صدُم العالم بخبر رحيل نصير الفقراء الصادق والمدافع صوالذي أدهش الغالبية العظمى من من يديرون المؤسسات الدينية لجميع الأديان السماوية وغيرهـا … أني على علم اليقين بأنه بعد رحيله الأبدي ستشحذ الأقلام وتختلق الروايات وتكتب السيناريوهات عنه وعن حياته وسيرته وستمتلئ صفحات الجرائد والمجلات بالمقالات وكذلك مسطحات المواقع الأليكترونية كلاٍ محاولة الترويج لبضاعتها وزيادة مبيعاتهـا أو متابعيهـا ، وعله من يرى في موت البابا فرصة لصعوده وأبراز نجمه من خلال قلمه ليقدم بضاعته عله يحصل على مكانة يعتاش منهـا ويسترزق .
في حقيقة الأمر أن الغالبية العظمى لمن يكتبون عن شخصية البابا فرنسيس لم يكتبوا عن فكره وعن كفاحه أو معاناته الحقيقية منذ كان شابا يافعـا لمى ابتلى به من أمراض الرئة وضعف الكلوي وغيرهـا لغاية أستخدامه الكرسي المتحرك .
في الحقيقة ما كان يشغل الراحل الكبير هو العالم أجمع وما عليه من أحياء من البشر ووالشجر والحيوانات ولهذا في أول أستلامه لكرسي البابوية وهو أرفع منصب لرجل دين يقود أكثر من مليار ونصف من المؤمنين كان قد طرح نهجه الأصلاحي وتبنيه فكر متجدد مما سميّ بالثورة الأصلاحية في الكنيسة ومؤسسات التابعة لهـا وبالأخص حين فتح صندوق فضائح الفاتيكان وكم كان البابا متألمـا لما وجد فيه من فساد قاد ثورة الأصلاح والتجديد بقوة وإرادة واجهت الطرف المتشدد من رجال الدين المتحكمين حيث قام بتشكيل مجلس أستشاري متكون من ثمانية كرادلة ومهمته مراجعة إدارة الكوريا الرومانية ( تعريف بالكوريا الرومانية منقول من الويكيبيديا )
[الكوريا الرومانية هي الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد البابا في الفاتيكان على إدارة مهامه المختلفة، ويعتبر البابا نفسه رئيسًا للكوريا، وهو من يعيّن أعضائها ويعفيهم حسب مصلحة الكنيسة. كانت الكوريّا تتألف من سبعين كاردينالاً فقط غير أنه مع تزايد عدد أتباع الكنيسة الكاثوليكية حول العالم وكذلك اتساع رقعة انتشارهم، قام البابوات يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس ويوحنا بولس الثاني بتوسعة العدد حتى استقر على 120 كاردينالاً ناخبًا، أي أقل من الثمانين من العمر، وحاليًا إلى جانب الكرادلة، هناك عدد من الأساقفة والقسس من ذوي لقب «خور أسقف» يخدمون في بعض أجهزة الكوريا الصغيرة] من يرغب في المزيد يعود إلى الويكيبيديـا .
وهنا أوجز بعض ما ميز أبو الفقراء ، البابا فرنسيس يتمتع بشجاعة غير مسبوقة وقلمـا تمتع بها رجل دين وهو الذي يحكم مؤسسة دينية غنية جدا وعتيقة تعتبرالأقوى تنظيمـا تاريخيا … فهو لم يتوانى عن الأفصاح عن رغباته في قول الحقيقة والتعامل بصدق وسط عتاة الكرادلة المتمرسين مع الأداررات المتجذرة فيهـا البيروقراطية والأرستقراطية اليمينية الممنهجة … فكان بكل شجاعة يطرح كل ما يخص الشأن الأنساني والخاص بالغالبية العظمى من البشر الفقراء والمعدمين والمستضعفين وحقهم بالوجود والعيش الكريم عل الأرض و هو الذي كشف الأنتهاكات الأخلاقية التي مورست ضد أطفال . نعم كان البابا قد وقف بكل جدية وأيجابية مع موضوع المهاجرين والمهجرين عنوة كاشفا عن جرائم تجار البشر ومجرمي الحروب ….و داعيا بقوة للسلام وأيقاف الحروب . كان جريئ في طرح أرائهُ وأفكاره في إحداث التغير والتجديد في الكنيسة الكاثوليكية . ومن الجانب الأخر كان سياسيا متميزا منحازا للفقراء العالم مناديا بالعدالة الأجتماعية . الراحل كان داعمـا ونصيرا للمرأة في العالم ولم يمانع من حصولهـا على المناصب الدينية الرفيعة . نصيرا قويا للعلمانيين ومدنية الحياة العامة … وكذلك منفتحا بقوة للأخر المختلف معه دينيا ومذهبيا وعلى نطاق العالم بأسره ( والجميع يتذكر لقاءاته بالمراجع الأسلامية المختلفة )، جاهد بحزم وبصدق في مكافحة الفساد والفاسدين وأعلن عنهـا بجرأة ومقدرة . أمـا تواضعه الجم وزهده المتميز فلا لبس فيه في حياته العامة والخاصة … وجاهد بقوة في أعطاء كل ذي حق حقه . لقد أراد البابا فرنسيس توثيق مراحل حياته بمرهـا وحلوهـا وجائت اصدارات له حيث أصدرالعديد من الكتب منهـأ قصتي عبر التأريخ ، رحلة الأمل ، ولنحلم… والذي ضمّ نأملاته وأفكاره وأراءه في التجديد .. وأمور في السيرة الذاتية لرجل كافح وبقوة من أجل الأنسانية في مختلف مراحل عمره . في يوم وداعه في السادس والعشرين من أبريل 2025 دخل التاريخ من واسع أبوابه وسيذكره العالم بأسره لخصاله وتفانيه وعدالته وداعـا … بوركت أيهـا القديس أبو الفقراء
الخلاصة القول والدروس : – هل سيتعض من يدعون بأنهم رجال الدين والمؤمنين من سيرة هذا الرجل … كل ما أتمناه أن يراجع رجال الدين في عالمنا الشرق أوسطي الأسلامي والمسيحي ذاتهم ويعيدوا حساباتهم عله يخفر لهم شعوبهم والله من بعدهم ذنوبهم وخطاياهم وما أقترفوه … هلسيحتذون بأخلاق وتواضع وأنسانية وزهد اللامتناهي للبابا الراحل .. والذي تارك الوجاهة والمال وفخامة العيش والتكبر والتعالي على الأخرين من أجل أن يكون ملتزمـا بمبادئ وأفكار ووصايا يسوع المسيح عليه السلام .
أغلبنـا شهود على ما يجري في أوطاننـا المبتلاة بوقائع مرة ومحزنة من ممارسات أغلب رجال الدين المتحكمين المتسلطين المتكبرين المتعالين والمستحوذين على الدنيا وملذاتهـا لاهثين خلف الكراسي والمناصب والثروة والمال والوجاهة مستخدمين سلطاتهم في السيطرة على المستضعفين والفقراء البائسين بتعبئة عقولهم بكل أنواع الخرافات والخزعبلات و زرع الكراهية والأحقاد بين الناس وتعميق التخلف في عقولهم ويبقون هم يعبثون في الأرض فسادا وظلمـا وبؤسا . .. سلامـا لمن يتعض .
في 25- أبريل 2015