الیوم أكملت المقاومة السلمية علی “سد تشرین” تناوبها فی الاستمرار علی المقاومة فی يومها الخامس بعد المئة وذلك دفاعا عن السد الذی يحمل أهمية إستراتیجیة أمنية وإقتصادیة خاصة للإدارة الذاتیة فی شمال شرق سوريا، تلك المنطقة التي تدار تحت سلطة الإدارة الذاتیة لتكون نموذج روژئاڤا عابرا للأزمات منذ تكوين هذه الإدارة الداتیة بعد إندلاع الثورة السوریة ضد نظام حزب البعث العربي الإشتراكی بقيادة بشار الأسد الذی هرب إلی روسيا بعد إستیلاء هيئة تحرير الشام علی “دمشق” فی ٨ كانون الأول سنة ٢٠٢٤. تكونت هذه المقاومة السلمية بتناوب أهالي قری و مدن منطقة الإدارة الذاتية علی الدفاع السلمي عن سد تشرین بالأغانی والدبكات مقابل الهجوم العسكري للقوات المهاجمة من قبل میلیشیات موالية للحكومة التركية مدعومة بسلاحها وقواتها العسكرية وذلك بإلقائها القنابل من طائرات مسیرة ورميها بالمدافع والصواريخ علی سد تشرین ومحیطها بغرض إحتلال المنطقة والسيطرة علی الطریق الدولی الذی یربط مدینة “منبج“ بمدينة “كوباني”.
تتميز المقاومة السلمية علی سد تشرین بجماهیریتها التعددیة الشاملة للكورد والعرب والمسیحیین وغیرهم من أهالی المنطقة الواقعة فی شرق نهر الفرات وهم يتناوبون علی المجئ إلی سد تشرین أفرادا وجماعات بتنظيم دوری محكم يجمع المتناوبين عند مجيئهم إلی منطقة السد لیقضی فيها وقته مع الجماهير الإخری المشاركة فی التناوب ویبقی المتناوب مدة تتراوح بین یوم إلی أسبوع فی كل مرة یأتی دوره لیقضی فيها أیامه بلیالیها فی فرح وإبتهاج جماهیری مشترك من نساء ورجال وأطفال ومسنين. هتافاتهم وشعاراتهم تشمل أغاني وأبيات شعرية وأناشيد مع موسیقی ورقصات تعنى دعمها للمحاربین. وللنساء دور جوهري فی هذه التظاهرات فی رفع المعنوایات، و خاصة النساء المعمرات ذوات الخبرة فی تنظیم الأفراح بإشتراكها فی المقاومات المختلفة ضد الإحتلال.
یقول عالم الاجتماع “أنتونوڤسكی” ( ١٩٢٣ – ١٩٩٤ ) فی نظريته “مصدر الصحة = Salutogenesis “ بأن كل إنسان مجهز بقابليات لتعديل الحوافز السلبية من المحيط وجعلها مبعثا” للسعادة والإبتهاج. فكان من الناقدين لعلم الطب المعاصر الذی يعتمد علی أساس البحث عن عملية تكوين المرض “ Pathogenesis“ وطرح سؤالا من زاوية نظر مختلفة عن الطب وهی تتلخص بأن من المفروض أن یبحث الطبيب عن كیفیة إستمرار الصحة لدی البعض عندما يموت القسم الأكبر من المصابين فی وباء معين. فتمعن فی التفكير الناقد للطب وهو لم یكن طبيبا بل عالم إجتماع.
وإستفاد كثيرا من إنتقادات زوجته له فكانت تأتي بنقدها وإقترحت عليه فی تسمية الجوهر الملموس فی نظریته بالشعور بالتماسك “ Sense of Coherence “ وهی لم تكن متعلمة فی العلوم التي كان هو قد درسها وتمعن فی فهمها وتطويرها بل كانت ناقدة بارعة حسب قوله. فأصبح هذا المقياس أداة مهمة لقياس مدی تمتع الفرد بالصحة والسعادة.
هنا تأتی نظریة أنتونوڤسكی لتفسر أسباب البهجة والفرح فی وجوه المتناوبین علی سد تشرین. فهل يوجد تفسير آخر غیر الشخصية السليمة فی المقاومة السلمیة لهذه الإحتفالات والنزهات علی سد تشرین لیلا ونهارا منذ بدايتها فی ٧ كانون الثاني سنة ٢٠٢٥ و هی لا تزال تتألق بتحمس الجماهير فی الإستعداد للإستمرار فی هذه المقاومة السلمية الفريدة من نوعها حتی ینتهی العدوان؟!
١٩\٤\٢٠٢٥