الامن هو القوة ( نظريتنا الأمنية)- عبدالله جعفر كوفلي/ باحث اكاديمي

 

مع تعقيب الاستاذ يونس عبدالعزيز على نظريتنا

٢٠٢٥/٤/٢٤

لكلّ انسان وجهة نظر مختلفة عن الآخرين وهذا من سنن الله في الحياة ودليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان وأبدع.

جميع النظريات في العلوم المختلفة التي تشكل أسساً واضحة للعمل به كانت من وحي فكر الإنسان وعمله الدؤوب وإيمانه بأنه بهذا يخدم الإنسانية ويساهم في تقدم البشرية وتحقيق أهدافها في التنمية والإزدهار ، إن السمة الرئيسية المشتركة في كل هذه النظريات أنها لا تصلح لكل الأزمان والمجتمعات وان صلاحها تكون لمدة زمنية معينة ويجب أن يجري عليها العمل والإصلاح للتعديل والتطوير من أجل إطالة عمرها وغالباً ما يأتي من بعد صاحبها أناس آخرين بافكارهم للإضافة عليها وهكذا.

كوننا واحدًا من أصحاب فكر وقلم نرى من حقنا ان يكون لدينا نظرية ورؤية خاصة بنا في مجال اختصاصنا الذي هو المجال الامني مع علمنا باليقين انها لا تسلم من النقص عسى أن يأتي من بعدنا من يطوّرها لإطالة العمل بها او ان يأتي الوقت المناسب أن نزيد عليها.

مختصر نظريتنا ان ( الأمن هو القوة)

فالأمن حاجة ضرورية من أجل حياة سعيدة، هناك علاقة قوية ومباشرة بين الأمن والقوة، فلا يمكن تصور الاستقرار والأمن في اية منطقة تتسم بالضعف والهوان حكومةً وشعباً لأنها لا تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، أما الكيان القوي حكومةً وشعباً يكون قادراً على تحقيق الاستقرار والسلام والوقوف بوجه مختلف التحديات والأزمات والتحولات.

تطرق الباحثون والخبراء إلى أهمية دور القوة في تحقيق الامن منذ أمد بعيد ووضعوا نظريات مهمة من نواحي مختلفة، منهم من ربط الأمن بالقوة العسكرية وآخر بالقوة الاقتصادية وثالث بالقوة الاجتماعية وهكذا وفي الوقت الحالي تم ربط الأمن بالقوة التكنولوجية الحديثة والسيطرة على الفضاء والامن السيبراني.

كل هذه النظريات خدمت الإنسانية ولا تزال ولكنّ التطور الحاصل في العالم يفرض الإتيان بالجديد لأنها لم تعد هذه النظريات قادرة على مواجهة التحديات الحالية واستيعاب الوضع الراهن او ان قسماً منّها أثبتت فشلها بشكل او بآخر، على سبيل المثال لا الحصر فإن من ربط الأمن بالقوة العسكرية وحدها أثبتت انهيار الاتحاد السوفيتي السابق فشلها لأنه كان يملك ترسانة عسكرية كبيرة، كذلك من ربط الامن بالقوة الاقتصادية فقط أثبت فشله ايضاً لأنها لم تكن قادرةً على حماية امريكا منّ الهجمات الارهابية في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ بالرغم من كونها قوة اقتصادية عظمى، من جانب آخر ان القوة السياسية وحدها لأنظمة الحكم في عدد من الدول العربية لم تستطيع ان تحقق الأمن لمواطنيها والوقوف بوجه المظاهرات والتغيير خلال فترة الربيع العربي عام ٢٠١١.

أن القوة التي نقصدها وجعلناها اساساً لنظريتنا الأمنية هي القوة بمفهومها الشامل والواسع بحيث يشمل كل جوانب الحياة منها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والصحية والصناعية والتعليمية وغيرها، لان امن اية دولة وكيان سياسي عبارة عن منظومة متكاملة وشاملة ومترابطة، فهي تشمل الامن القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والصحي والصناعي والتعليمي وغيرها وان المساس باي واحد منه سيؤثر سلبا  على الأجزاء الاخرى، ولنا في الاجراءات الأمنية المتخذة في فترة إنشار فايروس كورونا كوفيد ١٩ والإعلان عن منع السفر والتجول والبقاء في البيوت من أجل حماية الأمن الصحي كيف أثّرت على الامن العام بجوانبه المختلفة.

من ناحية أخرى فإن الأمن الداخلي لأية دولة لا يكون قوياً إذا كان الأمن الخارجي ضعيفاً والعكس ايضاً لوجود ترابط بينهما ولا يمكن فصلهما عن بعض.

مختصر نظريتنا للأمن هو من أجل تأمين الأمن لأية دولة أو جهة لابد ان يكون قوياً من جميع النواحي والمجالات داخلياً وخارجياً، اي أن يكون المجتمع متجانساً ومتعايشاً والنظام السياسي عادلاً والاقتصاد مزدهراً والتعليم متوفراً والصحة العامة مؤمناً والبيئة نظيفةً والصناعة متطورةً والثقافة والأعراف مصونةً والعلاقات الاقليمية والدولية متوازنة ومتفاعلة، حينها يكون الأمن مستقر ومستدام وإذا ما حدث اي اختراق امني سرعان ما يمكن السيطرة عليه لان الامن ليس مطلقاً بل هو نسبي.

اذاً الأمن والقوة مفهومان مترابطان ومتداخلان، فمن يكون قوياً يكون آمناً ومن يكون آمنا يكون قوياً لأنه أساس لكل تقدّم وتطور.

رأينا هذا  لا يسلم من النقصان لأن الكمال لله وحده ونستقبل كل الاراء بصدر رحب وهذا لا يعني أنه رأينا النهائي والأخير بل قد يأتي الزمن الذي نضيف إليه شيء آخر أو نعدله ونأتي بجديد طبقاً لمراحل الحياة القادمة إذا شاء القدر.

 

صديقي العزيز الأستاذ عبدالله،

قرأت مقالك القيم “الأمن هو القوة” بكل تقدير وإمعان، فوجدت فيه رؤية ناضجة ومتكاملة تعبّر عن عمق تفكيرك وسعة اطلاعك.

لقد لامستَ بجسارة واحدةً من أهم القضايا الحساسة للدول والمجتمعات، وهي العلاقة العضوية بين الأمن والقوة، ولم تكتف بطرح نظري بل قدّمت نموذجاً متماسكاً لنظرية يمكن البناء عليها وتطويرها.

لفت نظري في طرحك تلك الشمولية في تعريف “القوة”، فلم تحصرها في بعدها العسكري أو الاقتصادي فقط، بل وسّعتها لتشمل أبعاداً ثقافية، صحية، بيئية، اجتماعية، وتعليمية، مما يؤكّد إدراكك العميق للطبيعة المترابطة للأمن الشامل. لقد عبّرت عن حقيقة لا غنى عنها في عالمنا المعاصر، وهي أن هشاشة أي ركن من أركان المنظومة المجتمعية قد تُضعف الأمن بكامله.

كما راقني تواضعك العلمي في الإشارة إلى أن هذه النظرية لا تسلم من النقص، وأنها مفتوحة للنقد والتطوير، وهذا في حد ذاته سمة الباحث الحقيقي، الذي يدرك أن الفكر حيّ لا يتوقف عند حدّ، بل يتجدد بتجدد الزمان وتغير الأحوال.

أهنئك على هذا الجهد الفكري المتميز، وأرجو أن يكون نواةً لحوار أوسع يُثري الفهم الأمني الحديث في مجتمعاتنا.

دمتَ مبدعاً ومخلصاً في خدمتك للمعرفة.

مع تحياتي وتقديري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *