٢٩\٤\٢٠٢٥
لا یخفی علی أحد بأن الكورد سلكوا دربا جديدا فی سوریا مقارنة بالجبهتين المتحاربتين منذ إندلاع ثورة الشباب فیها أسوة بمعظم الدول العربیة في سنة ٢٠١١. سمی هذا الدرب الجديد بالخط الثالث مقارنة بالخط الأول الموالي لحكومة حزب البعث العربي الإشتراكی بقيادة الأسدين (حافظ تلاه إبنه بشار)، والخط الثاني المعارض لذلك الحكم شمل جميع الأطراف المعارضة التي كونت تحالفات أقلیمیة و دولیة قامت بإستغلالها لمصالحها الخاصة فزودتها بالدعم العسكری والسیاسی والإقتصادی كلما لزم الأمر ذلك لكی تبقی علی إطاعتها وولائها لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذی أدی إلی تدخل القوی الخارجية فی شۆۆون سوریا الداخلية ومنها حصلت تركيا علی حصة الأسد فی تلك التدخلات. فكان من الطبیعی أن. تسيطر تركيا علی زمام الأمور لتلك المعارضة التي ذهبت بقياداتها إلی تركيا بينما إستمرت فی دعم میلیشیاتها داخل سوریا لتحارب نیابة عنها فإستمر القلق والفوضى داخل سوریا مما أدی إلی عدم الإستقرار وفقا لمصالح تلك القوی وليس تبنيا لمصلحة السوریین أنفسهم.
خلافا لنهج هذين الخطين المدمرين، خط حكم الأسد و خط المعارضة، تكون الخط الثالث فی المنطقة الكوردیة فی سوریا (غرب كوردستان = روژئاڤا) الذی تميز منذ البداية بحیادیته من الجهتين المحاربتین و تكوينه لإدارة ذاتية إنبثقت من جماهير المنطقة معتمدة علی قابلياتها الذاتیة المتكونة من أفرادها الذين تربوا علی فلسفة “المقاومة هی الحیاة” و تحت شعار “المرأة-الحریة-الحیاة”. فأخذت هذه المنطقة تتمتع بحكم ذاتی شبه مستقل جلب الهدوء والإستقرار للمنطقة بعيدا عن السياسات الداخلية والخارجية فی سوریا و حریصا علی حمایة نفسه بمقاومته ضد التدخلات التي أرادت النيل منه. فصار الإنخراط فی هیئاته المختلفة هدفا للشباب الواعي فی المنطقة وأصبح الأمن والاستقرار صفة مميزة لهذا النظام الإداری الفريد من نوعه، حیث تنافس فیه الأفراد علی الانضمام إلی هيئاته التي إنتخبت من قبل أهالي المنطقة من جميع القوميات والأديان واللغات وبمساوات بین المرأة والرجل فی تولی المسۆولیات فی جميع الأجهزة والمؤسسات فأخذت منطقة الإدارة الذاتیة بالتوسع تدریجیا إبتداءا من مدينة “قامشلی” علی الحدود العراقية\التركیة حتی مدينة “عهفرین” علی الحدود التركية فی شمال غرب سوریا. وأدى الأمن والاستقرار فی المنطقة إلی جلب الأصدقاء و الاعداء معا للتنافس علی عقد الاتفاقات والعقود الإقتصادیة والعسكرية والسیاسیة انطلاقا من مصلحة الشعب فی منطقة الإدارة الذاتیة دون أن تمس بمصلحة أیة جهة أخرى إذا لم تتعارض مصالحها مع مصلحة شعوب المنطقة. فتعاونت الإدارة الذاتیة مع السلطات الحكومية الرسمية فی الدولة السوریة فی قضايا الشۆۆن المدنية وكذلك فی إدارة المطارات والشركات النفطية علی سبل المثال. فكانت مدينة “قامشلی” متقاسمة بین الإدارة الذاتیة من جهة والدولة السوریة والقوات الروسية والحلفاء الغربیین من جهة أخرى عندما لجأت إلی قوات سوریا الدیموقراطیة “قسد” وطلبت منها المساعدة فی محاربة “داعش” نظرا لما أبدتها فتیات وفتيان قسد من بسالة وجرأة فی الصمود أمام قوی الشر من أی طرف كان. نتيجة لإستبباب الأمن والاستقرار فی مناطق الإدارة الذاتیة توسعت المنطقة لتشمل أكثر من ٣٠% من مساحة سوریا فتكون نتیجة لذلك نموذجا إداريا متكاملا نال إعجاب العالم أجمع وتوافدت عليها زيارات المتضمانین والمۆیدین والمتحالفین مع هذا النموذج الذی نال بإستحقاق تسمية “نموذج روژئاڤا” سادت فيه قیم الدیموقراطیة و حقوق الإنسان بدءا بحریة الفرد وتعدد الأديان والأقوام واللغات وتعايشها فی سلم وأمان یتم الدفاع عنها بصورة مشتركة بین الجميع علی أساس المساواة فی كافة المیادین والأطراف. فأصبح هذا النموذج محل ثقة كل من تعرف عليه وصار ينتقل من نصر إلی نصر بعد مروره بكل أزمة تعرض لها، الأمر الذی جعلنا نسميه عابر الأزمات.
عندما نلقى نظرة علی نموذج روژئاڤا من زاوية نفسیإجتماعیة نلاحظ بأن قوة هذا النموذج تكمن فی إستقلالیته فی سوریا موحدة وليس إنفصاله عنها. فلا یحمل هذا النموذج فی طياته أو منهجه تقسيما لسوریا ولا یكن حقدا أو كراهية لقومية أو طائفة أو دیانة أیا كانت وذلك لكونه یحوی فی صفوفه جميع أطياف الشعب السوری. وهذه التعددية هی التي تساعد فی نشر الإستقرار عندما یشعر الجميع بالشراكة فی جميع الأمور، فلا مجال للشك والریبة ولا فرصة لزرع الفساد أو المنسوبیة أو الانقسام، حیث تبدأ هرمیة الحكم والسلطة من القاعدة نحو الأعلى وليس العكس كما هو الحال فی السلطات العنصرية والشوفینیة والدكتاتوریة. ویعم الأمن والاستقرار عندما یشعر المرء فی أسفل الهرم بالأمن والإطمئنان فيشعر بالمسۆلیة تجاه الشعب والوطن لیحمیها بوسائل سلمية ويدافع عنها بمقاومة سلمية لكونه يحمل شخصية سلیمة مسالمة. هكذا یمكن لنموذج روژئاڤا أن يكون قدوة تقتدي بها جميع مناطق سوریا الجديدة لكی ینعم الشعب بإستتباب الأمن والإستقرار وهو أهل لها. عسی أن یمتد نموذج روژئاڤا إلی مناطق أخرى فی الشرق الأوسط لیصبح ما سمیناه “ الشرق الأوسط الأمين “.