انسحاب القوات الأمريكية من سوريا دون ترتيب الوضع النهائي للبلاد يمثل سيناريو معقدًا ومليئًا بالتحديات، سواء على المستوى الداخلي السوري أو الإقليمي. هذا الانسحاب قد يؤدي إلى فراغ سياسي وأمني خطير، مما يفتح المجال أمام تصاعد التوترات بين القوى الإقليمية والدولية، خاصة تركيا وإسرائيل، ويؤثر بشكل مباشر على الأكراد الذين يشكلون جزءًا مهمًا من المشهد السوري.
1. الفراغ الأمريكي وتداعياته على سوريا
- عودة التنظيمات المتطرفة :
انسحاب القوات الأمريكية دون ضمان استقرار دائم قد يسمح لتنظيم “داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى بإعادة تنظيم صفوفها، خاصة في المناطق الصحراوية والنائية التي لا تخضع لسيطرة مركزية قوية. - صراع النفوذ الداخلي :
غياب الراعي الدولي (الولايات المتحدة) سيجعل سوريا ساحة صراع مفتوحة بين القوى المحلية والإقليمية. حكومة الجولاني، المدعومة من إيران، قد تحاول توسيع نفوذها، بينما ستسعى المعارضة السورية والفصائل المسلحة الأخرى إلى تعزيز وجودها. - أوضاع الكورد :
الأكراد، الذين كانوا يعتمدون على الدعم الأمريكي، سيكونون الأكثر تضررًا من هذا الانسحاب. قد تواجه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تحديات كبيرة، حيث يمكن أن تتعرض لهجمات تركية مباشرة أو تُجبر على تقديم تنازلات كبيرة لحكومة الجولاني مقابل الحفاظ على وجودها.
2. ردود الفعل الإقليمية: تركيا وإسرائيل
تركيا:
- التوسع في الشمال السوري :
تركيا تعتبر انسحاب القوات الأمريكية فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها في شمال سوريا. قد تتحرك عسكريًا لإقامة “منطقة آمنة” جديدة، وستسعى إلى طرد “قسد” من المناطق الحدودية، بحجة محاربة “الإرهاب”. - مواجهة مع إيران :
إذا حاولت إيران وحكومة الجولاني توسيع نفوذهما في المناطق الكردية، فقد تحدث مواجهات مباشرة بين تركيا وهذه القوى، مما يزيد من تعقيد المشهد.
إسرائيل:
- التدخل العسكري :
إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما أدى الانسحاب الأمريكي إلى تمكين إيران ووكلائها من السيطرة على سوريا. قد تقوم إسرائيل بتكثيف هجماتها ضد الميليشيات الإيرانية والبنية التحتية التابعة لها في سوريا. - دعم الكورد كورقة ضغط :
قد تقدم إسرائيل دعمًا غير مباشر للكورد كجزء من استراتيجيتها لكبح النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة.
3. الصراع التركي-الإسرائيلي: هل يحدث؟
- تنافس مباشر على النفوذ :
في حال انسحاب القوات الأمريكية، قد يتصاعد التنافس المباشر بين تركيا وإسرائيل على النفوذ في سوريا. تركيا ستحاول تعزيز وجودها في الشمال، بينما ستسعى إسرائيل إلى منع أي تقدم لإيران ووكلائها. - سيناريو المواجهة العسكرية :
إذا تجاوزت تركيا حدودها في سوريا واستهدفت مواقع استراتيجية قريبة من الحدود الإسرائيلية، قد يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين. ومع ذلك، هذا السيناريو يبدو مستبعدًا نظرًا للتبعات الدولية الواسعة لمثل هذه المواجهة.
4. ترامب واحتمالات الانسحاب دون ضمان الاستقرار
- سياسة ترامب: الأولويات الداخلية :
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معروف بمواقفه التي تعطي الأولوية للمصالح الداخلية الأمريكية. قد يرى أن الانسحاب من سوريا دون ترتيب الوضع النهائي هو خطوة لتخفيف العبء العسكري الأمريكي، حتى لو كان لذلك تداعيات سلبية على الاستقرار الإقليمي. - المخاطر المرتبطة بالانسحاب :
رغم ذلك، هناك ضغوط داخلية ودولية على ترامب لتجنب الانسحاب العشوائي، خاصة بعد التجربة الفاشلة في أفغانستان. الانسحاب من سوريا دون ضمان عدم سيطرة المتطرفين أو تركيا على البلاد قد يؤدي إلى انتقادات شديدة من المعارضة الأمريكية والإعلام. - احتمال التسوية الجزئية :
من المرجح أن يحاول ترامب ترتيب انسحاب تدريجي، مع ترك بعض القوات في القواعد الرئيسية لضمان المصالح الأمريكية، مثل حقول النفط في دير الزور، ومنع انهيار كامل للوضع الأمني.
5. السيناريوهات المستقبلية: ماذا سيحصل؟
السيناريو الأول: الفوضى الشاملة
- في حال الانسحاب الكامل دون ضمانات، قد تنجر سوريا إلى فوضى شاملة، حيث تتصارع القوى المحلية والإقليمية على النفوذ. الأكراد قد يفقدون معظم مكاسبهم، وستزداد معاناة المدنيين.
السيناريو الثاني: تقاسم النفوذ
- قد يتم تقاسم النفوذ بين تركيا في الشمال، وإيران وحكومة الجولاني في الوسط والجنوب، مع تدخل إسرائيل لحماية مصالحها. هذا السيناريو قد يؤدي إلى استقرار نسبي، لكنه سيكون على حساب وحدة سوريا وسيادتها.
السيناريو الثالث: تسوية دولية
- قد تتدخل القوى الدولية، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي، لترتيب انسحاب أمريكي منظم وضمان استقرار مؤقت. هذا السيناريو يتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا، وهو أقل احتمالًا بسبب التعقيدات السياسية.
الخلاصة: مستقبل محفوف بالمخاطر
انسحاب القوات الأمريكية من سوريا دون ترتيب الوضع النهائي يمثل خطوة خطيرة قد تؤدي إلى فراغ أمني وصراعات إقليمية مفتوحة. تركيا وإسرائيل ستكونان اللاعبين الرئيسيين في هذه الحالة، وقد يؤدي التنافس بينهما إلى تصعيد كبير.
أما بالنسبة للكورد، فإنهم سيكونون الأكثر تضررًا، حيث قد يواجهون خطر الهجمات التركية أو التهميش السياسي. وفي ظل إدارة ترامب، قد يكون الانسحاب خيارًا مطروحًا، لكنه سيكون مدفوعًا بالضغوط الداخلية وليس بالضرورة بحسابات استراتيجية طويلة الأمد.
الحل الأمثل يكمن في تحقيق تسوية شاملة تضمن استقرار سوريا وتوازن المصالح الإقليمية والدولية، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية.