٢٦\٤\٢٠٢٥
عند بدء مؤتمر وحدة الصف و الموقف الكوردی فی مدينة قامشلی یوم السبت الموافق ٢٦\٤\٢٠٢٥ أصابني الهلع وعانیت الفزع فی بداية الأمر عندما رأیت فی البث المباشر علی جميع قنوات التلفزيون فی الإعلام الكوردستانی یسود الفوضى فی قاعة إنعقاد المۆتمر قبل البدء بمراسیمه. حیث أظهرت جميع القنوات بوضوح للعالم أجمع كیفیة تنافس مراسلي الهيئات الإعلامیة بأجهزتهم و صراخهم علی بعضهم البعض وسماع شغب أصواتهم العالية فی صراعهم لحل أماكنهم قریبة من المسرح من جهة وتسابق ممثلی الأحزاب والضيوف الوافدين من أقلیم كوردستان العراق “باشور” واصطدامهم بمۆیدی الإدارة الذاتیة فی شمال شرق سوریا “روژئاڤا” فی محاولة إحتلالهم لكراسی الصفوف الأمامية فی قاعة المؤتمر. بينما ظهرت الرئیسة المشتركة للعلاقات الخارجية فی الإدارة الذاتیة “إلهام أحمد” تتماشى بهدوئها المعروف وإبتسامتها المعهودة لترحب بالوافدین من جیع الجهات و من مختلف الثقافات فی كل حدب و صوب. فصرت أتسائل مع نفسی كیف للمؤتمر أن ینجح فی لم ثقافتين مخالفتین فی روژئاڤا و باشور؟ و أصبحت أنتقل بین محطة و أخرى فی قلق و إرتباك خوفا من فشل المؤتمر قبل إنعقاده.
و بعد قليل نجحت فی تهدئة نفسی عندما راجعت تصوری لنموذج روژئاڤا عابرا للأزمات، فرأیت الفوضى التي سادت فی بداية إنعقاد المؤتمر تحديا جديدا لهذا النموذج الذی إستضاف هذا المؤتمر بعد جهد جهید، فأظهر فیه البراعة فی الصمود والإبداع فی الپراگماتیة والمرونة وضبط النفس فی عملية التحضير للمؤتمر الذی یرتقبه الكورد فی جمع أنحاء العالم ویبنی عليه المخاوف و الآمال. وقد ظهر للعيان من خلال الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعی كیف قامت قيادات الإدارة الذاتیة بمؤسساتها العسكرية والسیاسیة والإداریة بالتواصل مع جميع القيادات والأحزاب الكوردیة فی سوريا، كما فی الأجزاء الأخرى من كوردستان، والحوار معهم حول محور جمع الكلمة فی مطالب مشتركة لتقديمها فی مفاوضاتها مع القيادة الموقتة فی دمشق. وقد حاولت الإدارة الذاتية أن تستغل هذه الفرصة التي توفرت فی سوريا بعد هروب بشار الأسد و سقوط نظام حزب البعث العربي الإشتراكی فی سوریا ومجئ نظام جديد مشكوك فی أمره يظهر عليه الضعف أمام حریة الفرد، وبالأخص حریة المرأة، و عدم إحترام حقوق الإنسان فی المساواة و التعددیة و إختلاف الثقافات، فظهر فی هذا الإصطدام الواضح بین ثقافة قديمة مبنية علی التطرف والعنف و إنكار الرأي المخالف وأخری بعكسها جديدة تتخذ السلم مسلكا والپراگماتیة مذهبا وقبول الرأي المخالف فی دیموقراطیة تعددية هدفا مشتركا للجميع. تظهر الثقافة الأولی بوضوح فی شخصية الفرد فينا التي بنيت تحت ظل الإستعمار والإحتلال والجهل والتأخر. أما الثقافة الثانية فهی التي إستوعبها نموذج روژئاڤا فی الإدارة الذاتیة بعد أن تربت الأجيال منها علی فلسفة “المقاومة هی الحیاة” و تحت شعار “المرأة-الحیاة-الحریة”، تلك الفلسفة التي تتماشى مع نتائج العلم الحدیث فی تكوین الشخصية السليمة.
والجديد أيضا فی هذه الثقافة التي یتبناها نموذج روژئاڤا أنها تمیل الآن إلی نشر برنامجها التعددی فی كل أطراف سوریا وكذلك فی لم الكورد مع المكونات الأخرى فی نظام إجتماعي إداری بالإعتماد علی الذات والثقة بالنفس والشعور بالمسۆلیة تجاه الشعب والوطن. فلیس من الغريب أن يكون نموذج روژئاڤا قادرا علی ضم التناقضات فی هذا المؤتمر لیأتی بالمعجزات بعد أن أثبت أنه عابر للأزمات.
فهدأت نفسی بعد حین وشعرت بالأمان عندما صعدت إلهام أحمد علی المسرح لتعلن إفتتاح المؤتمر، فعم الهدوء واستتب السكوت عندما دعت الواحد تلو الآخر من المتحدثين الذين ركزوا فی كلماتهم علی أهمیة دعم القائدين البارزانی واوجلان لهذا المۆتمر كل عن طريق مندوبه، فنالوا بالتساوي تصفيق الجماهير. عسی أن يكون المؤتمر بادئ خیر یجمع فیه نموذج روژئاڤا بین جميع الثقافات المتناقضة لیصنع من الفوضى نظاما جديدا ينتج من التناقضات معجزات ومن الأزمات إنتصارات لم یحدث لها فی التأریخ نظير.