تحركات الجولاني العسكرية نحو سد تشرين: هل يُجهض الجولاني الاتفاق مع “قسد” ويفجر حربًا جديدة في سوريا؟ – هشام عقراوي

تعد الخطوة التي أقدمت عليها حكومة الجولاني بإرسال قوات عسكرية إلى محيط سد تشرين في شمال سوريا، مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الوطني الكردي في مدينة القامشلي، مؤشرًا على تصعيد سياسي وعسكري قد يعيد رسم ملامح الصراع في البلاد. تحليل هذه الخطوة يتطلب فهم نوايا الجولاني وأهدافه، خاصة في ضوء التطورات السياسية الأخيرة المتعلقة بالمكونات القومية والمرأة والديمقراطية في سوريا.


خلفية المؤتمر الكوردي ونتائجه

المؤتمر الوطني الكوردي الذي عُقد في القامشلي كان حدثًا تاريخيًا، حيث اتفقت كافة القوى الكوردية لأول مرة على مطالب مشتركة، منها:

  • ضمان الحقوق القومية للكورد ضمن إطار سوريا ديمقراطية متعددة.
  • صيانة حقوق المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.
  • بناء نظام سياسي يقوم على التعددية والديمقراطية.

هذا الاتفاق، الذي جاء بعد سنوات من الانقسامات الداخلية بين الأحزاب الكوردية، يعكس رغبة جماعية في تحقيق تطلعات الشعب الكوردي ضمن إطار سوريا الجديدة. ومع ذلك، فإن هذا الإنجاز السياسي يبدو أنه لم يلقَ ترحيبًا من حكومة الجولاني، التي تعتمد أيديولوجية إسلامية متطرفة لا تعترف بحقوق القوميات أو المكونات الأخرى في سوريا.


نوايا الجولاني: استهداف الحقوق والمكتسبات

  1. إنكار الحقوق القومية :
    حكومة الجولاني تخفي تحت شعار “المواطنة السورية” نهجًا يهدف إلى إنكار الحقوق القومية للكورد وغيرهم من المكونات. إذ أن خطابها السياسي يعتمد على رفض التنوع الثقافي والقومي في سوريا، ما يجعلها غير قادرة على التعايش مع مطالب مثل الفيدرالية أو اللامركزية.
  2. معاداة حقوق المرأة :
    الجولاني يقود هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) التي تتبنى أيديولوجية متطرفة لا تعترف بحقوق المرأة أو المساواة بين الجنسين. وبالتالي، فإن المطالبات الكوردية بصيانة حقوق المرأة تعتبر تهديدًا مباشرًا لنظامه الاجتماعي المحافظ.
  3. رفض الديمقراطية والتعددية :
    الجولاني لا يؤمن بالديمقراطية أو التعددية، وهو ما ظهر جليًا في عدم استشارته لأي جهة سياسية داخل سوريا قبل فرض هيمنته. كما أنه يستخدم الحجج الواهية، مثل وجود السوريين خارج البلاد، لتبرير عدم إجراء الانتخابات، بينما يسعى في الواقع لفرض نظام استبدادي يشبه النظام السابق.

إعادة النظر في الاتفاق مع “قسد”

إرسال القوات العسكرية إلى محيط سد تشرين يشير إلى أن الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحكومة الجولاني قد تم تعليقه أو إنهاؤه. ويبدو أن هذا القرار جاء ردًا على البيان الختامي للمؤتمر الكوردي، حيث ترى حكومة الجولاني أن مطالب الكورد تشكّل تهديدًا لسلطتها المركزية.

كما أن الجولاني طلب مساعدات عسكرية من تركيا وروسيا، مما يعزز الاحتمالات بأن تحركاته ليست مجرد استعراض قوة، بل ربما تكون بداية لعملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف السيطرة على السد واستراتيجيات المياه في المنطقة.


التدخل الأمريكي وتعقيد المشهد

في الوقت نفسه، قامت الولايات المتحدة بإرسال قواتها من دير الزور إلى الحسكة وحدود سد تشرين، في خطوة تشير إلى ارتفاع مستوى التوتر في المنطقة. هذا التحرك الأمريكي يعكس قلق واشنطن من احتمال حدوث تصعيد عسكري قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في شمال سوريا.

ومن جهة أخرى، أرسلت الفصائل السورية الموالية لتركيا تعزيزات عسكرية أيضًا إلى محيط السد، مما يزيد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي. هذه الخطوة قد تكون محاولة تركية لاستغلال الوضع الحالي لتوسيع نفوذها في الشمال السوري.


رسالة تهديد واضحة

إصرار حكومة الجولاني على التصعيد العسكري يأتي كرسالة تهديد واضحة للكورد وقوات سوريا الديمقراطية. فهو يحاول إظهار أن أي مطالب سياسية أو حقوقية ستواجه بقوة السلاح، وليس عبر الحوار أو التفاوض.


السيناريوهات المحتملة

  1. تصعيد عسكري :
    إذا استمر الجولاني في حشد قواته وشن هجوم على السد، فقد يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق بين قواته وقسد، مع احتمال تدخل أمريكي أو تركي.
  2. مفاوضات جديدة :
    قد تحاول الأطراف الدولية الضغط على الجولاني للتراجع عن التصعيد، والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الكورد وقوى المعارضة الأخرى.
  3. انهيار الهدنة :
    إذا لم يتم التوصل إلى تسوية، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الهدنة الهشة في شمال سوريا، وإعادة إشعال الصراع على نطاق أوسع.

الخلاصة

تحرك الجولاني نحو سد تشرين يعكس استراتيجية تقوم على القوة والتهديد، وهي استراتيجية لا تتناسب مع التطلعات الوطنية والسياسية للشعب السوري. فشل الجولاني في التعامل مع المطالب المشروعة للكورد وقوى المعارضة الأخرى يشير إلى أنه يسير على خطى الأنظمة الاستبدادية السابقة، مما يجعل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا أمرًا بعيد المنال.

يبقى السؤال: هل ستتمكن الأطراف الدولية والإقليمية من ضبط التصعيد ومنع انزلاق سوريا نحو حرب جديدة؟ وهل سيكون هناك دور فعال للكورد وقسد في الدفاع عن مكتسباتهم السياسية والعسكرية أمام تهديدات الجولاني؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *