في بداية الثورة السورية عام 2011، وقف بشار الأسد نفسه أمام الإعلام ليعترف بأن مطالب المتظاهرين “محقة”، لكنه لم يكن يرى في الشعب سوى عائق أمام مشروعه الأبدي في الحكم.
لم تمضِ شهور حتى قلب الطاولة على الجميع، وبدأ باستخدام فزّاعة “الإرهابيين والتكفيريين” لتبرير قمعه الوحشي، فصار كل معارضٍ إرهابياً، وكل ثائرٍ مشروع انتحاري.
ولم يكتفِ بذلك، بل استخدم الطائفة العلوية كوقود لحربه القذرة: أغراهم تارةً بالامتيازات، وأرهبهم تارةً بأكذوبة “الذبح الطائفي” في حال سقوطه.
حتى لم تبقَ عائلة علوية إلا وقد دفعت بابن أو أكثر إلى أتون معركة خاسرة من أجل رجل واحد.
ومع تآكل سلطته وتهاوي قبضته، بدأ فلوله في محاولة تفجير الوضع كلما اقتربت المساءلة، خوفاً من الحساب، فصرنا نرى أعمال عنف متفرقة، لا هدف لها سوى تذكير الناس بأن “البديل هو الفوضى”، وكأن القاتل يفرض نفسه حَكَماً.
اليوم، تتكرّر هذه المسرحية في السويداء، مع اختلاف في الزيّ واللهجة.
فالشيخ حكمة الهجري الذي يزعم أنه حامل لواء الدروز، يسير بخطى ثابتة على طريق الأسد: مرة يصف السلطة الجديدة بالإرهاب، ومرة أخرى لا يعترف بها، ثم ينشئ ميليشيات مسلحة باسم “حماية الطائفة”، ويقود تنظيمات تعتدي على من يخالفه وتُقصي كل صوت مختلف.
والأخطر أنه يحتفظ بعلاقات قديمة مع نظام الأسد، ليس في السياسة فقط، بل في ملف تجارة المخدرات التي تحوّلت فيها السويداء إلى معبر مفتوح.
وصار قرار الطائفة مرهونًا بمزاج الشيخ ومحيطه، كما فعل حزب الله حين صادر قرار الشيعة في لبنان، وحوّل الدولة إلى هيكل فارغ يُدار من الضاحية الجنوبية.
فهل يريد الهجري أن يحوّل السويداء إلى ضاحية سورية؟
وهل يعيد إنتاج حزب الله بنسخة محلية تستقوي بالخارج بدل أن تتكئ على الدولة؟ وإذا كان حزب الله قد برر شرعيته بالمقاومة، فإن الهجري يبرر تمرّده بـ”الخوف على النساء من السبي” – كذبة فاضحة لا تليق بمكانة الطائفة، ولا بتاريخها.
فالدروز عاشوا في إدلب – تحت سلطة جبهة النصرة – بكرامتهم، ولم تُمسّ أعراضهم، ولم تُستهدف طقوسهم، بل كانوا آمنين كما لم يكونوا يومًا في كنف الأسد. واليوم، إدلب هي أكثر محافظات سوريا أمنًا واحترامًا للقانون، مقارنةً بالسويداء التي صارت ملاذًا لتجّار السلاح والمخدرات، والفارين من العدالة.
من هنا، فإن أحرار بني معروف – وهم الغالبية – مدعوون لوقفة تاريخية، لا دفاعًا عن الدولة فقط، بل عن مستقبل طائفتهم. فكما ورّط الأسد العلويين باسم البقاء، يحاول الهجري اليوم توريط الدروز باسم الحماية، والحقيقة أن كلاهما يبحث عن سلطة لا عن نجاة.
الحكمة أن يتخلّى أبناء السويداء عن هذا المسار قبل أن يسقطوا في الحفرة ذاتها، فلا يتأخرون كما تأخّر العلويون الذين حاولوا الفكاك… بعد أن فات الأوان.
—-
عبدالناصر عليوي العبيدي