تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا جاء بعد حصولها على ضمانات و تفاهمات مع دمشق

قرار واشنطن بتقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لم يكن خطوة منعزلة أو عشوائية، بل جاء نتيجة مسار طويل من الرسائل المتبادلة بين الولايات المتحدة ودمشق، واستراتيجية تهدف إلى انتزاع تفاهمات تضمن مصالح واشنطن وحلفائها في سوريا والمنطقة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت تتجنب الاعتراف الكامل بالحكومة السورية الحالية، إلا أنها أبدت براغماتية واضحة عبر إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وهو ما يعكس توجهاً نحو إعادة صياغة العلاقة مع دمشق ضمن شروط وأولويات محددة.

رسائل واشنطن من تقليص الوجود العسكري

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا ليس مجرد خطوة لوجستية، بل هو رسالة متعددة الأبعاد:

  1. إعادة ترتيب الأولويات :
    واشنطن تسعى إلى التركيز على تحديات استراتيجية أكبر، مثل التنافس مع الصين وروسيا، مع الحفاظ على وجود رمزي في سوريا يضمن حماية مصالحها الأساسية.
  2. اختبار نوايا دمشق :
    التقليص يأتي كجزء من “اختبار” للحكومة السورية حول مدى التزامها بتعهدات معينة، مثل محاربة المتطرفين الأجانب، وإدارة علاقاتها مع إسرائيل، وضمان استمرار التعاون مع القوى الإقليمية.
  3. تعزيز دور الحلفاء المحليين :
    واشنطن تعمل على دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن الجيش السوري النظامي، مع ضمان استقلاليتها التشغيلية، بما يسمح لها بالحفاظ على نفوذها في شمال شرق سوريا.
  4. الضغط لتحقيق التفاهمات :
    القرار يحمل رسالة واضحة بأن أي تقارب مستقبلي بين واشنطن ودمشق سيكون مشروطاً بتنفيذ مطالب أمريكية محددة، مثل ضمان أمن إسرائيل وحماية المصالح الغربية في المنطقة.

هل تم التنسيق بين واشنطن ودمشق؟

من غير المرجح أن يتم تقليص الوجود العسكري الأمريكي أو إعادة انتشار القوات دون تنسيق مباشر أو غير مباشر مع الحكومة السورية. هذا التنسيق قد يكون تم عبر قنوات خلف الكواليس أو من خلال وسطاء، مثل روسيا أو تركيا .

  • زيارة الوفد السوري إلى واشنطن :
    هذه الزيارة تعد مؤشراً قوياً على وجود محادثات مباشرة بين الجانبين. ومن المتوقع أن تكون واشنطن قد استغلت هذه الفرصة لتقديم شروطها الخاصة بشأن العملية السياسية، الأمن، والعلاقات المستقبلية.
  • دور تركيا وروسيا :
    تركيا وروسيا لعبتا دوراً محورياً في تسهيل الحوار بين واشنطن ودمشق، خاصة في ما يتعلق بإدارة المناطق الشمالية الشرقية من سوريا وضمان استمرار الاستقرار هناك.

الشروط الأمريكية للتعامل مع دمشق

وفق المعلومات المتداولة، قدمت واشنطن مجموعة من الشروط التي يجب على الحكومة السورية الالتزام بها لضمان استمرار التعاون وإمكانية الاعتراف الكامل بها مستقبلاً. ومن أبرز هذه الشروط:

  1. إنهاء دور المتطرفين الأجانب :
    دمشق مطالبة بالقضاء على الجماعات المتطرفة الأجنبية العاملة داخل الأراضي السورية، وخاصة تلك التي تشكل تهديداً لأمن المنطقة ودول الجوار.
  2. إدارة العلاقات مع إسرائيل :
    واشنطن تشدد على ضرورة توقيع اتفاقية سلام طويلة الأمد بين سوريا وإسرائيل، بما يضمن أمن حدود الدولة العبرية.
  3. منح صفة قانونية دائمة لمناطق الإدارة الذاتية :
    واشنطن تسعى إلى ضمان وضع قانوني دائم لمناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، مع ضمان استمرار وجود قواعد عسكرية أمريكية في هذه المناطق.
  4. دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري :
    واشنطن تريد دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري النظامي، لكن مع احتفاظها بمستوى معين من الاستقلالية، وهو ما قد يشكل تحدياً كبيراً أمام دمشق.
  5. ضمان حقوق جميع المكونات السورية :
    واشنطن تشترط أن تعكس الحكومة السورية تمثيلاً عادلاً لجميع المكونات الدينية والعرقية في البلاد.

رد دمشق: السياسة البراغماتية

الحكومة السورية، رغم إصرارها على سيادتها الوطنية، أبدت براغماتية واضحة في التعامل مع المطالب الأمريكية. يبدو أن دمشق ترى في التعاون مع واشنطن فرصة لإعادة بناء علاقاتها الدولية وانتزاع اعتراف كامل بها كحكومة تمثل الشعب السوري بكافة أطيافه.

  • التعاون ضد المتطرفين :
    دمشق أظهرت استعداداً للعمل مع واشنطن في محاربة الجماعات المتطرفة، خاصة بعد هزيمة تنظيم “داعش”.
  • إدارة العلاقة مع إسرائيل :
    رغم التوتر التاريخي، فإن دمشق قد تكون مستعدة للدخول في مفاوضات غير مباشرة لضمان استقرار الجبهة الجنوبية.
  • ضمان استقرار المناطق الكردية :
    دمشق قد تقبل بمنح صفة قانونية لمناطق الإدارة الذاتية، شريطة أن تظل السيادة الوطنية السورية محفوظة.

الخلاصة

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يعكس استراتيجية جديدة من واشنطن تجمع بين تقليص التكاليف العسكرية والاحتفاظ بالنفوذ السياسي والاستراتيجي. وفي الوقت نفسه، يمثل القرار فرصة لدمشق لإثبات جدارتها كشريك يمكن الوثوق به في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى التزام دمشق بشروط واشنطن، ومدى قدرة الولايات المتحدة على تقديم ضمانات عملية تقنع الحكومة السورية بأن التعاون معها سيؤدي إلى اعتراف دولي كامل ودعم حقيقي لإعادة الإعمار والتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *