صوت كوردستان:
في خطوة تُظهر مستوى جديدًا من التنسيق غير المعلن بين هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني وتنظيم داعش ، يبدو أن التنظيم المتطرف يسعى إلى تقديم “عرض تمثيلي” للعالم، عبر تصوير وجود خلافات عميقة بين الجانبين. الهدف المعلن لهذه الخطوة هو محاولة إقناع الغرب وأمريكا بأن الجولاني وحكومته “معتدلون” و”أعداء لداعش”، مما قد يساهم في رفع العقوبات المفروضة عليهم وفتح المجال أمام التعامل الدولي معهم كحليف محتمل ضد الإرهاب.
مسرحية الجهاد المزعوم
كجزء من هذا السيناريو، نشر تنظيم داعش شريط فيديو يتهم فيه الجولاني وزعماء حكومته بالانحراف العقائدي والابتعاد عن الشريعة الإسلامية، معتبرًا ذلك “ذريعة” لإعلان “الجهاد” ضدهم. وعلى الفور، أصدرت وزارة الدفاع السورية التابعة لهيئة تحرير الشام بيانًا رسميًا تدعو فيه إلى التعبئة العامة ضد تنظيم داعش، في خطوة تبدو متفقة تمامًا مع ما جاء في الفيديو.
إجراءات الاستنفار
تزامنًا مع البيان، أصدرت قيادة جيش سوريا الحرة (الجناح العسكري للهيئة) تعميمًا إلى جميع الوحدات المنتشرة في البادية السورية، طالبت فيه بـالاستنفار الفوري تحسبًا لأي هجمات محتملة. وأكدت المصادر أن القرار صدر وتعمم على كافة الوحدات، مع رفع مستوى الجاهزية العسكرية في المنطقة. كما تم رفع حالة التأهب القصوى في وزارة الدفاع السورية التابعة للهيئة، وسط مخاوف من تنفيذ عمليات هجومية أو كمائن من قبل خلايا داعش النشطة في البادية الممتدة بين ريف حمص الشرقي ودير الزور.
بيان داعش: تهديد مباشر
جاءت هذه التحركات بعد ساعات فقط من بث تنظيم داعش بيانًا مرئيًا عبر منصاته الإعلامية، وجه خلاله انتقادات حادة لحكومة الرئيس السوري أحمد الشرع (المدعومة من هيئة تحرير الشام)، واصفًا إياها بأنها “تنحرف عن الشريعة”. كما توعد التنظيم بتنفيذ “تحركات ميدانية قريبة”، مما زاد من حالة التوتر في المنطقة.
هدف مشترك: إعادة تسويق الجولاني
بينما يبدو أن التنظيمين يتبادلان الاتهامات بشكل علني، إلا أن هذه الخطوة قد تكون جزءًا من استراتيجية أكبر تهدف إلى:
- إعادة تسويق الجولاني دوليًا: من خلال تصويره كخصم لداعش، يمكن للجولاني أن يعزز موقفه أمام المجتمع الدولي، خاصةً إذا نجح في إظهار أنه يواجه التنظيم الإرهابي الأكثر شهرة.
- رفع العقوبات: الولايات المتحدة والدول الغربية قد تعيد النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، إذا تم تقديمها كحليف محتمل ضد داعش.
- تعزيز شرعية حكومته: من خلال تصويره كمدافع عن “الإسلام الصحيح” ضد “المنحرفين”، يمكن للجولاني تعزيز شرعيته داخل المناطق التي يسيطر عليها.
مخاوف من تصعيد حقيقي
على الرغم من أن هذه الخطوة قد تكون مجرد مسرحية متفق عليها بين الطرفين، إلا أن هناك مخاوف من أن تؤدي إلى تصعيد حقيقي في المنطقة، خاصة مع وجود خلايا نشطة لداعش في البادية السورية. وإذا ما استغل التنظيم هذه الفرصة لشن هجمات فعلية، فقد يؤدي ذلك إلى سلسلة من الاشتباكات التي قد تخرج عن السيطرة.
الخلاصة
يبقى السؤال الرئيسي: هل هذه الخطوة مجرد تمثيلية متفق عليها بين الجولاني وداعش لتحقيق مكاسب سياسية؟ أم أنها بداية لتصعيد حقيقي قد يعيد إشعال الحرب في المناطق التي تشهد هدوءًا نسبيًا؟ في كلتا الحالتين، فإن السكان المحليين هم من سيدفعون الثمن الأكبر، سواء عبر التصعيد العسكري أو عبر استمرار الانقسامات السياسية.