كما أن ألأنظمة العالمية قد تركز  في توجهاتها ومحاباتها على دول معينة على حساب تهميش دول أخرى مما له الأثر على أسس التعايش السلمي العالمي، أو نرى بعض المؤسسات الدولية تكيل بمكيالين

٢- التطرف والمغالاة الفكرية

يمثل داء دفين لأي مجتمعٍ من المجتمعات، ويجعله يعاني على مختلف الأصعدة، سواء السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والاجتماعية٠

٣- النرجسية والتعالي

لاشك إنهما من معوقات التعايش السلمي، هنا كل فريق ينظر الى نفسه إنه يفوق الآخر ويعلوه شأناً فتنفصل الروابط الاجتماعية وتتأجج الأحقاد وتغيب لغة الحوار والتواصل ويضعف روح التعايش ٠

٤- الاعلام

لاشك نحن في عصر التكنولوجيا والعصر المعرفي، وينظر للعالم كقرية صغيرة فقد وصلت التكنولوجيا لكل بيت٠ ودخول الفضائيات الإعلامية  الى كل دار قد لاتكف الأبواق الإعلامية عن تأجيج الصراع عبر إثارة القضايا الداعية الى التعصب وربما التحريض على القتل وقد يتحول الى سيف مسلط على رقاب التعايش السلمي٠

دور الدولة في إثراء التسامح والتعايش

مثال *

أقدمت مصر على مدار السنوات التسع الماضية في الفترة من عام ٢٠١٤ – ١٠٢٣ على ترسيخ قيم التعايش والتسامح داخل مصر وعلى المستوى العالمي، وفق مجموعة برامج من بينها ( برامج قوافل السلام الدولية ) بهدف تعزيز السلم في المجتمعات ونشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك بين أبناء مصر، وبناء جسور الحوار بين أبناء الحضارات والثقافات المختلفة على مستوى عالمي٠والتي لاقت أصداء مميزة على مستوى دولي، وبرزت تلك الجهود بين تنظيم المؤتمرات الدولية، التي تحث على نشر قيم التعايش والمشاركة في الفعاليات الدولية التي أطلقتها دول عديدة الى جانب العديد من المؤسسات إضافة الى المبادرات الإنسانية للمساهمة في ترسيخ مبادئ التسامح حول العالم٠ أما بشأن حهود الدولة في إنشاء عدد من المراكز المتخصصة والفعالة في هذا المجال فكان (مركز حوار الأديان بالأزهر) له دور رائد لتعزيز ثقافة الحوار بين الأديان وثقافة قبول الآخر والتأكيد على القيم الدينية المشتركة، وركزت الخطابات على مكافحة التطرف وتعزيزالسلام والتعددية أينما وجد٠

 أهم الخطوات على أرض الواقع

وتبدأ بضمان جميع الحقوق للشعب في دولة ما، كالحقوق السياسية، الاجتماعية والاقتصادية للأقليات المختلفة، وخاصة في الدول التي عانت من الإضطهاد السياسي٠وضمان حمايتها، ودعمها، من قبل مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع، وفعالياتها التي تعد خطوة نحو فرصة التعايش السلمي، لدورها المهم في نشر ثقافة السلم بين أطياف الشعب٠كما أنَّ التداول السلمي للسلطة أهم ضمانة سياسية للمحافظة على الإستقرار كعامل تمكيني أساسي ينعكس على المجتمع ويعزز السلم٠ لان الصراعات السياسية لها إنعكاس ورد فعل سلبي على المجتمع ومن نتائجه تدمير قدسية التعايش والسلام٠

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *