في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى مواصلة برنامجها النووي ورفع نسبة التخصيب، تبدو المواقف الدولية حيال هذا التوجه متباينة، بل ومتضاربة أحياناً، ما يخلق فراغاً استراتيجياً قد يُستغل لتحقيق مكاسب نووية خطيرة وتعزيز برنامجها النووي.
إيران ترى في التخصيب حقاً سيادياً لا يمكن التنازل عنه، وتؤكد أن برنامجها مخصص للأغراض السلمية. إلا أن تجاوزاتها المتكررة لنسب التخصيب المحددة، ورفضها المتزايد للتفتيش الشامل، يضع نواياها تحت الشك، خاصة مع اقترابها تقنياً من العتبة النووية.
الولايات المتحدة، من جانبها، لا تمانع من حيث المبدأ في أن تُخصب إيران اليورانيوم، بشرط ألا تصل إلى القنبلة النووية. هذا التفريق بين “التخصيب” و”امتلاك السلاح” خلق ثغرة، استغلتها طهران لتطوير قدراتها ضمن هامش رمادي، دون أن تُخرق رسمياً الخطوط الحمراء الأمريكية.
أما إسرائيل، فتأخذ موقفاً أكثر تشدداً، إذ ترى أن السماح لإيران بالتخصيب –حتى ولو بقي تحت العتبة النووية– هو انزلاق خطير يفتح الطريق أمام امتلاك القنبلة في أي لحظة. لهذا تُطالب بمنع التخصيب من الأساس، وتعارض بشدة أي اتفاق لا يُلغي قدرة إيران التقنية على إنتاج مواد انشطارية.
هذه المفارقة بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي ولّدت فجوة في الرؤية الغربية حول آليات الردع. فالولايات المتحدة تعتمد على مزيج من الدبلوماسية والردع الاقتصادي، بينما تميل إسرائيل إلى سياسة “الردع الوقائي”، بما في ذلك الخيار العسكري المفتوح.
إن التجربة السابقة مع إيران، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، أثبتت أن المشكلة لم تكن في الشروط، بل في الالتزام بها. ورغم التحديدات الدقيقة لنسبة التخصيب وآليات التفتيش، لم تتوانَ طهران عن الخرق حين سنحت الفرصة. وهذا ما يفرض مقاربة جديدة تتجاوز منطق الاتفاقات التقنية إلى بنية ردع استراتيجية تشمل:
- تقييد التخصيب بنسبة منخفضة لا تتجاوز 3.67%
- وضع نظام تفتيش دولي دائم وشامل
- حظر أجهزة الطرد المركزي المتطورة
- نقل أي يورانيوم مخصب إلى دولة ثالثة للمعالجة
- ربط النشاط النووي بسلوك إيران الإقليمي في المنطقة
ومن وجهة نظر تحليلية، فإن السماح لإيران بالتخصيب دون قيود عملية يعني فتح الطريق أمامها للوصول إلى القنبلة النووية، حتى وإن تأجل الإعلان عنها. ولهذا، فإن ضبط البرنامج النووي الإيراني يتطلب ليس فقط شروطاً تقنية، بل منظومة ردع تجعل كلفة الخرق أكبر من مكاسبه.
وفي هذا السياق، تُبقي إسرائيل خيار الضربة العسكرية على الطاولة، خاصة إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية في فرض شروط صارمة أو منع التخصيب. تصريحات القادة الإسرائيليين في أكثر من مناسبة تؤكد أنهم لن يسمحوا بامتلاك إيران لقنبلة نووية، حتى لو اضطروا إلى التحرك منفردين.
لن يتحقق أمن المنطقة ما لم يتفق المجتمع الدولي على أن الردع الحازم، لا الحلول التقنية وحدها، هو ما يكبح جماح المشروع النووي الإيراني قبل أن يفلت من السيطرة.