عن منشورات “أ. دار الهدى. عبد زحالقة” في كفر قرع صدرت رواية حسناء فارس للفتيات والفتيان بعنوان حسناء فارس لديبة د.روز اليوسف شعبان.
عندما قرأت رواية الأديبة د. روز اليوسف شعبان” حسناء فارس” الموجّهة للفتيات والفتيان، عادت بي الذّاكرة إلى أهميّة الخيل والفروسيّة في تراثنا الدّينيّ والثّقافيّ، فقد جاء في “سورة العاديات” في القرآن الكريم:” وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا”. وهنا ” يقسم الله- سبحانه وتعالى- بالعاديات، وهي الخيل التي تعدو بركابها عند الحاجة، ومعنى ”ضَبْحًا” أي: ارتفعت أصواتها عندما تعدو،” فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا” أي: أنها تقدح بحوافرها الحجارة عندما تغير،” فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا” هي الخيل أيضًا، وكلّ هذا أوصاف للخيل وحالاتها عند الغارة.
وقد وردت الخيل في الحديث النّبويّ الشّريف:” الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ”.
ووردت الخيل كثيرا في الشّعر العربيّ ومنها قول المتنبّي:
الخيل والّليل والبيداء تعرفني…..والسّيف والرّمح والقرطاس والقلم
ولن نطيل هنا في الحديث عن الخيول في ثقافتنا العربيّة، فهذا يحتاج أبحاثا ودراسات طويلة.
وعند الحديث عن الخيول في الرّواية العربيّة المعاصرة، فإنّه لا يمكن القفز عن رواية” زمن الخيول البيضاء” للأديب الكبير ابراهيم نصرالله.
ما علينا، فرواية الأديبة الفلسطينيّة د. روز اليوسف شعبان ابنة بلدة طرعان الجليليّة، “حسناء فارس-للفتيات والفتيان”، فإنّ هذا يقودنا إلى بدهيّة معروفة وهي ضرورة معرفة القارئ شيئا عن حياة الكاتب، فالكاتب يكتب شيئا عن ذاته دون أن يقصد ذلك، لكنّ أديبتنا د. روز هنا يبدو أنّها تعمّدت الكتابة عن شيء عاشته وعايشته، فقد علمت من مصادر موثوقة أنّها تمارس هي وزوجها وأبناؤها رياضة ركوب الخيل، بل إنّ ابنها حسام يحترف الفروسيّة ويشارك في سباقات الخيول، وأعتقد أنّه لولا هذه المعايشة لما استطاعت الكاتبة أو بالأحرى لما ورد في خاطرها أن تكتب عن الخيل والفروسيّة.
المضمون: بطل روايتها “فارس” ابن بلدة ترمسعيّا، الواقعة شمال رام الله، اشترى له والداه عندما بلغ الرّابعة عشرة من عمره فرسا عربيّة أصيلة اسمها “حسناء”، وكان التّخييل على فرسه هوايته ورياضته المحبّبة، وشارك في سباقات كان يفوز هو و”حسناؤه” فيها، غير أنّ تجّار الخيول من الّلصوص سرقوا فرسه بعد أن اطّلعوا على نجاحاتها في السّباقات، فسرقوها في ليلة ظلماء، ممّا أورثه حزنا شديدا نظرا للعللاقة المتينة الّتي ربطته بفرسه.
وذات يوم رأى على شاشة التّلفاز سباقا دوليّا للخيول، وشاهد فرسه “حسناء” تفوز وعلى ظهرها خيّال أوروبيّ، عرف لاحقا من خلال بحثه على “الإنترنت” أنّه بريطانيّ، فقرّر بعد أن أنهى الثّانويّة أن يدرس القانون الدّوليّ في إحدى الجامعات البريطانيّة، ليواصل البحث عن فرسه، وليعمل على استردادها، وبعد بحث ومعاناة استطاع معرفة المكان الّذي تتواجد فيه فرسه، واسم البريطانيّ الّذي اشتراها من الّلصوص، وشاءت الصّدفة أن يتعرّف على طالبة بريطانيّة تدرس الحقوق، فتحابّا، وعندما اصطحبته إلى بيتها، تفاجأ هناك بأنّها بنت مالك الحسناء الجديد، والتقى مع فرسة الحسناء المسروقة لقاء المحبّين، وقد أبدعت الكاتبة في وصف هذا الّلقاء، وأبدعت أكثر فأكثر عندما أنهت الرّواية هنا؛ لتبقي النّهاية مفتوحة؛ ليتخيّلها القارئ كيفما يشاء.
ويلاحظ من خلال السّرد مدى العلاقة المتينة التي تربط “فارس” بطل الرّواية بوالديه، ومدى ارتباط والديه به، فهما استجابا لرغبته بتعلّم الفروسيّة، وكان أحدهما يرافقه في فترة التّدريب، حتّى أنّ عدوى الفروسيّة وركوب الخيل انتقلت لهما، فصارا يركبان الخيول، وقد كانا يتشاركان عاطفيّا بمشاعر ابنهما فارس، وعلاقته بفرسه “حسناء”، كما لاحظنا أنّ فارس كان دائم التّواصل مع والديه وهو يبحث في لندن عن فرسه المسروقة، وهذا يضعنا أمام تساؤلات حول هذا الارتباط وعلاقته بالتّربية، وهل هذا في صالح الابن أم لا، أم أنّ الكاتبة انجرفت في نهر عاطفة الأمومة دون أن تنتبه لذلك؟
الأسلوب والّلغة: استعملت الكاتبة أسلوب السّرد الانسيابيّ، الّذي يطغى عليه عنصر التّشويق، وقد تركت شخوص روايتها يتحرّكون بحرّيتهم، وكانت تنتقل بسهولة عذبة من حدث لآخر بلغتها الفصحى الجميلة.