مقدمة –
المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني تُعد واحدة من أكثر القضايا حساسية في السياسة الدولية، نظرًا لتعقيداتها الأمنية والجيوسياسية. مع جولتين من المفاوضات المنعقدة في سلطنة عمان وروما، يبدو أن هناك مؤشرات إيجابية نحو التوصل إلى اتفاق ثنائي، لكنها محاطة بمخاوف من التراجع الأمريكي المحتمل، كما حدث عندما ألغى الرئيس السابق دونالد ترامب الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA). في هذا السياق، يُطرح تساؤل حول تأثير أي اتفاق أو فشله على المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية-الأمريكية، الدور الإيراني في العراق وسوريا، مستقبل الكورد، موقف تركيا، والردود الإسرائيلية.
1. هل سيحصل هدوء بين واشنطن و طهران بعد توقيع الاتفاق؟
من غير المرجح أن يؤدي توقيع اتفاق نووي إلى “تهدئة كاملة” بين الولايات المتحدة وإيران. بينما قد يتم تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران والسماح لها بالعودة إلى الأسواق العالمية، فإن التوترات بين البلدين لن تختفي تمامًا. العلاقات الأمريكية-الإيرانية تاريخيًا تتسم بالشكوك العميقة، وتبقى قضايا أخرى مثل دعم إيران للجماعات المسلحة في المنطقة (حزب الله، الحوثيون، الحشد الشعبي) مصدر خلاف كبير.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى تقليل حدة التصعيد العسكري المباشر بين الطرفين، مما يسهم في استقرار نسبي في المنطقة. لكن هذا الاستقرار سيكون مشروطًا بتنفيذ إيران لبنود الاتفاق بشكل صارم وعدم تقديم ذرائع لأمريكا لإعادة فرض العقوبات.
2. هل سيؤدي الاتفاق إلى انسحاب أمريكي كامل من العراق وسوريا؟
من المستبعد أن تنسحب القوات الأمريكية بالكامل من العراق وسوريا حتى لو تم توقيع اتفاق نووي. الولايات المتحدة لديها مصالح استراتيجية طويلة الأمد في المنطقة، بما في ذلك:
- حماية المصالح الكوردية : الكورد، سواء في العراق أو سوريا، يمثلون شريكًا استراتيجيًا لأمريكا في الحرب ضد الإرهاب ومكافحة النفوذ الإيراني.
- مراقبة النفوذ الإيراني : الانسحاب الكامل قد يفتح المجال أمام إيران لتعزيز نفوذها في العراق وسوريا، وهو ما لا ترغب فيه واشنطن.
- مواجهة التنظيمات الإرهابية : وجود القوات الأمريكية يساعد في منع عودة تنظيم “داعش” أو ظهور جماعات متطرفة جديدة أو تطور التطرف الموجود في سوريا الان بعد سيطرة هيئة تحرير الشام.
بدلاً من الانسحاب الكامل، قد تقلص أمريكا عدد قواتها بشكل طفيف، مع التركيز على تواجد رمزي يضمن تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
3. تأثير الاتفاق على إقليم كوردستان العراق
- في حال توقيع الاتفاق :
قد تفقد إيران بعض الحوافز لمعارضة الكورد في العراق، حيث ستسعى لتحسين صورتها الدولية. ومع ذلك، قد تحاول إيران تعزيز نفوذها في الإقليم عبر الوسائل السياسية والاقتصادية، مستغلة أي فراغ أمريكي محتمل. - في حال عدم توقيع الاتفاق من دون حصول حرب :
قد تستمر إيران في استخدام الضغط السياسي والعسكري ضد الكورد، خاصة إذا اعتبرت أن الإقليم يمثل نقطة انطلاق لتهديد مصالحها.
على المدى البعيد، سيظل إقليم كوردستان يحتفظ بأهميته الاستراتيجية بالنسبة لأمريكا، خاصة إذا استمرت واشنطن في اعتباره شريكًا أساسيًا في مواجهة النفوذ الإيراني.
4. وضع الكورد في سوريا
- في حال توقيع الاتفاق :
قد تميل إيران الى تقليل تقديم الدعم لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مما قد يضعف موقف الكورد في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، قد تحافظ أمريكا على وجودها العسكري لدعم الكورد ومنع تركيا أو النظام السوري من السيطرة الكاملة على هذه المناطق لأن الخطر الايراني سيبقى قائما حتى مع توقيع أتفاقية أمريكية ايرانية. - في حال عدم توقيع الاتفاق من دون جصول حرب:
قد تزداد الضغوط الإيرانية والروسية على الكورد، مما يضعهم في موقف صعب بين التهديدات التركية ومحاولات النظام السوري استعادة السيطرة.
5. موقف تركيا
تركيا تعتبر أي تقارب أمريكي-إيراني تهديدًا لمصالحها في المنطقة. في حال توقيع الاتفاق، قد تسعى تركيا إلى تعزيز دورها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأكيد أهميتها الاستراتيجية. ومع ذلك، قد تواجه صعوبة في الحفاظ على قيمتها داخل الحلف إذا زادت واشنطن من التعاون مع إيران. و هذا يؤدي الى أضعاف الدور التركي و عدم الاستماع الى الطلبات التركية حول أقليم كوردستان و غربي كوردستان.
6. الردود الإسرائيلية
- على المدى القصير :
إذا بدا أن الاتفاق يمنح إيران حرية أكبر في تطوير برنامجها النووي أو دعم وكلائها، قد تلجأ إسرائيل إلى شن هجمات عسكرية استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية أو مواقع وكلائها في المنطقة. - على المدى الطويل :
ستسعى إسرائيل إلى تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية لمواجهة أي تهديد إيراني. كما قد تعمل على تعزيز علاقاتها مع الدول العربية (مثل السعودية والإمارات) لتشكيل جبهة موحدة ضد إيران.
7. تأثير الاتفاق على النفوذ الإيراني في المنطقة
- في حال توقيع الاتفاق :
قد تحاول إيران تعزيز نفوذها الغير عسكري على الاقل في العراق وسوريا ولبنان، مستغلة تخفيف العقوبات الاقتصادية. ومع ذلك، ستواجه مقاومة من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. - في حال عدم توقيع الاتفاق من دون حصول حرب :
قد تزيد إيران من دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات وتزايد احتمالية المواجهات العسكرية.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
احتمالات نشوب حرب بسبب عدم الاتفاق بين أمريكا وإيران
في حال فشل المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي، قد تزداد احتمالات التصعيد العسكري، خاصة إذا قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب وحليفته إسرائيل اللجوء إلى الحل العسكري كوسيلة لمواجهة التهديد الإيراني. هذا السيناريو يحمل في طياته تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها، بما في ذلك إقليم كردستان العراق والأكراد في شمال شرق سوريا.
1. أسباب اللجوء إلى الخيار العسكري
- إيران وتطوير برنامجها النووي :
إذا استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بشكل مكثف أو اقتربت من إنتاج سلاح نووي، قد تعتبر واشنطن وتل أبيب ذلك تهديدًا وجوديًا يستدعي العمل العسكري. - استهداف وكلاء إيران :
إسرائيل قد ترى أن الهجمات الاستباقية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من إيران (مثل حزب الله والحشد الشعبي) ضرورية لحماية أمنها القومي. - ضغوط ترامب الداخلية :
ترامب قد يسعى إلى تحقيق “نصر” عسكري أو سياسي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتعزيز موقفه أمام الناخبين، خاصة إذا كان يعتقد أن الدبلوماسية مع إيران لن تؤتي ثمارها.
2. تأثير الحرب المحتملة على المنطقة
أ. على إقليم كوردستان العراق
- تصاعد التوترات الأمنية :
إقليم كوردستان، الذي يعتبر منطقة استراتيجية للولايات المتحدة، قد يصبح هدفًا للهجمات الإيرانية أو وكلائها رداً على أي عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي منطلقا من أقليم كوردستان. وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد أمني داخل الإقليم. في نفس الوقت فأن موقع أقليم كوردستان المحاذي لأيران و موالات الحشد الشعبي لأيران قد يجعل من أقليم كوردستان مركزا عسكريا مهما بالنسبة الى أمريكا و خاصة أذا لم توافق تركيا على أستخدام أراضيها في الحرب ضد أيران. - التأثير الاقتصادي والسياسي :
الحرب قد تؤدي إلى تدهور الاقتصاد الكوردستاني، حيث تعتمد المنطقة بشكل كبير على الاستثمارات الخارجية والعلاقات التجارية مع دول الجوار. كما أن النفوذ الإيراني قد يزداد في الإقليم إذا قررت طهران استخدامه كقاعدة لممارسة الضغط على الولايات المتحدة.
ب. على الكورد في شمال شرق سوريا
- تهديد مباشر من تركيا والنظام السوري :
في ظل غياب الدعم الأمريكي الكامل أو أنشغال أمريكا بالحرب مع أيران، قد تواجه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تهديدات متزايدة من تركيا والنظام السوري، مما يضع الكورد في موقف صعب. و قد تستغل تركيا الموقف و الحرب الامريكية الايرانية من أجل اضغاف الكورد في غربي كوردستان و خاصة اذا أحتاجت أمريكا الى الدور التركي و الاراضي التركية في حربها ضد أيران. - فقدان الحماية الأمريكية :
إذا ركزت واشنطن جهودها على مواجهة إيران، قد تقلص دعمها للكورد في سوريا، مما يفتح المجال أمام تركيا لشن عمليات عسكرية جديدة ضد المناطق الكوردية.
3. دور تركيا في حال الحرب
- تعزيز النفوذ التركي :
الحرب بين أمريكا وإيران قد تمنح تركيا فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة إذا قلّصت الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا والعراق. تركيا قد تستغل هذا الفراغ لتوسيع سيطرتها على المناطق الكوردية شمال سوريا. - توتر العلاقات مع إيران :
رغم أن تركيا وإيران لديهما علاقات اقتصادية وسياسية قوية، إلا أن أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى توترات بين البلدين، خاصة إذا حاولت أنقرة توسيع نفوذها في مناطق ذات أهمية استراتيجية لإيران.
4. دور إسرائيل في حال الحرب
- إسرائيل كقوة رئيسية :
في حال اندلاع الحرب، ستبرز إسرائيل كلاعب رئيسي في المنطقة. قد تقوم تل أبيب بشن هجمات جوية دقيقة ضد المنشآت النووية الإيرانية وأهداف أخرى مرتبطة ببرنامجها النووي. - دعم المعارضة الإيرانية :
إسرائيل قد تزيد من دعمها للمعارضة الإيرانية داخل وخارج البلاد، بهدف زعزعة استقرار النظام الإيراني. و في هذه الحالة قد تحاول أسرائيل أحياء بعض المنظمات في شرقي كوردستان عبر اقليم كوردستان. - التعاون مع الدول العربية :
الحرب قد تعزز التعاون الإسرائيلي مع الدول العربية، مثل السعودية والإمارات و قطر، التي ترى في إيران تهديدًا مشتركًا.
5. تأثيرات الحرب على الكورد
- إقليم كوردستان العراق :
الحرب قد تجعل إقليم كردستان ساحة صراع بين إيران والولايات المتحدة، مما يعرض السكان المدنيين للخطر. كما أن إيران قد تحاول زيادة نفوذها في الإقليم عبر دعم الأحزاب السياسية الموالية لها. - الكورد في سوريا :
الكورد في شمال شرق سوريا قد يواجهون خيارًا صعبًا حيث أن أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى فقدانهم السيطرة على مناطقهم. و دورهم يعتمد على الدور التركي في الحرب و موقف الحكومة السورية التي من المرجح ستقوم بتأييد اي ضربة أمريكية ضد ايران.
6. السيناريوهات المستقبلية
أ. في حال الحرب
- تصعيد شامل :
إذا اندلعت الحرب، قد تشهد المنطقة تصعيدًا شاملًا يشمل العراق وسوريا ولبنان، مع تدخل مباشر من إسرائيل والولايات المتحدة. - تفاقم الأزمات الإنسانية :
الحرب ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، خاصة في المناطق الكوردية التي قد تصبح هدفًا للهجمات. و لكن في نفس الوقت قد تهيئ الظروف لدعم أمريكي أسرائيلي للكورد و لو مؤقتا.
ب. في حال استمرار التوتر دون حرب
- توازن غير مستقر :
قد تستمر التوترات بين الولايات المتحدة وإيران دون الوصول إلى مواجهة مباشرة، مما يخلق حالة من التوتر المستمر في المنطقة. - دور أكبر للأطراف الإقليمية :
تركيا وإسرائيل قد تلعبان دورًا أكبر في المنطقة، بينما يبقى وضع الكورد تحت ضغط مستمر.
الخلاصة
التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران وأمريكا قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة، لكنه لن ينهي التوترات تمامًا. الولايات المتحدة ستواصل مراقبة النفوذ الإيراني، وقد تحتفظ بجزء من قواتها في العراق وسوريا لضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية. أما الكورد، فسيظلون لاعبين مهمين في المعادلة الإقليمية، لكنهم سيواجهون تحديات كبيرة بناءً على نتائج الاتفاق.
تركيا وإسرائيل ستلعبان أدوارًا مهمة في تشكيل الاستجابة الإقليمية لأي اتفاق، حيث ستسعى الأولى إلى تعزيز موقعها في الناتو، بينما ستسعى الثانية إلى منع إيران من تحقيق مكاسب استراتيجية. في النهاية، سيظل الشرق الأوسط منطقة مليئة بالتحديات والتعقيدات، حتى مع توقيع أي اتفاق نووي.
احتمالات نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران بسبب فشل الاتفاق النووي ليست بعيدة، خاصة إذا قررت واشنطن وتل أبيب اللجوء إلى الخيار العسكري. هذه الحرب ستؤدي إلى تداعيات خطيرة على المنطقة، بما في ذلك تهديد الأمن والاستقرار في إقليم كوردستان العراق و الكورد في شمال شرق سوريا.
تركيا قد تستفيد من هذه الحرب لتعزيز نفوذها في المناطق الكوردية، بينما ستبرز إسرائيل كقوة رئيسية في المنطقة. ومع ذلك، فإن الكورد سيظلون في موقف صعب، حيث قد يفقدون دعمهم الأمريكي ويواجهون تهديدات متزايدة من إيران وتركيا والنظام السوري بسبب دخول اللاعبين الكبار كما حصل أبان الحرب العالمية الاولى و الثانية.
السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار التوترات دون تصعيد شامل، و هذا السيناريو مليئ بالتحديات بالنسبة للكورد و لكنها قد تكون أفضل السيناريوهات بالنسبة للكورد حيث سيمنع توقيع أتفاقات جديدة بين أمريكا و دول المنطقة على حساب الكورد و تبقى لأقليم كوردستان و الكورد في غربي كوردستان دورهم المهم في الحفاظ على توازنات المنطقة.