عند سماعي لهذا المصطلح ( العقيدة النووية ) للمرة الأولى على لسان مسؤول روسي رفيع ، فهمت حينها القصد هو نوع من أنواع إستعراض القوة بأن روسيا إذا تعرضت وجودها للخطر فأنها ستكون مضطرة لإستخدام السلاح النووي كحل أخير لبقاءها كدولة قائمة على وجه الأرض ، حتى قال يومها الرئيس الروسي لا حياة على الأرض بلا روسيا ، هذه التصريحات جاءت في وقت كانت القوات الروسية تعاني من هزائم متتالية على كافة جبهات الحرب مع أوكرانيا ، بعدها نشرت وكالات الأنباء هذا الخبر و أطلقت عليه مصطلح العقيدة النووية الروسية ، بمعنى أخر أن العقيدة النووية الروسية هي عقيدة دفاعية ردعية الغرض منها الحفاظ على الوجود وهي أخر الحلول إذا كان مصير الدولة على حافة الهاوية ، لم نسمع قبلها أية دولة نووية تتحدث عن العقيدة النووية ، فكل الدول النووية تحتفظ بالترسانة النووية لأغراض دفاعية ولم نسمع دولة نووية هددت بأستخدام الأسلحة النووية للتأديب أو للإحتلال حتى إسرائيل الدولة النووية التي تحتفظ بقنابل نووية يزيد عددها عن المئتين قنبلة حسب تقديرات أجهزة المخابرات الدولية لم نسمعها تهدد في يوم من الأيام باستخدام ترسانتها النووية ضد أية دولة رغم تعرضها لتهديد الإزالة والمحو والرمي بالبحر ، إذاً فكرة طرح العقيدة النووية هي فكرة استعراضية ليس لها وجود ، ليس هناك شيء أسمه العقيدة النووية ، فالمسؤول الروسي الذي ذكر مصطلح العقيدة النووية الروسية الدفاعية أشبه ما تكون بالنكتة ، أكيد إذا تعرضت روسيا كدولة لخطر الزوال ، هل ستقوم بتحويل ترسانتها النووية إلى لعب للأطفال ؟ أم ستحتفظ بترسانتها ليوم الميعاد ، بلا شك ستستخدمها للردع لكن الإعلام يحب تضخيم الأشياء ومشاغلة الرأي العام وليس في الأمر غرابة ، أما الغرابة أن هذا المصطلح ( العقيدة النووية ) أصبحت بعض الدول غير النووية تستخدمها بشكل غريب ، فكل منها تتحدث عن العقيدة النووية لبلادها ، مثلاً المرشد الإيراني أعلن بأن عقيدة إيران النووية أن لا تمتلك سلاح نووي ، كيف ؟ إذاً لماذا التخصيب العالي لليورانيوم ؟ ولماذا تسميه عقيدة نووية إذا لم تنوي صنع سلاح نووي ؟ كلام غير مفهوم ، قبل أيام مسؤول باكستاني يقول على الحكومة الباكستانية أن تزيد من قدراتها النووية بمستوى غريمتها دولة الهند وقال هذه ستكون عقيدة الباكستان النووية مستقبلاً ، الهند اليوم تنافس أمريكا والصين في الفضاء وفي الصناعات الدوائية وفي الطب والتكنلوجيا ولها قوة اقتصادية كبيرة حتى أنني قبل أيام قرأت تقريراً اقتصادياً أمريكياً يقول بأن نساء الهند وحدهن يمتلكن تقريباً 11% من مقدار الذهب في العالم ، فبدل أن تقوم الباكستان بمنافسة الهند العظمى صناعياً وتكنلوجياً وطبياً تذهب لمنافستها نووياً مع العلم أن الباكستان تعتبر من الدول الفقيرة اقتصادياً وفيها صراعات طائفية وحزبية كبيرة . حسناً لو أمتلكت الباكستان اليوم ألف قنبلة نووية ماذا بعدها وهي قد استنزفت كل قدراتها الاقتصادية لأجل التجارب والسلاح النووي ولا ننسى بأن الباكستان لحد اللحظة تعتبر من الدول النامية . . من الأشياء التي لا يفهمها قادة ومفكروا دول العالم الثالث بأن تطور البلد يجب أن يكون شاملاً لجميع جوانب الحياة بنفس الخطوات وليس لجانب على حساب جانب أخر ، الفن والرياضة والصحة والصناعة والزراعة والعلوم الطبيعية والخدمات سلسلة مترابطة ببعضها أحداها تكمل الأخرى .. السبب الرئيسي لأنهيار الأتحاد السوفياتي السابق ليس ضعفها العسكري بل العكس قوتها العسكرية كانت سبباً رئيسياً لأنهيار الاتحاد السوفياتي ، عندما بدأ الأقتصاد السوفياتي يترنح بسبب الصرفيات الأقتصادية الهائلة للقطاع العسكري على حساب القطاعات الأخرى تسبب بإخلال كبير بمنظومة الحياة الاقتصادية مما أدى أن تقوم القيادة الروسية في زمن الرئيس السوفياتي الأخير غورباتشوف بطرح مفهوم البيرسترويكا أو الإصلاح الأقتصادي وإعادة الهيكلة التي بسرعة البرق أظهرت العيوب الأقتصادية إلى السطح مما تسببت بأنهيارات متسلسلة لجميع جوانب الحياة وبالنتيجة سقطت دولة عظمى مثل الاتحاد السوفياتي وتمزقت إلى عدة دول في ليلة وضحاها . دول العالم الثالث تحتاج إلى مكملات بناء الإنسان الصحيح وتوفير هذه المكملات تحتاج إلى صرفيات أقتصاديات ممنهجة لأن بناء الإنسان يعني بناء القوة وبناء الدولة وبناء الحياة فهذا الإنسان المبني بناءاً صحيحاً سيبني دولة ومجتمعاً صحيحاً ومن ضمنها ستكون هناك قوة عسكرية صحيحة ونظام صحي صحيح وقد تحوز على تكنلوجيا تفوق النووي خاصة وأن العلم والتكنلوجيا يفاجأنا كل يوم بتطورات مذهلة ، فلم يعد السلاح النووي هو الحلم أو هو الرهان ، فهذه كوريا الشمالية تعيش العزلة الخانقة والمجاعة والتخلف والفقر ، بماذا نفعها سلاحها النووي بعد أن أعتقدت بأن سلاحها النووي سيرتقي بالمجتمع الكوري إلى مصاف الدول العظمى ؟ يقولون سلاحها النووي حفظ كرامتها ، طيب أين كرامة الإنسان الكوري الشمالي الجائع المحروم الذي يعيش العبودية مع حاكم مهووس دموي مقارنة بكرامة الإنسان الكوري الجنوبي المتطور المتمدن الشبعان الحر في دولة ديمقراطية لا تمتلك سلاح نووي تؤمن بالحرية وتؤمن بكرامة الإنسان ، هذه خدعة الحكام المرضى عقلياً عندما يختبئون خلف مفردات الكرامة وهم يسحقون كرامة شعوبهم ثم يتحدثون بالعقيدة النووية وغيرها ، ألم تسحق كرامة العراقيين أيام الحصار بسبب العقيدة ؟ ألم تسحق كرامة السوريين بعقيدة الممانعة ؟ بينما الدول النووية العظمى لم تستنزف اقتصادياتها لأجل النووي وإنما النووي كان تحصيل حاصل لتطور الحياة ، فهذه الدول والشعوب التي تعيش على مخلفات المصطلحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع كمصطلح العقيدة النووية هي مجتمعات غير واقعية بالمرة ، تركت جوانب الحياة التي يحتاجها الإنسان للتطور وانشغلت بما يجعل حياة الإنسان شقاء وتعب وتخلف . إيران أغنى وأقوى وأعرق من جميع دول المنطقة أصبح فيها مواطنها يأن من الجوع والحرمان والتخلف بسبب العقيدة النووية . دول صغيرة مثل قطر والأمارات وماليزيا وهونك كونك أصبحت محط أنظار العالم بدون نووي وحتى بدون صناعة بندقية أو طلقة وجميع دول العالم تتدافع لبناء علاقات مع هذه الدول وجميع دول العالم مستعدة للدفاع عن هذه الدول الصغيرة إذا تعرضت لأي عدوان خارجي وقد تستخدم النووي من أجلها ، لأنها دول ذات ثقل في أقتصاديات دول العالم . نتمنى اليوم الذي لا نسمع فيه مثل هذه المصطلحات الغوغائية التي يطلقها من لا عقيدة له بوجوب احترام كرامة الإنسان ونسمع بدل عنها العقيدة الإنسانية والعقيدة الفضائية والعقيدة التكنولوجية والعقيدة الرياضية والطبية وعقيدة الفن والجمال فنكون قد عرفنا الحق من الباطل وأنقذنا شعوبنا من الذلة بسبب النزاعات المسلحة التي ليس لها ما يبررها سوى العقد النفسية المتوارثة .